Saturday 7 July 2012

اسكندريلا… الذَّاكِرَةُ تَحْضُرُ مِنْ جَدِيدْ

من تدوينات مكتوب المرحوم - 2012

      رسمتُ مُسبقاً حجم الحضور الذي سأُلاقيه في الأُمسية المُتوجهة إليها في دارة الفنون بقلب عمّان، في اللويبدة تحديداً، ثمّ تراءت إلى ذاكرتي صُور آخر أُمسيةٍ حضرتُها في هذه الدّارة، حيثُ كانت قبل ثلاثة أعوام، في تموز 2009، للشاعر الفلسطيني الجميل تميم البرغوتي، هي أمسيةٌ شعريةٌ حضرتُها مع عددٍ من الشّباب الجامعي المتحمّس للهمّ الفلسطيني، كان الجمهور حينها يقارب الـ 1500 شخص، أو يزيد قليلاً، ما جعلني أُنصتُ لأشعار البرغوتي واقفةً لازدحام المكان، مقاعداً وأدراجاً وحجراً، والحقيقة أنّي كنتُ مشدوهة بالحجم الهائل من المُحتشدين، من مختلف الفئات العمرية، ومذهولة بالشّاعر الشّاب الذي جمعهم على اختلاف أطيافهم!

     الأمسية الثانية لي في دارة الفنون كانت قبل يومين، لفرقةٍ مصريةٍ عرفتُها في عالم الافتراض، وبالتزامن مع ثورة 25 يناير، وها أنا اليوم ألمسها على أرض الواقع، إنّها "فرقة اسكندريلا" أو "فرقة الشّارع" التي استقبلها الشّارع الأردني، بمختلف أجناسه، بلهفةِ طفلٍ ينتظر صباح العيد لارتداء ثيابه الجديدة لأول مرّة.

     هذه الأمسية لم يكُن شبابها من الحاملين للهمّ الفلسطيني فحسب، بل هو جمهورٌ أوسع وأعم، جمهورٌ عربيٌ مُجتمعٌ على وحدة الفكرة والهدف في حُقبةٍ مميّزة من الزمان، جمهورٌ لن يجد فرقةً تفوق "اسكندريلا" في العروبة.

     اضطررتُ لخطفِ روحي من نهايةِ ندوةٍ قيّمةٍ تتحدّثُ عن "السُّخرية في ظلّ الربيع العربي" حتى أصل إلى الأمسية في الموعد المُحدد، بالرّغم من هذا؛ وصلتُ متأخرة بعد هروبي من هذه النّدوة التي ضمّت أسماءً تُرفعُ لها القُبّعات احتراماً وتقديراً، ومع ذلك فقد كان حجم جمهورها لا يتعدى عدد أصابع اليدين! ولعلّ هذه أكبر سخرية يُواجهها المتحدثون في الندوة.

     في دارة الفنون وقفتُ من جديد، قرابة الـ 90 دقيقة وكل خليّةٍ من جسدي تستشعر وتقشعرُّ إلى ما تشدو به فرقة "اسكندريلا" صوتاً ولحناً، حتى حلّقتُ إلى عالمٍ مُختلفٍ لم أسمع عنهُ من قبل، شعرتُ معهُم وكأنني أخرُجُ عن صمتي، وكأنني أُمسكُ بحُلُمي.

     في أوجّ غَمْرة السّحر الذي أحدثتهُ بي فرقة "اسكندريللا" تنبّهتُ على نفسي، فتذكّرتُ أنّي "مشروعُ صحفية" وأنّهُ عليّ تشغيل حاسّة "الملاحظة الشّاملة" للمكان الذي أطأ أرضه، ورصْد كل ما يدور حولي، مهما كان…

     بدأت عيناي تتفحّصان الجمهور، كان هائلاً، لعلّهُ زاد عن الألف، لكنّي لستُ متأكدة، فقد فاض الجمهور عن المكان كما في أمسية البرغوتي، مقاعداً وأدراجاً وحجراً، ذاك الحجر الذي كاد ينطقُ من روعة ما يسمع، من بين الجمهور عددٌ لا بأس به من الوجوه المألوفة لدي.

     ترقّبتُ ردود أفعال الحاضرين مما يسمعون ويشاهدون، فكانت ردوداً مختلفة؛ منهم من يُنصت بكامل حواسه، مغمضاً عينيه، مُحرّكاً رأسهُ بانسجامٍ واضحٍ مع الموسيقى، تاركاً روحه تُحلّق، ومنهم من يستمع باهتمامٍ مُصطنع، لا يكفّ عن مراقبة السّاعة، وكأنّهُ حضر مُجبراً لإنهاء مهمّةٍ ما، ومنهم من قتلهُ الفراغ، فجاء ليروّح عن نفسه قليلاً، ومنهم من لا يدري إلى ماذا أتى، هو جمهورٌ فضولي، يميلُ لكلّ جديد، يكتفي بالترقب وتوزيع الابتسامات، وأحياناً ينجحُ بالاندماج، ومنهم كذلك شبابٌ متحمّس بشكلٍ مبالغ، جميلٌ بإقدامه، لكنّهُ خطير ومؤذٍ بسطحيته، سمِع عن فرقةٍ ستغني ضد إسرائيل، فانطلق لحضورها، دون أن يقرأ عنها، أو حتى أن يحفظ اسمها!

     التقطتُ بعض الصُّور التذكارية، وسجلتُ مقاطعاً غنائيةً للفرقة، كما دوّنتُ بعض المشاعر التي اعترتني خلال هذه الأمسية المُدهشة! ممّا دوّنت؛

"منذ أيّام طرأ على فكري خاطرٌ مجنونٌ، وفي هذه الدّقائق أستحضرُ أحداثه بطاقة خفيّة أجهلُ مصدرها، أعتقدُ أنّ لحظاتٍ تفصلُني عن الجنون الذي أنوي تحقيقه"…

     لعلّ تداخل المشاعر جعلني أدوّن كلماتٍ لا أعيها بالكامل، لكنّي سعيدة بهذا الغموض القابل للتحقيق الذي منحتني إيّاه فرقة "اسكندريلا".

     من ترقّبي لمن حولي، وجدتُ كثيراً من الحضور مثلي، بل وأفضل بالفعل، كانوا يلتقطون صوراً، ويسجّلون مقاطع فيديو، ويدوّنون بعض الكلمات، ومعهم كلّ الحق في ذلك، فهذه لحظاتٌ مخطوفةٌ من الزّمن، لا بد من حفظها واسترجاعها فيما بعد، لأنّهُ قلّما تتكرر بكامل ألقها وبهائها كاللّيلة.

     انتهت الأمسية فسلّمتُ على بعض الوجوه التي أعرفها، ثمّ خرجتُ من دارة الفنون وأنا ممتنّةٌ لها لاحتضانها هذه الفرقة السّاحرة، ولاحتوائنا نحنُ المُتعطّشون لقطرة أمل، وشاكرة كذلك لجمعية الحنّونة للثقافة الشّعبية، التي ضمّنت فرقة "اسكندريلا" لفعالياتها التي أطلقتها في الموسم الرّابع من برنامج "حرّاس الذاكرة".

  
* نُشر هذا المقال لأول مرة بتاريخ 18 أيار 2012

     

 أُدرجُ لكُم بعضاً من الكلمات التي تتغنّى بها هذه الفرقة الأخّاذة، ثمّ مقاطعَ غنائية للفرقة سجّلها بعض الحضور:

 يـُحكى أنّ .. أنّ إيه؟
سرقوا بلادنا ولاد الإيه
يـُحكى أنّ .. كان يا مكان
سرقوا بلادنا الأمريكان
يـُحكى أنّ .. جيل ورا جيل
سرقوا فلسطين إسرائيل
راح يدخلوا يغداد العصر
و المغرب راح يدخلوا مصر
يـُحكى أنّ .. أنّ إيه؟
سرقوا بلادنا ولاد الإيه
يـُحكى أنّ .. كان يامكان
سرقوا بلادنا الأمريكان
يـُحكى أنّ .. جيل ورا جيل
سرقوا فلسطين إسرائيل
يـُحكى أنّ .. يا أحفاد
أمريكا دخلت بغداد
يـُحكى أنّ .. ياحلاوة
أمريكا بتضرب بغباوة
*****
حيوا أهل الشام.. يا أهل الله
صابره وهشام.. وما شا الله
كلهم قد صام..  وقد صلى
يا ابو زيد الخيل.. متقلقشى
كلهم قد نام.. مؤدى الفرض
*****
البحر بيضحك ليه
وأنا نازلة أتدلع أملى القلل
البحر غضبان ما بيضحكش
أصل الحكاية ما تضحكش
البحر جرحه ما بيدبلش
وجرحنا ولا عمره دبل
البحر بيضحك ليه
وأنا نازلة أتدلع أملى القلل
***
مساكين بنضحك م البلوة
زي الديوك والروح حلوة
سرقاها م السكين حموة
ولسه جوا القلب أمل
البحر بيضحك ليه
و أنا نازلة أتدلع أملى القلل
*****
راجعين بقلب حديد
راجعين أمل بيزيد
خطر يروح لأمان
شجر يقول أناشيد
راجعين من الماضي
رايحين على المستقبل
بعزمنا الماضي
الدنيا تصبح أجمل
يا حياة يا حريّة
يا روح يا مصريّة
يا عيش وملح وماء
الناس سواسية
راجعين راجعين راجعين يا حياة
راجعين راجعين راجعين للحياة

  


No comments:

Post a Comment