الخمسينية عايدة.. حكايةُ امرأةٍ تحلُمُ بضمّ أبنائها لحضنها

      عمان- بابتسامةٍ بشوشةٍ وصوتٍ مُتقطّع، استقبلت الخمسينية "عايدة عبّاس" فريق "الغد" لتروي له حكاية أرهقت كاهلها، وضاعفت مُعاناتها.

     لم يعُد ورمها الخبيث أكبر مصائبها، ولا رغبتها في منزلٍ جيّد ودخلٍ ثابت أهم احتياجاتها، بعد أن أصبحت حاجتها الرئيسية اليوم عودة أبنائها إليها.
     فمُصيبتُها الكبرى هي تشردهم في مخيّمٍ في لبنان، بعد أن حرمها منهم طليقها "لبناني الجنسية فلسطيني الأصل"، الذي رحل بهم إلى أحد المخيمات الفلسطينية في لبنان، فخسرت بذلك كلا من أطفالها، وزوجها الثاني، الذي تركتهُ على أمل أن تحتضن فلذات أكبادها، لكنّهُم لم يعودوا، لتكتمل مُصيبتها في ظروفٍ حياتية بائسة، لم يخفف عنها سوى ابنة أنجبتها من زوجها الثاني، آنست وحشتها.
     لـ الخمسينية عباس في لبنان خمس فتياتٍ وشاب، أكبرهم ابنة في الثلاثين من عمرها، تسلّل إلى جسدها الروماتيزم والسكري، وأصابتها الجلطة، يليها شابٌ في عمر الزهور، فقد ذاكرته، ولازم الشوارع، ليصبح ما يُلقى بها من بقايا، غذاءَهُ الوحيد، وابنةٌ أخرى أُصيبت بجرثومةٍ لا علاج لها.
     يتبعُها ثلاثُ أخوات "كتب الله لهُنّ السُّترة" فتزوجن، إضافة إلى ابنتها التي تقطنُ معها في مُخيّم الحسين، في منزلٍ مُكوّنٍ من غُرفتَيْن، تدفعُ أجرته أربعين ديناراً شهرياً.
     ابنتُها الصغرى، 16 عاماً، مُتفوّقة في دراستها، تطمحُ إلى إنهاء المرحلة الدراسية، ثمّ إتمام الجامعية بتخصص الطب.
     تقول الأم عايدة عباس "أبنائي في لبنان لا يحملون الجنسية اللبنانية، فوالدهم لم يُسجّلهُم منذ صغرهم، وبالمقابل لا يستطيعون الاستفادة من جنسيتي الأردنية".
     تزورهم كلما سنحت لها الظروف، وتجدد لهم إقاماتهم بشكلٍ سنوي، لكن هذا يُكلّفها 710 دنانير، ما يفوق قدرتها، "ألا يكفيني عبء المنزل وتكاليفه، من إيجارٍ، وفواتير، إلى أجرة المواصلات من المنزل إلى مركز الحسين للسرطان" بحسبها، حيث تتردد على المركز للعلاج من إصابتها بسرطان الحنجرة، إضافة لمصاريف ابنتها، لتزيد تكلفة الإقامات من العبء المُلقى على عاتقها، حتى باتت الديون تقسم ظهرها، وباتت تحتاج لمبلغ مالي لسداد الدين المتراكم عليها، في وقتٍ لا يتجاوز فيه دخلها الشهري السبعين ديناراً، أربعون من صندوق التنمية الاجتماعية، والباقي من أهل الخير.
     وتتابع الأم المكلومة؛ إنّ مرضها وإرهاق جسدها يمنعانها من الحركة الطويلة، ما يجعلها عاجزة عن تحسين دخل المنزل، مُشيرةً إلى أنّها تقوى على تحمل حياة الفقر، لكن ما لم تعُد قادرة عليه؛ هو بعد فلذات كبدها عنها.
     مُتسائلة والدمع يفرّ من عينيها "متى أستطيعُ ضمّ أبنائي إلى صدري من جديد؟!".


نُشرت هذه القصّة في جريدة الغد الأردنية، يوم الإثنين، بتاريخ 22/ 8/ 2011

No comments:

Post a Comment