عائلة أم أحمد: 5 أفراد يقطنون حجرة لا تتجاوز مساحتها 15 مترا مُربعا

الغد - عمان - بدا كهلاً رغم أنّ عُمرهُ لا يتجاوز 45 عاماً، هو والد لفتاتينِ بعُمر الزهور، الحزن يملأ عينيهما، ومع ذلك فهما وادعتان، وطفل بالرغمِ من صغر سنّه؛ إلاّ أنّ مظهره ونظرته يوحيان بشاب مدرك لخفايا الحياة، مُصمم على التغيير، وزوج لامرأة تبحثُ دونَ كللٍ أو مللٍ عن حالٍ أفضلَ لأُسرتها.
هذه هي عائلة الأربعينية "أم أحمد"، المكونة من خمسة أفراد، يقطنون حجرة لا تتجاوز مساحتها الـ15 متراً مُربعاً، في أحد أزقّة صافوط، الشمس تهجرها شتاءً صيفاً، ومياهُ الأمطار تغزوها بدون رأفة أو رحمة.
الزوج "أبو أحمد" يحتل المساحةَ الأكبر من الحجرة، فهو يمضي يومه ممدداً على فرشة رقيقة بعد أن تمكن منه المرض، حيث يُعاني من ألم حاد أسفل الظهر، واشتباه انزلاق غضروفي، مع شد عضلي لا يفارقه، بالإضافة إلى اكتئاب نفسي شديد، ونوبات صرع بين الحين والآخر، ونسبة عجز بحسب تقارير طبية تصل إلى 75 %.
كل عشرة أيّام تخرج "أم أحمد"، لجلب دواء لزوجها، والذي لا يرهقها ثمنه "ربع دينار علبة الدواء" فهو مؤمن صحياً، لكن تنهكها مصاريف المواصلات، من منزلها بمنطقة صافوط في لواء عين الباشا إلى المستشفى الذي يتعالج به زوجها في السلط.
وتقول "في كل مرة أتكلف على الأقل ثلاثة دنانير، قد لا يكون بالمبلغ الكبير لدى البعض، لكن فقدانه يعني الكثير بالنسبة لي ولأبنائي المساكين".
بحسرة تسرد أم أحمد سبب قطع صندوق المعونة الوطنية التابع لوزارة التنمية الاجتماعية للمبلغ الشهري الذي كان يُصرف لعائلتها، والذي عانت حتى حصلت عليه، موضحة "بدأت في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، أحصل على 180 ديناراً من التنمية الاجتماعية، بعد رحلة طويلة من المعاملات، لكنهم أوقفوه في شهر شباط (فبراير) الماضي.
وتتابع حين استفسرت عن سبب ذلك، علمت أنه بسبب باحثة اجتماعية طرقت باب منزلنا بهدف الاستعلام عن وضعنا، فلم يجبها أحد، فاعتقدت أنّ رب الأسرة يعمل، وزوجته كذلك، فرفعت تقريراً إلى الوزارة "تُعلمهم فيه بذلك، وسُرعان ما قُطع المبلغ، بدون التأكد من صحة هذا الادّعاء".
وتؤكد أم أحمد أن لا عمل لها، وأن زوجها عاجز عن الحراك، مضيفة "لا شك أنّ هذه السيدة طرقت باب منزلي في يوم كنت أجلب فيه الدواء لزوجي، وأبنائي كانوا حينها في مدارسهم، أمّا زوجي، فلا قدرة له على الحراك حتى يجيبها".
"كان راتبُ التنمية كافياً" تضيف أم أحمد، فمن خلاله كانت تُدبر احتياجات المنزل والأطفال والدواء لزوجها، فتكفي نفسها ذل السؤال، وتقي أطفالها مهانة الحاجة، ومع كفايته إلا أنها كانت تحرم نفسها وعائلتها من أمور كثيرة، كدوائها مثلاً، فهي تعاني من احتكاك في اليدين والقدمين، وضعف في الشبكية، لكنها تقول "بدل أن أجلب دواء لأخفف ألمي، أفضل جلب بعض الحاجيات لأطفالي".
وتروي أم أحمد ما حدث لهم في الثلجة الأخيرة، حيث تقول "امتلأت حجرتنا ماءً، فتسربت إلينا من خلال الباب، وتساقطت من سطح الحجرة، ولم نكُن نملكُ غازاً حتى نستمد منهُ الدفء، ولا حتى طعاماً أو شراباً نسد بهم جوعنا".
وتراكم على هذه السيدة المكلومة 300 دينار ديون، و55 ديناراً أُجرة حجرة تقيم بها، وفق أم أحمد التي أكدت أن أُجرة المنزل لم تكسر عليها، إلاّ بعد قطع وزارة التنمية الاجتماعية المبلغ عنها.
تقول أم أحمد "لا أريد سوى العيش بكرامة، بدون همّ، يُحزنني مرضُ زوجي وعجزه، لكنّ قلبي يتفطرُ على أطفالي المساكين، الذين ورثوا عنّا الفقر، لقد أرسلت معهم في بداية المدارس (كراتين) حتى يسجلوا عليها ملاحظاتهم المدرسية، لعجزي عن تأمين دفاتر مدرسية لهم!" مُضيفة "إنّهُم يجهلون كثيراً من أصناف الطعام، وأحياناً يسألونني عن بعض الأطعمة التي يشاهدونها إن مرّوا من جانب مطعم خلال ذهابهم أو عودتهم من المدرسة".
هذه هي أُسرة هذه السيدة، التي تتشارك حجرةً واحدة، تستغلها للنوم، والطبخ والأكل، وتبادل الأحاديث، واستقبال الزائرين، بل وللّعب والدراسة كذلك.

نشر : 26/03/2012

* تجدون القصة كذلك على الموقع الإلكتروني لصحيفة الغد:




No comments:

Post a Comment