Showing posts with label طوارق مالي. Show all posts
Showing posts with label طوارق مالي. Show all posts

Wednesday 13 April 2016

الأطفال في عزلة الحواسيب اللوحية

ما إن دخلت سارة (22 عاماً) أحد المطاعم الشهيرة في عمّان برفقة شقيقها الذي يصغرها بعشرة أعوام حتى عاد بها الزمن إلى أيام طفولتها، لتقارن بين طفولة جيلها وطفولة جيل أخيها.

تقول سارة "في الماضي كانت الألعاب الجماعية التي توفرها المطاعم أو الموجودة في الحدائق العامة تجمعنا بأبناء جيلنا، لنلعب معا بمرح كأننا نعرف بعضنا منذ زمن، لكنني الآن لم أعد ألحظ أي طابع جماعي في ألعاب الأطفال، إنهم يميلون إلى العزلة والهدوء، فبأيديهم أجهزة لوحية تكفيهم وتغنيهم".

وتضيف "حتى أن أحد المطاعم وفّر -بالإضافة إلى الألعاب التقليدية- قسماً خاصاً بالأجهزة اللوحية، التي جذبت أنظار الأطفال إليها، وأسهمت في ترك الألعاب التقليدية فارغة".

يشبّه المستشار الاجتماعي سيد الرطروط التغيرات التي طرأت على تصرفات الأطفال بالعدوى التي وصلتهم من أسرهم.

حيث يقول إن منظومة التواصل بين الأهل وأبنائهم تراجعت بسبب التطور التكنولوجي الذي طال الجميع، مما جعل الأطفال يجدون أجهزة جديدة تغنيهم عن أهاليهم المشغولين عنهم بأجهزة شبيهة.

في المطعم ذاته، التقت مجلة الجزيرة أسماء (العشرينية) التي كافأت ابنتيها (خمسة أعوام وثمانية) بإحضارهما لتناول وجبات الطعام التي يحبانها، ومن ثم اللعب على الأجهزة اللوحية التي يوفرها المطعم.

تقول أسماء إنها تحاول قدر المستطاع تقليل فترة لعب ابنتيها على الأجهزة اللوحية، لأن انغماسهما في اللعب عليها يزيد انطواءهما وتحولهما إلى فتاتين عدائيتين في حال غيابها.

منى (33 عاماً) أم لثلاثة أطفال، لاحظت كذلك انجذاب أبنائها إلى الأجهزة اللوحية أكثر من أي لعبة تقليدية أخرى، الأمر الذي جعلهم يجهلون كيفية اللعب الجماعي.

تقول منى "للأجهزة اللوحية أثر إيجابي كبير على الرغم من السلبيات الكثيرة التي تحيط بها وتؤثر على أطفالنا"، حيث لاحظت أن هذه الأجهزة ساعدت في تنمية إدراك أطفالها في وقت مبكر لم يكن ليحدث مع أطفال من أجيال سابقة، كما أنها ساعدت في منح أطفالها قسطاً من الهدوء.

يؤكد ذلك الرطروط، حيث يقول إن الأجهزة اللوحية تزيد ذكاء الأطفال ومدى تفاعلهم، لكنه يصرّ على ضرورة رقابة الأهل على جميع حركات الأطفال عليها.

وهذا ما أكدته منى التي تحافظ على متابعة ما يفعله أطفالها، وتخصيص ساعات محددة لاستخدام هذه الأجهزة، كي لا تتحول إلى إدمان وتؤثر سلباً عليهم، وليكون لديهم وقت آخر للعب التقليدي وممارسة حياتهم الطبيعية.

وفي ما إن كان استخدام هذه الأجهزة يزيد مستويات العدائية لدى الأطفال، تقول منى "لاحظت على ابني الأكبر بعض التصرفات العدائية، وهذا يعود إلى نوعية الألعاب
والبرامج التي يختارها، فهو يحب اللعب بالديناصورات كثيراً، الأمر الذي يجعله يطبق حركاتها على إخوته الأصغر بمجرد تركه جهازه اللوحي".

مضيفة "بشكل عام، تزيد نسبة العنف عند كافة أبنائي إن زادت فترة جلوسهم على الأجهزة اللوحية أو إن غابت عنهم كلياً، لذلك أحاول تخصيص وقت محدد لاستخدام هذه الأجهزة وتعويدهم على عدم التعلق بها وخلق بدائل كثيرة لهم".

من خلال تجربة الثلاثينية حنان مع أبنائها، لاحظت وجود الكثير من الألعاب غير المدروسة التي تعتمد على العنف أو السرعة المبالغة لتخطي مراحلها، مما قد يؤثر بشكل سلبي على قدرات الأطفال ويفقدهم التركيز في ما حولهم.

تقول حنان "أحاول إبعاد أطفالي عن الألعاب المضرة، لكنهم بشكل أو بآخر يلعبونها"، مضيفة "ابني (سبعة أعوام) يصرّ على تحميل ألعاب العنف، فهو متعلق بها بشكل لا يوصف، الأمر الذي جعلني بعد فترة من لعبه ألاحظ تغيراً على أسلوبه في التعامل مع أخيه الأصغر (خمسة أعوام)، حيث أصبح يميل إلى الضرب خلال لعبه معه، وإلى فعل حركات غريبة في الهواء مع إطلاق تسميات غريبة لكل حركة".

بالإضافة إلى ذلك -تقول حنان- إن هذه الأجهزة أفقدت الأطفال بشكل عام قدراتهم على التواصل والتحاور مع بعضهم ومع من حولهم، حيث جعلت مستوى ذكائهم الاجتماعي يتدنى، وجعلتهم يميلون إلى الانفراد خلال لعبهم.

وتواصل حديثها "كان أبنائي وأولاد عمومتهم يلعبون معاً باستمرار، لكنهم أصبحوا الآن يجلسون معا دون أي تواصل، ففي يد كل واحد منهم جهازه اللوحي، الذي حرمهم من متعة التواصل وتبادل الخبرات". و"أعمل جاهدة على إبعاد أطفالي عن هذه الأجهزة، لكن التحدي صعب وكبير في ظل انتشارها الواسع وسحرها عليهم".

وفي هذا الخصوص، يقول الرطروط إن الأجهزة اللوحية سلاح ذو حدين؛ فهي قادرة على رفع مستويات الذكاء لدى الطفل، وتدميره ورفع مستويات العدائية لديه أيضا، وذلك يعود لرقابة الأهل، ومراقبة سلوكه الناجم عن استخدامها لدراسة أسبابه ومعالجته.


وفي ظل الانتشار الواسع للأجهزة اللوحية بين الأطفال، يبقى السؤال الأهم الذي لا بد من الالتفات إليه هو: هل ستغير هذه الأجهزة فطرة الأطفال التي كانت تجري خلف كرة القدم أو تنطلق إلى الأرجوحة أو تختار لعبة جماعية "كالاستغماية" بفطرة ميّالة إلى الوحدة وبعيدة عن روح الجماعة؟



*تجدون التقرير كذلك على الموقع الإلكتروني للجزيرة نت: