Showing posts with label تدوينة. Show all posts
Showing posts with label تدوينة. Show all posts

Monday 20 November 2017

رحلة الشتات.. قصة المواطن اكس

كانت تبثّه أشواقها عبر شاشة بحجم اليد حين أشاح بعينيه عنها وقال بصوت مسموع ومكسور "الله ينتقم من اليهود.. همّه سبب كل مشاكلنا".

كان هذا قبل عدة أيام، حيث لم يلتئم الجرح بعد، قبل ذلك بحوالي سبعين عاماً، كان والده جالساً على مقعده الصغير، وكان يقترب بملعقته الممتلئة بوجبته الشهية من فمه حين اقتربت منه والدته على عجل لتمسك بيده، اليد ذاتها التي كانت ممسكة بالملعقة، وتهرب به وببعض حاجيات حملتها دون تفكير إلى حيث لا تدري. بعد فترة من الجري تنبّه والده إلى أنه لم يزل ممسكاً بالملعقة، وكانت لا تزال بقايا الطعام الذي لم يتمكن من تناوله عالقة بها، شعر حينها بشيء غريب يختلج في صدره، حين كبر، عرف أنه شعور الغصة، ذاك الشعور الذي بقي ملازمه حتى يومنا هذا.
 
إلى يومنا هذا، كان لا يزال يذكر حكايات والده الذي وُلد قبل النكبة بستة أعوام، والذي ورغم صغر سنه، إلا أنه بقي محتفظاً بذكرياته الجميلة عن قريته في فلسطين وبذكرياته الأليمة عن النكبة وما خلّفته من شتات. كان كذلك يحتفظ بحكايات جده التي ورثها من والده، جده الذي وُلد قبل مئة عام في المنزل نفسه الذي لم يتمكن والده فيه من إكمال وجبة طعامه ولا من إكمال شريط ذكرياته على نحو يستمتع به من يسمعه.

اقتلاع شعب وزراعة آخر
هذه حكاية من بين ملايين الحكايات التي تمثّل معاناة الشعب الفلسطيني، حكاية تمثّل جزءاً صغيراً جداً مما تعرّض له هذا الشعب من جور وظلم وحالات فراق بين الأهل والأحبة، وما خفي كان أشد عنفاً وظلماً وقهراً.

هذه حكاية بدأت مع معاهدة سايكس بيكو عام 1916، والتي تم توقيعها بين فرنسا وبريطانيا لتقسيم الأراضي العربية الواقعة شرقي المتوسط، بل من قبل، حيث انعقد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 في مدينة بازل السويسرية بهدف إقامة وطن للشعب اليهودي في فلسطين تحت حماية القانون العام، مروراً بوعد بلفور المشؤوم عام 1917 حيث أيّدت فيه الحكومة البريطانية قرار إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وأبدت كامل مساعدتها ليتم ذلك، وبالفعل، تكاتفت قوى العالم حينها، ليحدث ما حدث، ورغم رفض السواد الأعظم من اليهود لهذا القرار، إلا أنهم وبسبب الممارسات النازية ضدهم في أوروبا، اضطروا مرغمين إلى الهجرة لفلسطين. واستمرت الهجرات اليهودية والمعارك في فلسطين حتى تحولت عام 1948 إلى نكبة، حيث تم تهجير أكثر من 750.000 فلسطيني من ديارهم وأراضيهم في فلسطين ليخسروا خلال عمليات التهجير، الكثير من الأهل والممتلكات ويبدأوا حياتهم من الصفر ولكن مع لقب لاجئ.

وفي عام 1967 نكّس العرب رؤوسهم بخسارة فادحة أمام العدو المحتل الذي انتشر كالسرطان في أراضٍ عربية محيطة بفلسطين. لم يستطع العرب بعد ذلك رفع رؤوسهم، فقد بدأ حكامهم بمعاهدات تدعو لتطبيع الحياة بين العرب والعدو المحتل، بدأتها مصر بمعاهدة كامب ديفيد عام 1979، والتي كانت أول خرق للموقف العربي الذي يرفض التعامل مع العدو المحتل، تلتها معاهدة أوسلو بين العدو المحتل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 ومن ثم معاهدة وادي عربة في الأردن عام 1994.

رغم خنوع الحكومات، الظاهر والباطن، إلا أن الشعوب، وحتى يومنا هذا، لم ترفع راية السلام، ولن ترفعها، فالحكاية لم تنتهِ بعد، والماضي لا يزال حاضراً في قلوب وعقول الجيل الثالث والرابع من أبناء النكبة، سواء من فلسطين أو من العالم العربي.
 

ماذا يعني أن تولد فلسطينياً في بلد عربي؟
يعني أن تحمل فلسطين على عنقك، وأن تضمّها في منزلك، وأن تحفظها في عروقك.. يعني أن تعيش في وطن وأن يعيش في داخلك وطن آخر.. يعني أن تكون هويتك مشتركة ومنفتحة ثقافياً وأن تكون نسيجاً مميّزاً، تتداخل فيه الكثير من الملامح، ومع ذلك، سيُفرض عليك الرفض، وسيتم تجاهلك، ولن يتم الاعتراف بك ولا بحبك للبلد الذي تعيش فيه، البلد الذي وُلدت على أرضه، وظننت أنك تنتمي إليه، ستكتشف فيما بعد، أنك تنتمي إلى المظلومين وأن القهر هويتك، وأنك معاقب على شيء لم تفعله، ستشعر أنك بشر فائض عن الحاجة وستنصدم بحقيقة أن بلاد العرب ليست أوطانك، وستُبحر باحثاً عن حقك في الحياة. 

أنا من فلسطين.. تقصد من (إسرائيل)؟
ستصل أخيراً إلى قرار الهجرة من بلاد العرب، فأنت مضطهد من كل الأنظمة العربية، ستشعر حينها بهول ذكريات اللجوء التي سمعت عنها ولم تعشها، فها أنت لاجئ للمرة الثانية، ها أنت تترك مخيمك، وطنك، وتخرج بمفتاحين، مفتاح منزلك في فلسطين ومنزلك في المخيم.



ستشعر بقسط من الحياة، ستأخذ جزءاً من الحقوق، وستكون الفرصة أمامك لنيل المزيد، لكنك ستواجه الإنكار، ستصادف أحدهم وسيسألك "من أين أنت؟"، ستجيب بفخر "أنا من فلسطين"، سيتفاجأ السائل وسيسألك "ماذا تقصد؟"، ستتفاجأ من تفاجئ السائل ومن جهله! سيغلي الدم في عروقك، وستخبره عن فلسطين أكثر، لكنه لم يتجاوب معك، ستُريه أخيراً صورة القدس، ليقول: "آآآه! تقصد (إسرائيل)"!

هنا ستتغير معركتك، فبعد أن كنت في البلاد العربية تبحث عن فسحة حياة، حيث كان معترفاً بفلسطينيتك وغير معترف بك، ستصبح معركتك الآن معركة تاريخية، حيث معترف بك وغير معترف بماضيك، وستستمر المقاومة، سواء هناك أو هنا، لأنك تستحق الحياة ولأن اسمها فلسطين وسيبقى فلسطين.




تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة:


Sunday 2 July 2017

فوازير رمضان وسائق التاكسي

مضت أعوام وجهاز التلفاز في منزلنا لا يُفتح إلا في المناسبات؛ إعلان هام يستدعي فتح القناة الرسمية لمعرفته، انفجار هنا أو هناك يشدّنا لمتابعة أكثر من قناة عربية وعالمية وكلّنا أمل بألا يشوّه هذا الحدث إسلامنا البريء منه، صلاة الجمعة مباشرة من الحرم المكي، وفي الفترة الأخيرة أصبحنا نفتحه لنستغل ذكاءه وننقل ما نشاهده عبر أجهزتنا الخلوية من شاشة بحجم اليد إلى شاشة بحجم الحائط.


لولا الميزة الأخيرة لاعتبرته جزءاً من إكسسوارات المنزل، تلك الإكسسوارات التي لطالما أرهقتنا بمسح غبارها، كنت كثيراً ما أحمد الله بأن أصبحت التلفزيونات الحديثة رفيعة بشكل لا يسمح لها بالتقاط الكثير من الغبار، وإلا لكانت كثيرة الغلبة، قليلة الفائدة.


على أحد أرصفة عمّان كنت واقفة أنتظر سيارة تكسي وأفكر بالسبب الذي جعل أهمية التلفاز تتراجع إلى هذا الحد، قد تكون ثورة الإنترنت، وبالأخص مواقع التواصل الاجتماعي السبب الأهم في ذلك، فقد أتاحت للمتلقي فرصة التفاعل اللحظي مع كل ما يشاهده أو يقرأه، كما أنها منحته القدرة على المشاركة بالكثير من الأحداث الهامة وبإبداء رأيه بها بمنتهى السرعة والسهولة، وهذا أمر لم يكن موجوداً في زمن سابق، ومع ذلك، ليس هذا السبب بابتعادي أنا بالتحديد عن التلفاز.

وأخيراً توقفت سيارة تكسي فهممت بركوبها ثم أخرجت هاتفي الخلوي بعد إرشاد السائق إلى وجهتي، اخترت الفيسبوك لأقضي وقتي معه خلال طريقي، فبدأت بقراءة منشورات الأصدقاء إلى أن توقفت عند أحدها "أي مسلسل سوري بتلاقوه برمضان خبروني". أعادني هذا المنشور إلى تلك الأيام، أيام الطفولة ومن بعدها المراهقة ثم بدايات الشباب، كانت المسلسلات السورية رفيقتي في كل تلك المسيرة، كانت صديقتي التي لطالما فهمتني وعبّرت عني.


نعم، لقد عرفت سبب ابتعادي عن التلفاز، كيف لي أن أفتحه وقد خسر تلك الدراما الأقرب إلى قلبي ومجتمعي، صحيح أنني حاولت بعد عام 2011 مشاهدة بعض المسلسلات السورية، لكنني فشلت بمنحها فرصة المتابعة، فمع كل مشهد كنت أشعر بغصّة من ممثل كشف أوراق زيفه أو بخيبة من سيناريو يلمّع صورة المجرم أو باستهجان من حكايات تشوّه إسلامناومنذ ذاك العام والإحباط في داخلي يكبر كلما تذكرت أن الدراما السورية التي كنا ننتظرها من رمضان إلى رمضان والتي تنبّأنا لها بمستقبل باهر، ماتت قبل أن تُزهر بلحظات.


أخرجني سائق التكسي من إحباطي ليدخلني في دوامة إحباط جديدة. فوازير سائق تكسي..


- عمي، بدي أسألك مجموعة أسئلة وإذا بتجاوبي عليها كلها ومن غير ولا غلطة رح تكون أجرة الطريق عليّ. موافقة؟
تبادرت إلى ذهني أسئلة المسابقات التجارية التي اعتدنا عليها مؤخراً والتي بإمكان طفل صغير الإجابة عليها، فوافقت على الفور وكلّي ثقة من الفوز.
- شو أعلى مرتبة في الجنة؟

كنت على وشك الإجابة لكنني ترددت، أذكر أن الفردوس هو أعلى المراتب لكنني لست واثقة من صحة معلومتي، فهي مبنية على ذاكرة بعيدة لم تتم مراجعتها مع زحمة الحياة.

- الفردوس.. طيب، بتصلّي عالنبي؟
- عليه الصلاة والسلام.. طبعاً.
- طيب شو معنى صلاتنا عالنبي؟
- ممكن ذكر للنبي..


- قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"، صلاة ربنا على النبي ثناء وعطاء وصلاة الملائكة دعاء، طيب وإحنا؟ كمان دعاء بس هل النبي محتاج لدعائنا؟ إحنا بصلاتنا بنطلب من ربنا يثني على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فشوفي الفائدة اللي بترجعلنا بعد الصلاة عالنبي، كل ما صلّينا عالنبي ربنا بيحكي بما معناه "عبدي فلان صلى على حبيبنا محمد، فصلوا عليه عشراً، وأعطوه عشر حسنات، وارفعوا عنه عشر سيئات".. يعني شوفي شو بتنالي بمجرد الصلاة عالنبي؟ بتنالي كل الأجر والثواب.. يعني إنتي ولا النبي اللي محتاجة للصلاة هاي؟
- أنا.

وكلما سأل أكثر كلما أيقنت أنني أهملت ثقافتي الدينية واكتفيت بالمعلومات السريعة التي كنت أمرّ بها خلال سمعي أو دراستي أو قراءاتي العشوائية. سألته عن كيفية معرفته بكل هذه المعلومات لأشعر بسذاجة سؤالي من إجابته التي جاءت سريعة وبديهية:

- هاي سنة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-.. وكل شي قلتلك عليه مذكور ومفصّل بالكتب. شوفي يا بنتي كم واحد بيصلي عالنبي يومياً، تمنّيت واحد من الركاب يجاوبني جواب صحيح عن سبب هاي الصلاة.. بتعرفي مين اللي حقق أمنيتي؟ شاب أمريكي دخل الإسلام وتعلّم عربي وجاي على بلادنا يتعلّم الفقه!


لم أعجب من ذلك الشاب الأمريكي، فهو اختار الإسلام ديناً له، وعلى هذا الأساس غاص في أعماقه والتفت إلى كافة جوانبه، أما نحن، فقد ورثناه من آبائنا دون فهم له، وهذا سبب جهلناوصلت إلى وجهتي، دفعت له أجرة الطريق التي خسرتها بسبب جهلي، ثم ترجّلت من السيارة وأنا أفكر بخسارة أكبر.


يا لهذا العار! كيف سرقتنا الدنيا وأبعدتنا عن ديننا؟ كيف قضيت أول نهار لي في رمضان بالتفكير بجهاز التلفاز وأسباب ابتعادي عنه وبالتحسّر على المسلسلات السورية؟ كيف لم أفكر بأسباب ابتعادي عن ربي ولم أتحسّر على أمتي وعلى هزائمها المتتالية؟!



شكراً يا سائق التكسي، فرغم إحباطك لي، إلا أنك نبّهتني على أن الأوان لم يفتني بعد، فها نحن في رمضان، شهر العودة إلى الذات لتغيير الأفكار وتجديد الإيمان.



*تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة:

Friday 9 June 2017

ريال أو برسا.. "شعب واحد مو شعبين"

تصفيق حار! لقد بدأ الموسم، وارتفعت معه الهتافات وابتعد الشباب عن الفتيات، فالحبيبة الأولى عادت، الحبيبة المستديرة بكامل سحرها وألقها، خاطفة القلوب والعقول، التي يتبعها ويتابعها الجميع دون أن تقابلهم بالمثل.. فهل عرفتموها؟
 
إنها كرة القدم، تلك اللعبة التي لطالما آلمت طفولتي، سواء بصفعات على وجهي أو بحرماني من مشاهدة كرتوني المفضل. للأمانة، وحتى لا أكون ممّن يكتب فيما يجهل، فأنا لا أعرف عنها سوى اسمها، ألمها وبعض من صادفتهم في طريقي من محبّيها.
 
قبل حوالي شهرين عرف من حولي بخطة سفري إلى إسبانيا، لتبدأ التوصيات، ويا لها من توصيات! في البداية لم أكن أعرها اهتماماً، كنت أكتفي بالابتسام والاستماع، لكن الموضوع زاد عن حده فاستفزني لفهمه، فبعد وصولي إلى مدريد وإعلان ذلك على الفيسبوك، أصبحت تصلني رسائل وتعليقات مثل: (سانتياغو برنابيو.. تنسيش!)، (هلا مدريد)، (سلميلي على كريستيانو)، (تصوري مع رونالدو).

قرّرت البحث والقراءة لفهم مشاعر العشق والهيام التي تسيطر على شباب العرب والتي حوّلت إسبانيا في مخيّلاتهم إلى كرة قدم كبيرة! علمت أن "سانتياغو برنابيو" ليس شخصاً وإنما ملعب له تاريخ عريق، ثم صحّحت معلومتي باكتشافي أنه رئيس النادي الأسطوري في زمن قديم وأحد مؤسسي الملعب، وأن الملعب سمّي على اسمه تكريماً له، أما دهشتي، فكانت حين اكتشفت أن "كريستيانو" هو نفسه "رونالدو"، وأن كلمة "هلا" في شعار "هلا مدريد" ليست مأخوذة من كلمة "هلا" العربية بل من كلمة إسبانية يقصد بها دبّ الحماس ورفع المعنويات.
 
في مدريد قابلت قريبة لي تعمل في فندق، ومن حديث إلى حديث علمت منها أن جميع العرب الذين تتم استضافتهم في الفندق يأتون لسببين على أساسهما يقطعون تذكرتين بلا أي تفكير، الأولى لملعب "سانتياغو برنابيو" في مدريد والثانية لملعب "كامب نو" في برشلونة، فسألتها بدهشة "والأندلس، أليست ضمن خطتهم؟!" لتجيبني بالنفي.
 
بالنسبة لي، إسبانيا تعني الأندلس، أو على الأقل مرتبطة في أعماقي بحقبة ذهبية عاشها العرب، لذلك كنت أحلم بزيارتها لعلّي أفهمها أكثر وأشعر بجزء من تاريخنا، لكن مواعيدي كانت مزدحمة فصعبت عليّ للأسف زيارة أي مدينة فيها سوى طليطلة، الأقرب إلى مدريد.
 
في مدريد، ورغم إمكانية زيارة ملعب "سانتياغو برنابيو" إلا أنني لم أرغب بذلك، لكنني حين وصلت إلى برشلونة، لا أعرف لماذا قرّرت زيارة ملعب "كامب نو"، كانت رغبتي شديدة ولا مبرّر لها، أو ربما كانت رد فعل طبيعي لعدم تمكني من زيارة الأندلس، فقد قلت في نفسي "إن لم أتمكن من معرفة تاريخ العرب عن قرب، لأقترب إذاً من حاضرهم".
 
في "كامب نو"، بدأت الزيارة من متحف يضمّ صوراً، كؤوساً، تذكارات وإنجازات مسجّلة للفريق البرشلوني، كان المتحف مليئاً بالزوّار الذين أتوا من مختلف الأرجاء، للحظات شعرت برهبة غريبة وكأنني في معبد وعليّ أداء بعض الصلوات! نعم لقد كانت تجربة مهيبة لي رغم جهلي بهذا العالم، فكيف ستكون لعشاقه؟! أعتقد أنه كان للموسيقى والإضاءة وبعض الزوّار دوراً كبيراً بمنحي هذا الشعور. زيارتي للملعب أخذت ساعات طويلة وممتعة، على عكس ما كنت أظن، فقد أمضيتها باستكشاف هذا العالم الغريب ومراقبة جمهوره بهدف دراسة مشاعره.

استنتجت أن كرة القدم رياضة مرتبطة بالمشاعر، تعلو فيها روح المنافسة، الأمر الذي يستفز مشاعرنا لمتابعتها، فهذا أمر بغريزتنا نحن البشر، قد يكون متفاوتاً لكنه ليس معدوماً، كما أن الجميع في هذه الرياضة قادر على المشاركة، سواء باللعب، التشجيع أو التعليق، ومن منا لا يرغب بأن يكون جزءاً من أي شيء في هذه الحياة؟ أما الاستنتاج الأهم، والمرتبط بنا نحن العرب، نحن من لم نعتد التعبير عن مشاعرنا بصراحة وعلانية، من اعتدنا كبت الحب والخجل من البوح به، لكننا، حين يتعلق الأمر بكرة القدم، فإننا ننطلق بلا خجل ونرفع أصواتنا لنُسمع الجميع ونخبرهم عن حبّنا لهذا الفريق أو ذاك، وكأن كرة القدم هي الشيء الوحيد الذي يمنحنا فرصة التعبير عن مشاعرنا، وكم نحن محتاجون لفرصة كهذه.
 
إذاً، فقد قمت بزيارة ملعب "كامب نو" وأشرت إلى ذلك على الفيسبوك بحركة بريئة مني، لكنها بدت مشاكسة لأصدقائي، فقد اكتشفت أن أغلبهم يشجّع فريق ريال مدريد، وأن ما قمت به يعتبر خيانة عظمى، فقد كنت في مدريد ولم أنفّذ وصاياهم، بل على العكس، أحبطت توقعاتهم وقمت بزيارة ملعب الفريق الآخر، أو العدو كما يحلو لهم القول!
العدو، هل من الممكن أن تفرّقنا لعبة كهذه؟ سؤال قد تكون إجابته نعم إذا تمعّنا بتعليقات الجمهور، لكنني غيّرت سؤالي هذا مع حفاظي على الفكرة منه وتوجهت به إلى صديقتي الكتالونية، فسألتها "هل تعتقدين أن مطالبتكم بالانفصال عن الدولة الإسبانية قد تؤدي إلى حرب أهلية؟" لتجيبني "لا أعتقد أن الأمر سيصل إلى حد القتل كما يحدث لديكم على أمور أبسط من ذلك، هي مجرد اختلافات سيتم حلّها بالنقاشات ولو طال الحال".

*تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة:

ماذا أهديكم في أحلى الأوقات؟

تمضي مناسبات وتأتي مناسبات، وتبقى الهدايا بطلة كل تلك اللحظات؛ لوحات تحاكي الطبيعة لمنزل جديد، دمية شقراء لطفلة في عيد ميلادها، سيارة بجهاز تحكّم عن بعد لطالب تخرّج من المرحلة الابتدائية، أموال قد تذهب هباءً لطالب تخرّج الآن من الجامعة، زهور ستذبل بعد أيام لحبيب نجا بأعجوبة من الموت، خاتم من الذهب تشارك في ثمنه عدد من الأصدقاء لفتاة في ثوبها الأبيض..
 
ولكن، ألم تصبح هدايانا روتينية حدّ الملل؟ أليست مكلفة في كثير من الأحيان؟ سؤال وجّهه لي صديق، فاستفز مشاعري وأعادني بالذاكرة إلى مناسبات الأهل والأصدقاء وما حملته من هدايا اجتهدت وتكلّفت بها، سألت نفسي "هل حقاً كانت كل هداياي تلك مملة واعتيادية؟ هل ملأها الغبار بعد أن ركنها أصحابها إلى رفوف مكتباتهم؟".

رفوف المكتبات
وكأن ذلك الصديق سمعني، فعلّق بصوت مرتفع "بأفضل الأحوال ستُحفظ هداياكِ تلك في صناديق كرتونية وستُخزّن تحت الأسرّة، وإن كنتِ محظوظة، ستمتلئ بها رفوف مكتباتهم الخاوية، هذا إن وُجدت، وإن وُجدت فإنها فكرة جميلة لتغيّري نمط هداياكِ، وإن لم توجد، فهذه فكرة أجمل لتصنعي لهم عادة جديدة".
 

نواة مكتبة
"منذ هذه اللحظة لن أهدي إلا كتاباً".. كان هذا قرار الصديق الذي سيبدأ به عامه الجديد، العادة التي سينتهجها، قال لي "تخيّلي لو أصبحنا مجتمع معظم هداياه كتب! كيف سيكون حالنا؟ بالتأكيد سنصبح أفضل بكثير"، لم أكن أريد إحباطه، لكنني فكّرت بواقعية فقلت له "قليلون من سيقرؤون كتبك، وكثيرون من سيركنونها كما ركنوا هداياي إلى رفوف مكتباتهم".. لم يُطل التفكير، علّق على الفور "لا بأس في ذلك، يسعدني أن أصنع في كل منزل أعرفه نواة مكتبة.. سأرسّخ لدى عائلتي وأصدقائي مفهوم القراءة، سأستفزهم بكثرة الكتب من حولهم، بالتأكيد ستجذب أحداً إليها".
 

أقنعني، اتفقت وإياه على انتهاج هذه العادة منذ بداية العام الجديد، هذه العادة التي ستُفضي إلى سعادة مطلقة في حال تعمّمت وأصبحت نهجاً لمجتمع بأكمله، سنعود "أمة اقرأ"، سنصبح أمة مليئة بشتى ألوان المعرفة.
 

سائق التكسي ومكتبته المتنقلة
هل سبق أن زيّنت سيارتك بباقة من الكتب؟ لم أرَ أحدهم يفعلها من قبل، إلا سائق تكسي فاجأتني سيارته بجمالها واختلافها! أشبعتني برائحة الورق الجميلة! على زجاجها الأمامي تنعكس عناوين الكتب الجذابة ومن الخلف تجد رفاً يحمل كماً هائلاً من العلم، أثارت هذه المكتبة المتنقلة الفضول في داخلي، سألت سائق التكسي السبعيني بعدم تصديق "هل قرأت كل هذه الكتب؟" ليجيبني على الفور وبكل ثقة وفخر "بالتأكيد.. إنني أقضي وقت فراغي وانتظاري بقراءتها".

قال لي إنه لم يتمكن من إكمال دراسته الجامعية، لكنه أكّد أنه يمتلك علماً يشمل معظم التخصصات الجامعية في الأردن، فهو يطلب من كل طالب علم يرافقه الطريق أن يهديه كتاباً من تخصصه. قراءاته المكثفة والانتقائية لم تزده علماً وحكمة فحسب، بل مكّنته من الانتصار في قضية رُفعت عليه في المحكمة، حينها لم يلجأ لمحامٍ ينوب ويدافع عنه، بل لكتاب في القانون يمدّه بكافة المعلومات التي سترشده وتوجّهه أمام القضاء.
 

في نهاية طريقي معه، طلب منّي أن أهديه كتاباً أملكه، شعرت بالسعادة، فها أنا سأبدأ بتطبيق عادة إهداء الكتب قبل الوقت المتفق عليه، تركته ينتظرني أمام منزلي وذهبت مسرعة إلى غرفتي، نفضت الغبار عن كتابين اجتهدت باختيارهما وأهديتهما له، رأيت السعادة واضحاً على محياه ولمستها تكبر في قلبي.
 

وصفة لمتابعة الحياة
طال انتظار سائق التكسي وأنا أبحث له عن كتاب يليق به، كنت أبحث بعناية شديدة، بناءً على عمره، وعناوين كتبه التي قرأتها في سيارته، كنت أستذكر الأحاديث السريعة التي سمعتها منه خلال الطريق وأفكر فيما قد يضيف له، حتى وجدت مراده. كان لا بد من هذا الجهد، من دراسة حالة الشخص والبحث عن كتاب يلائم فِكره ويناسب حياته.
 
قبل أيام، نبّهتني صديقة إلى فكرة عظيمة، لو وُجدت لحلّت كثيراً من مشاكلنا، قالت لي "ماذا لو كان هنالك مكان كالصيدلية، يسمع احتياجاتنا، يشعر بألمنا، يلتفت لما ينقصنا، فيبحث عن كتاب ويصفه لنا ليكون العون والسند". فقلت لها "ماذا لو أصبحنا نحن تلك الصيدليات؟ ماذا لو طبّقنا فكرة تهادي الكتب في كل المناسبات القادمة؟ حينها سنكون البلسم الذي سيشفي أرواح وعقول من نحب".

*تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة:

من أمثال صالح ومروة تأتي الهزائم

أكثر من 10 أعوام مضت ولا تزال ذكرى معلمة الرياضيات من أجمل الذكريات التي أحتفظ بها في وجداني وأسترجعها كلما واجهتني عقبة، فهي من حرّك خيالي وزرع بداخلي التحدي والإصرار.

كنت في المرحلة الإعدادية حين جمعني القدر بها، لم تكن مختلفة عن المعلمات اللاتي سبقنها، ولا حتى عمّن لحقنها، لم تكن لطيفة إلى حد يأسر من حولها ولم تتميّز بقدرتها على تبسيط المادة، لم تعاملني معاملة خاصة ولم تأتنا بأسلوب تدريس جديد، على العكس، كانت رتيبة الشرح، قاسية الامتحانات وشحيحة العلامات، لكنني أحببتها.. وهذا كل ما في الأمر!

لا أذكر كيف تسلّل حبها إلى قلبي ولا المعطيات التي أدّت إلى تكوينه، لكنني أذكر نتيجته جيداً، لقد حصلت في العام الذي التقت فيه روحَينا على علامة كاملة في مادة الرياضيات، كانت تلك أول وآخر مرة أحقق فيها نجاحاً أفخر به في مادة بكيت فيما بعد من صعوبة شِفراتها.
 إنه الحب، ولا شيء سوى الحب قادر على تغيير الأفكار وتبديل الأحوال، وبمقدار الحب يدوم الحال الجديد وينتصر أو يهزمه التلاشي.


حلب.. نداء عاجل

مع انخفاض درجات الحرارة ارتفعت وتيرة الأحداث في الأحياء الشرقية لمدينة حلب السورية، حيث شهدت أسبوعاً دامياً ملأ شوارع المدينة بحكايات منسوجة بالصمود، وجرّد مدن العالم من إنسانيتها إن لم تهتف باسم حلب.

كثيرون هم الذين فقدوا جزءاً من إنسانيتهم، وكثيرون هم الذين هتفوا.. امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بنداءاتهم، واكتظت الشوارع بهم.. يوم، يومان، ثلاثة، أربعة، خمسة.. ثم ماذا؟ كلٌ عاد إلى حياته.

قبل تلك الأيام وقع الحصار وارتُكبت المجازر، وفي تلك الأيام اشتد الخناق فالتفت العالم لنداءات المدينة المنكوبة وتم الاتفاق على إخلائها من أهلها لضمان سلامتهم، ليسود بعد ذلك الصمت، رغم بدء الحدث الأقسى، حدث التهجير، بكل ما يحمله من إحباط.

الآن وبعد أسبوعين من فورة الغضب وتهجير حوالي 25 ألف شخص من منازلهم، هدأ الجميع، غابت حلب من شريط الأخبار العاجلة، وتبخّرت من مواقع التواصل الاجتماعية، كما اندثر ذكرها من الشوارع المتضامنة، على الرغم من أن أنقاضها حتى هذه اللحظة تدفن عائلات ماتت دون أن تحقق أحلامها، وعلى الرغم من أن بعضاً من أهلها المهجّرين ماتوا ويموتون من شدة القهر والبرد.

راجعين يا هوى
امتلأت عينيّ في ذلك الأسبوع الدامي بزخم من المشاهد القاسية والدامية التي تدمع لها العين ويعتصر لها القلب ألماً، فقدت ساعات من نومي وأنا أفكر بسبب ما وصلنا له، أصبحت حلب بطلة نقاشاتي مع الأصدقاء، وكان يصيبني الهم والحزن كلما وجدت مصفقاً ومبرراً للمجازر القائمة، اقتسمت لأهلي في حلب نصيباً من دعائي وشاركت من حولي أخبارهم، لعلّ وعسى.. لكنني ومع مرور الأيام وكعادة الإنسان التي جُبل عليها، عدت لحياتي الاعتيادية.

كل تلك المشاهد الحزينة التي شغلتني لبرهة من الزمن، غابت الآن، لست أنا الوحيدة، ها هي تغيب كذلك من منشورات أصدقائي على الفيسبوك وتُستبدل بمشاهد مليئة بألوان الحياة، ربما هكذا نحن البشر، بطبعنا نشتاق إلى الفرح ونركض خلفه.

غابت كل تلك الأحداث إلا صورة وحيدة بقيت تداعب ذاكرتي وتُسعد بصري كلما عدت لها، إنها صورة "صالح ومروة" الزوجان.. الحبيبان اللذان تشاركا الحصار وويلاته.. عاشا الظلم بكل طقوسه.. "صالح ومروة" الحبيبان اللذان اختصرا بحر كلمات في وصف الثورة.. اختصراه بصورة تفيض بالحب وتنطق بالانتماء.. صورة تعبّر عن عائلات حلب التي تشاركت الألم وصبرت.. صورة منهكة بتفاصيلها قوية ببنيانها.

على الرغم من كل هذا الجمال الموجود في الصورة، يأتي من يعلّق وهو جالس على مقعده الوثير ليقول "من أمثال صالح ومروة سقطت حلب" بل من أمثال "صالح ومروة" بدأت الثورة السلمية وستنتصر بأمثالهما.
فالحب يصنع المعجزات ولا شيء غيره..


*تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة:

Wednesday 28 September 2016

متطرف قتل متطرفاً.. ولكن

الفاعل بالعنوان هو شخص تجاهل وجوده في دولة قانون ولجأ لقانون الغاب، والمفعول به هو فاعل سابق لطالما صدمتنا مواقفه المنحازة. في دائرة التطرف اجتمع الفاعل والمفعول به، لكن الفعل هو ما فرّق بينهما، فغيّر المعادلة وأزاح أصابع الغضب والمساءلة عن المفعول به لتشير اليوم إلى الفاعل.

لم أتفق يوماً مع توجهات الكاتب الأردني ناهض حتّر، ابتداءً من مواقفه العنصرية تجاه الأردنيين من أصول فلسطينية ووصولاً لتأييده ودعمه لنظام بشار الأسد المجرم، أما بالنسبة للكاريكاتير الذي أعاد نشره على صفحته على فيسبوك قبل فترة والذي أثار غضباً واسعاً في الشارع الأردني أدّى إلى توجيه تهمة "إثارة النعرات المذهبية والعنصرية" إليه، ولأكون منصفة، فقد لمست في حتّر موقف المتراجع حين وضّح في منشور له على صفحته نفسها أنه لم يقصد الإساءة للذات الإلهية وإنما السخرية من كيفية تصوّر بعض المتطرفين للرب، وعلى رغم عدم اتفاقي معه في المجمل، إلا أنني لا أتفق مع الفاعل الذي أرداه قتيلاً صباح أمس على عتبات قصر العدل في وسط العاصمة الأردنية عمّان، حيث كان يتحاكم جراء التهمة التي وجّهت له.

حين وصلني خبر اغتياله غاب صوتي واكتفيت بالصمت والخوف، كيف لشخص في دولة آمنة أن يُقتل بهذه البساطة وفي وضح النهار؟! وأين؟ أمام قصر العدل! لو أن المشهد انتهى عند هذا الحد، لكانت الفاجعة رغم هولها معقولة، فهنالك مجرم واحد وسيلقى حتفه، ولكن الفاجعة العظمى ظهرت بحجم المصفّقين لهذه الجريمة! لو لم أشاهدهم بعينيّ ولم أسمعهم بأذنيّ لما صدّقت ولاعتبرت ما قيل عنهم ليس إلا افتراءات يقصد بها إشعال الفتنة، ولهؤلاء المصفّقين أقول: هل يجوز لنا أن ندافع عن الله بأسلوب لا يرضيه عزّ وجل؟ وإن كنتم تبرّرون هذا الفعل، فهل تقبلونه لكم؟ هل تقبلون أن يتم تحويل قضاياكم من أروقة المحاكم إلى أرصفة الشوارع؟


رداءة الطرح من قبل بعض المواقع الإلكترونية

قُتل حتّر وسرعان ما انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي رابط بعنوان "فيديو لفتاة محجّبة تحاول إسعاف المسيحي ناهض وتثير إعجاب الأردنيين".
استفزّني هذا العنوان بشدّة، فما الهدف منه؟ وهل هذه تعتبر الحادثة الأولى من نوعها التي تظهر تآخي المسلمين والمسيحيين؟ هل نعاني من صراع بين المسلمين والمسيحيين في الأردن؟ لقد درسنا معاً وكبرنا معاً واندمجنا في نسيج واحد على رغم اختلافنا، وقد زادنا هذا الاختلاف جمالاً. فلماذا هذه العناوين الصفراء؟!

ما أريد تأكيده هنا، أنه لو كان حتّر مسلماً لقُتل، فالأمر لا يتعلّق بدينه بقدر تعلّقه بآرائه وهنا تكمن الحكاية.


ماريا السعود.. عيار طائش أم نائب طائش؟

حملت الأيام الأخيرة الكثير من الأحداث المتتابعة في الأردن، كل حدث جديد كان ينسينا ما سبقه، على الرغم من أهميته، فها هو الشاب الأردني سعيد العمرو يستشهد في القدس، نحزن قليلاً، نذكره ثم يغيب ذكره مع بدء "العرس الديمقراطي" في البلاد ثم سرقة بعض صناديق الاقتراع.. غابت حكاية الصناديق وبدأت الاحتفالات بالفائزين، وعلى الرغم من صدور قرار ملكي "شديد اللهجة" بمنع إطلاق العيارات النارية خلال الاحتفالات، إلا أن النائب يحيى السعود تجاهل هذا القرار وركب حصانه الأبيض سعيداً مبتهجاً وسط عيارات نارية تعبّر عن الفرح، ولكن "يا فرحة ما تمّت" فها هي إحدى هذه العيارات تسقط على قريبته ماريا السعود لترديها قتيلة وهي ابنة الـ 18 عاماً، حدث ذلك قبل ساعات من مقتل حتّر.

على إثر ذلك، وبمنتهى السذاجة، تقدّم السعود باعتذار للملك وللشعب الأردني وأكّد على أنه حذّر مؤازريه وناشدهم عشرات المرات حتى لا يستخدموا الأسلحة خلال الاحتفال.. ولكن من يشاهد فيديو الاحتفال لا يلحظ أي اعتراض من السعود جراء استخدام السلاح.


أرجو ألا تغيب حكاية ماريا عن أذهاننا، أرجو أن ينال هذا النائب، وليس من تسبّب بإطلاق النار فقط، العقوبة التي يستحقها.




*تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة:


Tuesday 20 September 2016

كم كنت ثقيلاً يا جحش العيد

اعتدنا في بلاد الشام أن نطلق على اليوم الذي يلي آخر أيام العيد اسم "جحش العيد"، لا أعرف من ابتدع هذا الاسم ولا كيف أصبح هذا اليوم مكمّلاً رسمياً للعيد، نواصل فيه الزيارات ونفتح أبوابنا لمن لم يتمكن من زيارتنا في أول الأيام، ولكن ما أعرفه بأنه كان يوماً خفيفاً ولطيفاً، نتمنى أن يستمر أياماً حتى لا تغيب أجواء العيد ويعود إرهاق الدوام.

هذه المرة شعرت بـ "جحش العيد" في اليوم الأول، وبعد صلاة العيد مباشرة، لكنه كان ثقيل الظل، بشع المظهر، كان الخوف ظاهرا على محياه والتوتر واضحا من هندامه، ومع ذلك وبكامل وقاحته أصرّ على الظهور وتمثيل طقوس الفرح في مكان انتزعه من أهله بالقوة، مكان لا تزال رائحة الدماء والدمار تفوح في أجوائه.

حتى هذه اللحظة أحاول تحليل المشهد الذي ظهر به هو وأتباعه، لكنني أقف عاجزة ومذهولة، فكيف لكل هذه البشاعة أن تجتمع في إنسان؟! وهل يستحق الإنسانية من يقصف مدينة طوال خمسة أعوام؟ من يحاصرها ويمنع الطعام عن أهلها ثم يضعهم أمام خيارين؛ الهجرة أو الإبادة؟

هذه المرة الأولى التي أشاهد فيها صلاة عيد خاوية من ألوان الفرح، فلا يوجد أطفال يتباهون بملابسهم، ولا صوت لضحكات النساء، لا يوجد باعة متجولون في الطرقات
خلت داريا من سكانها فسكنت إلى الوحدة، سكنت رغم جرحها العميق، ومع ذلك، فقد اخترق السكون بضجيج مركباته، وداس على الجرح حين دخلها أول أيام العيد راقصاً وضاحكاً رغم الدماء التي لم تجفّ بعد، دخلها برفقة أتباعه لأداء صلاة العيد.

هذه المرة الأولى التي أشاهد فيها صلاة عيد خاوية من ألوان الفرح، فلا يوجد أطفال يتباهون بملابسهم، ولا صوت لضحكات النساء، لا يوجد باعة متجولون في الطرقات ولا تجمّعات حول أضاحي العيد، لا يوجد سوى قتلة متسلّقين على ظهر الدين.

شاهدت الفيديو الذي انتشر لصلاة بشار الأسد في داريا واستمعت لما قاله بعد الصلاة، فلمست اللا عقلانية في خطابه والتوتر في حركاته، وشعرت بعدم تصديقه لكل ما يحدث، بدا لي كالطغاة الذين نقرأ عنهم في كتب التاريخ، بل أكثر إجراماً، فتراءت لي صورته وهو مدفون بجانبهم، وسرعان ما تبادرت إلى ذهني قصيدة "عن إنسان" للشاعر الفلسطيني محمود درويش، التي كلّما قرأتها تذكّرت حالنا نحن الشباب العرب، حالنا منذ نعومة أظفارنا، منذ شباب أجدادنا، وحتى في شبابنا.. أحب هذه القصيدة، فرغم الظلام الدامس الذي يعيش فيه عالمنا العربي، إلا أنها تخبرنا بأن الليل زائل وبأن شمس الانتصار ستشرق من جديد. إليكم القصيدة:

وضعوا على فمه السلاسل
ربطوا يديه بصخرة الموتى
وقالوا: أنت قاتل!
أخذوا طعامه والملابس والبيارق
ورموه في زنزانة الموتى
وقالوا: أنت سارق!
طردوه من كل المرافئ
أخذوا حبيبته الصغيرة
ثم قالوا: أنت لاجئ!
يا دامي العينين والكفّين
إن الليل زائل
لا غرفة التوقيف باقية
ولا زرد السلاسل
نيرون مات ولم تمت روما
بعينيها تقاتل
وحبوب سنبلة تجفّ
ستملأ الوادي سنابل


*تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة: