Friday 9 June 2017

ريال أو برسا.. "شعب واحد مو شعبين"

تصفيق حار! لقد بدأ الموسم، وارتفعت معه الهتافات وابتعد الشباب عن الفتيات، فالحبيبة الأولى عادت، الحبيبة المستديرة بكامل سحرها وألقها، خاطفة القلوب والعقول، التي يتبعها ويتابعها الجميع دون أن تقابلهم بالمثل.. فهل عرفتموها؟
 
إنها كرة القدم، تلك اللعبة التي لطالما آلمت طفولتي، سواء بصفعات على وجهي أو بحرماني من مشاهدة كرتوني المفضل. للأمانة، وحتى لا أكون ممّن يكتب فيما يجهل، فأنا لا أعرف عنها سوى اسمها، ألمها وبعض من صادفتهم في طريقي من محبّيها.
 
قبل حوالي شهرين عرف من حولي بخطة سفري إلى إسبانيا، لتبدأ التوصيات، ويا لها من توصيات! في البداية لم أكن أعرها اهتماماً، كنت أكتفي بالابتسام والاستماع، لكن الموضوع زاد عن حده فاستفزني لفهمه، فبعد وصولي إلى مدريد وإعلان ذلك على الفيسبوك، أصبحت تصلني رسائل وتعليقات مثل: (سانتياغو برنابيو.. تنسيش!)، (هلا مدريد)، (سلميلي على كريستيانو)، (تصوري مع رونالدو).

قرّرت البحث والقراءة لفهم مشاعر العشق والهيام التي تسيطر على شباب العرب والتي حوّلت إسبانيا في مخيّلاتهم إلى كرة قدم كبيرة! علمت أن "سانتياغو برنابيو" ليس شخصاً وإنما ملعب له تاريخ عريق، ثم صحّحت معلومتي باكتشافي أنه رئيس النادي الأسطوري في زمن قديم وأحد مؤسسي الملعب، وأن الملعب سمّي على اسمه تكريماً له، أما دهشتي، فكانت حين اكتشفت أن "كريستيانو" هو نفسه "رونالدو"، وأن كلمة "هلا" في شعار "هلا مدريد" ليست مأخوذة من كلمة "هلا" العربية بل من كلمة إسبانية يقصد بها دبّ الحماس ورفع المعنويات.
 
في مدريد قابلت قريبة لي تعمل في فندق، ومن حديث إلى حديث علمت منها أن جميع العرب الذين تتم استضافتهم في الفندق يأتون لسببين على أساسهما يقطعون تذكرتين بلا أي تفكير، الأولى لملعب "سانتياغو برنابيو" في مدريد والثانية لملعب "كامب نو" في برشلونة، فسألتها بدهشة "والأندلس، أليست ضمن خطتهم؟!" لتجيبني بالنفي.
 
بالنسبة لي، إسبانيا تعني الأندلس، أو على الأقل مرتبطة في أعماقي بحقبة ذهبية عاشها العرب، لذلك كنت أحلم بزيارتها لعلّي أفهمها أكثر وأشعر بجزء من تاريخنا، لكن مواعيدي كانت مزدحمة فصعبت عليّ للأسف زيارة أي مدينة فيها سوى طليطلة، الأقرب إلى مدريد.
 
في مدريد، ورغم إمكانية زيارة ملعب "سانتياغو برنابيو" إلا أنني لم أرغب بذلك، لكنني حين وصلت إلى برشلونة، لا أعرف لماذا قرّرت زيارة ملعب "كامب نو"، كانت رغبتي شديدة ولا مبرّر لها، أو ربما كانت رد فعل طبيعي لعدم تمكني من زيارة الأندلس، فقد قلت في نفسي "إن لم أتمكن من معرفة تاريخ العرب عن قرب، لأقترب إذاً من حاضرهم".
 
في "كامب نو"، بدأت الزيارة من متحف يضمّ صوراً، كؤوساً، تذكارات وإنجازات مسجّلة للفريق البرشلوني، كان المتحف مليئاً بالزوّار الذين أتوا من مختلف الأرجاء، للحظات شعرت برهبة غريبة وكأنني في معبد وعليّ أداء بعض الصلوات! نعم لقد كانت تجربة مهيبة لي رغم جهلي بهذا العالم، فكيف ستكون لعشاقه؟! أعتقد أنه كان للموسيقى والإضاءة وبعض الزوّار دوراً كبيراً بمنحي هذا الشعور. زيارتي للملعب أخذت ساعات طويلة وممتعة، على عكس ما كنت أظن، فقد أمضيتها باستكشاف هذا العالم الغريب ومراقبة جمهوره بهدف دراسة مشاعره.

استنتجت أن كرة القدم رياضة مرتبطة بالمشاعر، تعلو فيها روح المنافسة، الأمر الذي يستفز مشاعرنا لمتابعتها، فهذا أمر بغريزتنا نحن البشر، قد يكون متفاوتاً لكنه ليس معدوماً، كما أن الجميع في هذه الرياضة قادر على المشاركة، سواء باللعب، التشجيع أو التعليق، ومن منا لا يرغب بأن يكون جزءاً من أي شيء في هذه الحياة؟ أما الاستنتاج الأهم، والمرتبط بنا نحن العرب، نحن من لم نعتد التعبير عن مشاعرنا بصراحة وعلانية، من اعتدنا كبت الحب والخجل من البوح به، لكننا، حين يتعلق الأمر بكرة القدم، فإننا ننطلق بلا خجل ونرفع أصواتنا لنُسمع الجميع ونخبرهم عن حبّنا لهذا الفريق أو ذاك، وكأن كرة القدم هي الشيء الوحيد الذي يمنحنا فرصة التعبير عن مشاعرنا، وكم نحن محتاجون لفرصة كهذه.
 
إذاً، فقد قمت بزيارة ملعب "كامب نو" وأشرت إلى ذلك على الفيسبوك بحركة بريئة مني، لكنها بدت مشاكسة لأصدقائي، فقد اكتشفت أن أغلبهم يشجّع فريق ريال مدريد، وأن ما قمت به يعتبر خيانة عظمى، فقد كنت في مدريد ولم أنفّذ وصاياهم، بل على العكس، أحبطت توقعاتهم وقمت بزيارة ملعب الفريق الآخر، أو العدو كما يحلو لهم القول!
العدو، هل من الممكن أن تفرّقنا لعبة كهذه؟ سؤال قد تكون إجابته نعم إذا تمعّنا بتعليقات الجمهور، لكنني غيّرت سؤالي هذا مع حفاظي على الفكرة منه وتوجهت به إلى صديقتي الكتالونية، فسألتها "هل تعتقدين أن مطالبتكم بالانفصال عن الدولة الإسبانية قد تؤدي إلى حرب أهلية؟" لتجيبني "لا أعتقد أن الأمر سيصل إلى حد القتل كما يحدث لديكم على أمور أبسط من ذلك، هي مجرد اختلافات سيتم حلّها بالنقاشات ولو طال الحال".

*تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة:

No comments:

Post a Comment