Showing posts with label قراءة. Show all posts
Showing posts with label قراءة. Show all posts

Sunday 2 July 2017

فوازير رمضان وسائق التاكسي

مضت أعوام وجهاز التلفاز في منزلنا لا يُفتح إلا في المناسبات؛ إعلان هام يستدعي فتح القناة الرسمية لمعرفته، انفجار هنا أو هناك يشدّنا لمتابعة أكثر من قناة عربية وعالمية وكلّنا أمل بألا يشوّه هذا الحدث إسلامنا البريء منه، صلاة الجمعة مباشرة من الحرم المكي، وفي الفترة الأخيرة أصبحنا نفتحه لنستغل ذكاءه وننقل ما نشاهده عبر أجهزتنا الخلوية من شاشة بحجم اليد إلى شاشة بحجم الحائط.


لولا الميزة الأخيرة لاعتبرته جزءاً من إكسسوارات المنزل، تلك الإكسسوارات التي لطالما أرهقتنا بمسح غبارها، كنت كثيراً ما أحمد الله بأن أصبحت التلفزيونات الحديثة رفيعة بشكل لا يسمح لها بالتقاط الكثير من الغبار، وإلا لكانت كثيرة الغلبة، قليلة الفائدة.


على أحد أرصفة عمّان كنت واقفة أنتظر سيارة تكسي وأفكر بالسبب الذي جعل أهمية التلفاز تتراجع إلى هذا الحد، قد تكون ثورة الإنترنت، وبالأخص مواقع التواصل الاجتماعي السبب الأهم في ذلك، فقد أتاحت للمتلقي فرصة التفاعل اللحظي مع كل ما يشاهده أو يقرأه، كما أنها منحته القدرة على المشاركة بالكثير من الأحداث الهامة وبإبداء رأيه بها بمنتهى السرعة والسهولة، وهذا أمر لم يكن موجوداً في زمن سابق، ومع ذلك، ليس هذا السبب بابتعادي أنا بالتحديد عن التلفاز.

وأخيراً توقفت سيارة تكسي فهممت بركوبها ثم أخرجت هاتفي الخلوي بعد إرشاد السائق إلى وجهتي، اخترت الفيسبوك لأقضي وقتي معه خلال طريقي، فبدأت بقراءة منشورات الأصدقاء إلى أن توقفت عند أحدها "أي مسلسل سوري بتلاقوه برمضان خبروني". أعادني هذا المنشور إلى تلك الأيام، أيام الطفولة ومن بعدها المراهقة ثم بدايات الشباب، كانت المسلسلات السورية رفيقتي في كل تلك المسيرة، كانت صديقتي التي لطالما فهمتني وعبّرت عني.


نعم، لقد عرفت سبب ابتعادي عن التلفاز، كيف لي أن أفتحه وقد خسر تلك الدراما الأقرب إلى قلبي ومجتمعي، صحيح أنني حاولت بعد عام 2011 مشاهدة بعض المسلسلات السورية، لكنني فشلت بمنحها فرصة المتابعة، فمع كل مشهد كنت أشعر بغصّة من ممثل كشف أوراق زيفه أو بخيبة من سيناريو يلمّع صورة المجرم أو باستهجان من حكايات تشوّه إسلامناومنذ ذاك العام والإحباط في داخلي يكبر كلما تذكرت أن الدراما السورية التي كنا ننتظرها من رمضان إلى رمضان والتي تنبّأنا لها بمستقبل باهر، ماتت قبل أن تُزهر بلحظات.


أخرجني سائق التكسي من إحباطي ليدخلني في دوامة إحباط جديدة. فوازير سائق تكسي..


- عمي، بدي أسألك مجموعة أسئلة وإذا بتجاوبي عليها كلها ومن غير ولا غلطة رح تكون أجرة الطريق عليّ. موافقة؟
تبادرت إلى ذهني أسئلة المسابقات التجارية التي اعتدنا عليها مؤخراً والتي بإمكان طفل صغير الإجابة عليها، فوافقت على الفور وكلّي ثقة من الفوز.
- شو أعلى مرتبة في الجنة؟

كنت على وشك الإجابة لكنني ترددت، أذكر أن الفردوس هو أعلى المراتب لكنني لست واثقة من صحة معلومتي، فهي مبنية على ذاكرة بعيدة لم تتم مراجعتها مع زحمة الحياة.

- الفردوس.. طيب، بتصلّي عالنبي؟
- عليه الصلاة والسلام.. طبعاً.
- طيب شو معنى صلاتنا عالنبي؟
- ممكن ذكر للنبي..


- قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"، صلاة ربنا على النبي ثناء وعطاء وصلاة الملائكة دعاء، طيب وإحنا؟ كمان دعاء بس هل النبي محتاج لدعائنا؟ إحنا بصلاتنا بنطلب من ربنا يثني على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فشوفي الفائدة اللي بترجعلنا بعد الصلاة عالنبي، كل ما صلّينا عالنبي ربنا بيحكي بما معناه "عبدي فلان صلى على حبيبنا محمد، فصلوا عليه عشراً، وأعطوه عشر حسنات، وارفعوا عنه عشر سيئات".. يعني شوفي شو بتنالي بمجرد الصلاة عالنبي؟ بتنالي كل الأجر والثواب.. يعني إنتي ولا النبي اللي محتاجة للصلاة هاي؟
- أنا.

وكلما سأل أكثر كلما أيقنت أنني أهملت ثقافتي الدينية واكتفيت بالمعلومات السريعة التي كنت أمرّ بها خلال سمعي أو دراستي أو قراءاتي العشوائية. سألته عن كيفية معرفته بكل هذه المعلومات لأشعر بسذاجة سؤالي من إجابته التي جاءت سريعة وبديهية:

- هاي سنة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-.. وكل شي قلتلك عليه مذكور ومفصّل بالكتب. شوفي يا بنتي كم واحد بيصلي عالنبي يومياً، تمنّيت واحد من الركاب يجاوبني جواب صحيح عن سبب هاي الصلاة.. بتعرفي مين اللي حقق أمنيتي؟ شاب أمريكي دخل الإسلام وتعلّم عربي وجاي على بلادنا يتعلّم الفقه!


لم أعجب من ذلك الشاب الأمريكي، فهو اختار الإسلام ديناً له، وعلى هذا الأساس غاص في أعماقه والتفت إلى كافة جوانبه، أما نحن، فقد ورثناه من آبائنا دون فهم له، وهذا سبب جهلناوصلت إلى وجهتي، دفعت له أجرة الطريق التي خسرتها بسبب جهلي، ثم ترجّلت من السيارة وأنا أفكر بخسارة أكبر.


يا لهذا العار! كيف سرقتنا الدنيا وأبعدتنا عن ديننا؟ كيف قضيت أول نهار لي في رمضان بالتفكير بجهاز التلفاز وأسباب ابتعادي عنه وبالتحسّر على المسلسلات السورية؟ كيف لم أفكر بأسباب ابتعادي عن ربي ولم أتحسّر على أمتي وعلى هزائمها المتتالية؟!



شكراً يا سائق التكسي، فرغم إحباطك لي، إلا أنك نبّهتني على أن الأوان لم يفتني بعد، فها نحن في رمضان، شهر العودة إلى الذات لتغيير الأفكار وتجديد الإيمان.



*تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة:

Friday 9 June 2017

ماذا أهديكم في أحلى الأوقات؟

تمضي مناسبات وتأتي مناسبات، وتبقى الهدايا بطلة كل تلك اللحظات؛ لوحات تحاكي الطبيعة لمنزل جديد، دمية شقراء لطفلة في عيد ميلادها، سيارة بجهاز تحكّم عن بعد لطالب تخرّج من المرحلة الابتدائية، أموال قد تذهب هباءً لطالب تخرّج الآن من الجامعة، زهور ستذبل بعد أيام لحبيب نجا بأعجوبة من الموت، خاتم من الذهب تشارك في ثمنه عدد من الأصدقاء لفتاة في ثوبها الأبيض..
 
ولكن، ألم تصبح هدايانا روتينية حدّ الملل؟ أليست مكلفة في كثير من الأحيان؟ سؤال وجّهه لي صديق، فاستفز مشاعري وأعادني بالذاكرة إلى مناسبات الأهل والأصدقاء وما حملته من هدايا اجتهدت وتكلّفت بها، سألت نفسي "هل حقاً كانت كل هداياي تلك مملة واعتيادية؟ هل ملأها الغبار بعد أن ركنها أصحابها إلى رفوف مكتباتهم؟".

رفوف المكتبات
وكأن ذلك الصديق سمعني، فعلّق بصوت مرتفع "بأفضل الأحوال ستُحفظ هداياكِ تلك في صناديق كرتونية وستُخزّن تحت الأسرّة، وإن كنتِ محظوظة، ستمتلئ بها رفوف مكتباتهم الخاوية، هذا إن وُجدت، وإن وُجدت فإنها فكرة جميلة لتغيّري نمط هداياكِ، وإن لم توجد، فهذه فكرة أجمل لتصنعي لهم عادة جديدة".
 

نواة مكتبة
"منذ هذه اللحظة لن أهدي إلا كتاباً".. كان هذا قرار الصديق الذي سيبدأ به عامه الجديد، العادة التي سينتهجها، قال لي "تخيّلي لو أصبحنا مجتمع معظم هداياه كتب! كيف سيكون حالنا؟ بالتأكيد سنصبح أفضل بكثير"، لم أكن أريد إحباطه، لكنني فكّرت بواقعية فقلت له "قليلون من سيقرؤون كتبك، وكثيرون من سيركنونها كما ركنوا هداياي إلى رفوف مكتباتهم".. لم يُطل التفكير، علّق على الفور "لا بأس في ذلك، يسعدني أن أصنع في كل منزل أعرفه نواة مكتبة.. سأرسّخ لدى عائلتي وأصدقائي مفهوم القراءة، سأستفزهم بكثرة الكتب من حولهم، بالتأكيد ستجذب أحداً إليها".
 

أقنعني، اتفقت وإياه على انتهاج هذه العادة منذ بداية العام الجديد، هذه العادة التي ستُفضي إلى سعادة مطلقة في حال تعمّمت وأصبحت نهجاً لمجتمع بأكمله، سنعود "أمة اقرأ"، سنصبح أمة مليئة بشتى ألوان المعرفة.
 

سائق التكسي ومكتبته المتنقلة
هل سبق أن زيّنت سيارتك بباقة من الكتب؟ لم أرَ أحدهم يفعلها من قبل، إلا سائق تكسي فاجأتني سيارته بجمالها واختلافها! أشبعتني برائحة الورق الجميلة! على زجاجها الأمامي تنعكس عناوين الكتب الجذابة ومن الخلف تجد رفاً يحمل كماً هائلاً من العلم، أثارت هذه المكتبة المتنقلة الفضول في داخلي، سألت سائق التكسي السبعيني بعدم تصديق "هل قرأت كل هذه الكتب؟" ليجيبني على الفور وبكل ثقة وفخر "بالتأكيد.. إنني أقضي وقت فراغي وانتظاري بقراءتها".

قال لي إنه لم يتمكن من إكمال دراسته الجامعية، لكنه أكّد أنه يمتلك علماً يشمل معظم التخصصات الجامعية في الأردن، فهو يطلب من كل طالب علم يرافقه الطريق أن يهديه كتاباً من تخصصه. قراءاته المكثفة والانتقائية لم تزده علماً وحكمة فحسب، بل مكّنته من الانتصار في قضية رُفعت عليه في المحكمة، حينها لم يلجأ لمحامٍ ينوب ويدافع عنه، بل لكتاب في القانون يمدّه بكافة المعلومات التي سترشده وتوجّهه أمام القضاء.
 

في نهاية طريقي معه، طلب منّي أن أهديه كتاباً أملكه، شعرت بالسعادة، فها أنا سأبدأ بتطبيق عادة إهداء الكتب قبل الوقت المتفق عليه، تركته ينتظرني أمام منزلي وذهبت مسرعة إلى غرفتي، نفضت الغبار عن كتابين اجتهدت باختيارهما وأهديتهما له، رأيت السعادة واضحاً على محياه ولمستها تكبر في قلبي.
 

وصفة لمتابعة الحياة
طال انتظار سائق التكسي وأنا أبحث له عن كتاب يليق به، كنت أبحث بعناية شديدة، بناءً على عمره، وعناوين كتبه التي قرأتها في سيارته، كنت أستذكر الأحاديث السريعة التي سمعتها منه خلال الطريق وأفكر فيما قد يضيف له، حتى وجدت مراده. كان لا بد من هذا الجهد، من دراسة حالة الشخص والبحث عن كتاب يلائم فِكره ويناسب حياته.
 
قبل أيام، نبّهتني صديقة إلى فكرة عظيمة، لو وُجدت لحلّت كثيراً من مشاكلنا، قالت لي "ماذا لو كان هنالك مكان كالصيدلية، يسمع احتياجاتنا، يشعر بألمنا، يلتفت لما ينقصنا، فيبحث عن كتاب ويصفه لنا ليكون العون والسند". فقلت لها "ماذا لو أصبحنا نحن تلك الصيدليات؟ ماذا لو طبّقنا فكرة تهادي الكتب في كل المناسبات القادمة؟ حينها سنكون البلسم الذي سيشفي أرواح وعقول من نحب".

*تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة: