Showing posts with label الأردن. Show all posts
Showing posts with label الأردن. Show all posts

Sunday 31 December 2017

أنيقة رغم ارتدائها للحجاب

قبل أيام قليلة، سمعت مجموعة فتيات غير محجبات، واعذروني على استخدامي أسلوب التصنيف في وصفي، لأن لي أسبابي التي ستصلكم من خلال قراءتكم للتدوينة، يصفن فتاة محجبة، دار بينهن هذا الحوار:
- شفتوا قديش حلوة ومرتّبة!
- غريب مع إنها محجبة!
- جد قليل ما تلاقي بنات محجبات بيهتموا بشكلهم!

اندهشت من دهشتهن، وتساءلت بيني وبين نفسي "هل حقاً يلغي الحجاب الأناقة؟!" تذكرت على الفور فترة دراستي الجامعية وما تبعها من تدريب ثم عمل، كثيراً ما كنت ومازلت أقابل فتيات غير محجبات معجبات بطريقة ارتدائي للحجاب، كُنّ يُطرين على كيفية وضعي لغطاء الرأس وعلى حُسن تنسيقي للونه مع باقي الملابس، كُن يخبرنني أنني أحبّب لهن شكل الفتاة المحجبة، والتي تظهر بالمعتاد بشكل متأخر وغير أنيق.

كان يسعدني كلامهن، ولكن، حين أعدت التفكير فيه بعد سماعي للحوار السابق، وجدته لا يخلو من القسوة والإقصاء رغم أنه يبدو لطيفا للوهلة الأولى، تماماً كمن يصف أحدهم بأنه رجل جيد ثم يتبع وصفه بـ "لكنه غير مسلم"، أو من يعجب بفتاة لكنه يتردد في خطبتها لأنها غير محجبة، على الرغم من أن الحجاب قناعة قد تظهر في أي وقت.

هل الأناقة والموضة حكر على فئة معينة من الفتيات؟
لم أكن أجد أن طريقتي في وضع الحجاب مميّزة أو مختلفة عن طريقة كثير من الفتيات المحجبات، ولكن وبطبيعة الحال، كانت تعكس لمستي الخاصة، تلك اللمسة التي تميّز كل شخص عن غيره، حتى لو صادف أن ارتدى شخصان الملابس نفسها، ستجد ولو فرقاً صغيراً بينهما، هذا الفرق هو الاختلاف الذي قد ينقل الشخص إلى قمة الأناقة أو العكس.

إذاً فالموضوع بأكمله يعتمد على الذائقة، فقد تقابل فتاة لا ترتدي الحجاب ولا تظهر بملابس ملائمة للمكان الذي تتواجد فيه ولكنها مقبولة اجتماعياً أكثر من تلك التي أحسنت اختيار الملابس ولكنها أضافت إليها غطاء الرأس الذي تؤمن به. قد يستهجن البعض حديثي أو يشكّ بأنه يحدث في مجتمع عربي، ولكن وللأسف، هذه حقيقة، فقد أفرزت مجتمعاتنا العربية الكثير من الفئات التي أصبحت تنفر من الفتاة المحجبة، لا لشيء سوى لمظهرها الذي يوحي بالرجعية والانغلاق، فلم يعُد الحجاب في نظر تلك الفئات عقيدة، بل عادة تخصّ النساء الكبيرات بالسن.

لهذه النظرة أسباب كثيرة، وعجيبة في بعض الأحيان، حيث أصبح من الطبيعي جداً أن تصادف فتاة، لن أصفها بأنها غير محجبة، وإنما غير محتشمة، والفرق واضح بين عدم الحجاب وعدم الحشمة، تسير مع والدتها التي لا تضع غطاء الرأس فحسب، وإنما الوجه كذلك. فأي تناقض هذا بين جيلين من منزل واحد؟! ولكن ومن وجهة نظري، فإن تلك النظرة، جاءت بالدرجة الأولى بسبب أحكامنا التي لم تعد مبنية على الجوهر وإنما على الظاهر، الظاهر البلاستيكي، التابع والملمّع.


فتيات يحملن الحجاب في قلوبهن ويخشين من إظهاره
أنا لا أتحدث عن فتيات مسلمات في بلاد أوروبية، بل هنا، في بلادنا العربية، حيث أصبح الخوف من الرفض أو التصنيف يجعل الفتيات، رغم إيمانهن بالحجاب، يتجنبن الاقتراب منه أو يخلعنه بعد سنوات من ارتدائه. في ما مضى، سمعت عن فتاة لطالما وقفت أمام المرآة، تجرّب مختلف لفّات الحجاب، وكلما تسوّقت اشترت غطاء رأس جديد، لكنها ورغم إيمانها به مترددة بأمر ارتدائه، فذلك قد يجعل من حولها يصنّفها بناءً على شكلها، الأمر الذي سيبعدها عن مجموعات لطالما أحبت الانتماء لها، مجموعات قد تتقبل الحجاب، ولكن بعد الزواج والإنجاب. ارتدته أخيراً لكنها وقبل أن تكتمل المباركات خلعته.


أحياناً أتفهّم أسباب بُعد بعض الفتيات عن الحجاب، أو خلع من يرتدينه له، فقد يكنّ لم يصلن إلى القناعة الكاملة به أو للراحة الداخلية التي من المفترض أن يوفّرها لمرتدياته، ولكنني في حالات كثيرة، أجد أن سبب نزع الفتيات لحجابهن أو ابتعادهن عنه يعود لطريقة تفكير كثير من الفتيات والشباب، الذين أصبحوا يربطون الحجاب بالتخلف وعدم التقدم المهني، ويظنّون أن غير المحجبات هنّ الجميلات والمستقلات والناجحات، وهذا سبب ساذج لأن الأمر يتعلّق بالفتاة نفسها وليس بالحجاب.


تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة:

هل نفقد "بريستيجنا" إن تحدثنا بالعربية؟

بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية والذي صادف الثامن عشر من كانون الأول، لم يستحضرني سوى هذا الاقتباس "إن الرجل الذي لا يحب لغته الأم أسوأ من حيوان أو سمكة نتنة"، وهو اقتباس من البطل القومي الفلبيني خوسيه ريزال، الذي حارب الاحتلال الإسباني في بلاده برواية سُجن بسببها ثم أُعدم، ليكون ما حدث معه أحد مسببات الثورة الفلبينية التي انتصرت بطرد المحتل واستقلال الفلبين عام 1898، وللعلم، فقد كان ريزال يجيد التحدث بـ 10 لغات، ومع ذلك بقي يفضل لغته الأم.

لكل من تحسّس رأسه ظناً منه أنني قصدته باقتباسي، فعلى العكس، إنني أرى أنه لا يوجد بيننا كاره للغة العربية، فمؤخراً أصبحنا نطبع حروفها الجميلة على ملابسنا، ونحفر على الخشب وغيره عبارات منتقاة بعناية بخط عربي جذاب لنعلّقها كلوحات نفخر بها على جدران منازلنا، بل امتد الأمر لينتشر بشكل كبير في الحُلِيّ التي نتزيّن بها والهدايا التي نتبادلها، ولكن، لماذا لا أسمعها في أحاديثنا اليومية؟!

لعلّ علاقتنا بلغتنا الأم تشبه علاقة طالب مراهق بأمه، يحبها ولا يطيق فراقها لكنه يخجل من إظهارها لرفاقه أو لأساتذته. لماذا؟ سيتردد بالإجابة حتى لا يجرح مشاعرها، لكنه على الأغلب يراها غير مواكبة لمجتمعه الخارجي. المفارقة أننا مع لغتنا الأم لا نتردد ولا نخجل، بل نقولها بثقة مبنية على باطل "لغتنا جميلة الرسم صعبة النطق.. إنها غير مواكبة ولا تلائم واقعنا الحالي".

منصة عربية لا تنطق بالعربية!
قبل 5 سنوات حضرت في عمّان ملتقى للإعلاميين العرب بهدف الكتابة عنه، بدأ المتحدث العربي كلامه باللغة الإنجليزية لحضور جميعهم من العرب باستثناء 3 أو 4 أشخاص، مضت أول ربع ساعة بهدوء تام وصمت، مع أن المتحدث كان يسأل وينتظر إجابات من الحضور. تعجّب المتحدث والمسؤولون عن الملتقى من سبب هذا الصمت وعدم التفاعل. تجرّأ أحد الحضور وقال "يمكن لو تغيرت اللغة كان تغيرت الهمة!"، وهكذا تشجع كثير من الحضور وطالبوا بالتحدث باللغة العربية، خاصة أن الملتقى عربي والهدف منه إيجاد منصة عربية تعبّر عنا.

كان تبرير المتحدث بأنه يوجد ضيوف لا يتقنون العربية ويهمنا أن يتفاعلوا معنا، مضيفاً بتعجب "ثم من لا يتقن الإنجليزية في زماننا هذا؟!" أخبره أحد الحضور بأنه يتقن الإنجليزية ولغات أخرى لكنه يفخر بعربيته ويحترمها، وافقه آخر وتبرع بأن يقوم بترجمة فورية لغير العرب، ليفتح هذا العرض المغري مجال التساؤل عن سبب عدم تجهيز ترجمة فورية لغير المتحدثين بالعربية. ضاعت نصف ساعة من الوقت والحضور يؤكد على ضرورة التحدث بالعربية وبدفاع المسؤولين عن الملتقى بضرورة التحدث بالإنجليزية ليصل صوتنا لكل العالم!

هل هؤلاء الـ 3 أو 4 أشخاص هم كل العالم ونحن اللا شيء؟! لماذا لا نحترم ذواتنا ونقدّر هويتنا؟ هل حقاً يهدف هذا الملتقى العربي إلى جمعنا وتوحيد كلمتنا؟ إن كان حقاً يهدف لذلك فلماذا لا يعبّر عنا؟ خرجت من الملتقى دون إكماله وكانت هذه الأسئلة تسيطر عليّ. لم أهتم بما اتفقوا عليه بعد خروجي، فقد أيقنت أننا كعرب لن نتفق ما دامت هويتنا مهزوزة.

ملامح عربية بهوية غربية
المؤسف أن ما حدث في هذا المؤتمر يتكرر بشكل شبه يومي أمامي، وهذا مثال لا تزال ذكراه تشعرني بالخيبة: منذ فترة خسرت الكثير من وقتي وجهدي وجزءاً من زملائي في العمل وأنا أحارب من أجل عرض فكرة خاصة بمجال عملنا باللغة العربية، لغتنا العربية القادرة على التعبير عن كل ما في جعبتنا.

أردت عرضها لأشخاص جميعهم يتقنون العربية، بدون استثناء، لكن الزملاء رفضوا ذلك لاعتقادهم أن فكرتنا ستفقد رونقها وجمالها بسبب استخدام اللغة العربية! بعد عناء كبير فشلت محاولاتي بإحياء اللغة العربية مع زملائي العرب، فقد كانوا متوحشين للغاية بدفاعهم عن جمال وانسيابية الإنجليزية مقابل العربية، كما إنهم قالوها بصراحة بدت من وجهة نظري وقاحة، قالوا إن "بريستيجهم" سيبهت إن اعتمدوا العربية كلغة تعبير.


بعد فترة قابلت زميلاً فرنسياً، دخلت معه بنقاش بلغتي الإنجليزية البسيطة حول ازدياد أعداد اللاجئين العرب في الغرب وما قد يتبع هذا الحدث من استخدام واضح ومنتشر للغة العربية، وربما ظهورها في بعض المنشورات واللافتات حتى يتمكن اللاجئون من الاندماج. ليجبني باستنكار وبأسلوب وجدته متعالياً بعض الشيء لكنه مقنع "لا يوجد شخص مضطر لتغيير لغته من أجل زائر أو لاجئ.. هم من طلبوا القدوم لهذه البلاد، بالمقابل عليهم بذل بعض الجهد ليتحدثوا بلغة البلد التي تستضيفهم". تذكرت على الفور القائمين على ذلك الملتقى العربي والذين فكروا بالبعض وتجاهلوا الكل، وبزملائي العرب الذين خجلوا من التعبير بلغتهم، وبغيرهم الكثير.. لأتأكد على الفور أنه لن يعلو شأننا ولن نتوحّد إن بقينا على حالنا هذا.

نعم نحن نحتاج إلى اللغة الإنجليزية وإلى لغات أخرى، لكننا نحتاجها كسند لإكمال الحياة والاندماج في هذا العالم الذي أصبح قرية صغيرة، بالمقابل، نحن نحتاج وبقوة إلى لغتنا العربية كأساس يوحدنا ويمنحنا الرِفعة. أمر جميل أن نسبة كبيرة جداً منّا أصبحت تتقن اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات بطلاقة، فنحن بحاجة لذلك كي نندمج في عالم أصبح قرية صغيرة، ولكن، لماذا لا نستغل طلاقتنا هذه بخطابات ذكية توصل أفكارنا لكل العالم، بدل أن نكتفي بالتظاهر في البلاد الأجنبية بلغة عربية لم يصل منها سوى مشاعر الغضب البعيدة عن التفكّر. أم أن الغضب، الغضب وحده ما يمكننا التعبير عنه بلغتنا الأم؟!


تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة:


Thursday 17 August 2017

من "الإسرائيلي" الذي يمكننا محاسبته؟

الصفعة كانت كبيرة ومدوية، لم يتردد مرتكبها من الإتيان بها ولم يشعر بالخجل من التعدي على حرمة بلد يستضيفه، أو بالخوف من ردة فعل حكومته التي قد تتأثر علاقتها مع هذا البلد الذي يفتح لها أبواب السلام على مصراعيها وعلى الرحب والسعة، في الوقت الذي يغلقها أمام فلسطينيين شتّتهم ولا يزال يشتّت بهم العدو.
وكيف له أن يتردد وهو من تعلّم في مدارسه أن قتل العرب، وإن كانوا أبرياء، يُعتبر بطولة؟! وكيف له أن يشعر بالخجل وهو الذي يعرف حق المعرفة أن هذا البلد الذي يستضيفه سيفضّ أي مظاهرة ضده إن اقتربت من حدود سفارته؟! وهذا ما حدث ويحدث بالفعل. أما الخوف، فمن يخاف من حكوماته غيرنا نحن العرب؟! ثم أخبروني بحق، كيف له أن يخاف وهو من يسنده كبير القتلة "نتن ياهو"، الذي استقبله بحفاوة، بعد أن ساعدت الحكومة الأردنية بتهريبه عُقب ساعات من الجريمة، وأخبره بأنه تصرّف بشكل جيد وأنه فخور به؟
تعاملت الحكومة الأردنية مع جريمة "حارس السفارة" النكراء برحمة قلّما نجدها إن كان المجرم واحداً منا، وبلطف نفتقده إن كانت جريمة السفارة هذه هي جريمة سفارة عربية شقيقة، حدث ذلك تحت ذريعة أنه دبلوماسي يمتلك حصانة سياسية وقانونية. ولكن، ورغم الفتوى الدبلوماسية، ألم يكن بإمكان حكومتنا أن تحتجز المجرم لفترة أطول؛ لإطالة معاناته بالانتظار ولزيادة حرج دولته المزعومة وحثّها على التفكير بالعواقب التي قد تحدث؟ ألم يكن بإمكان حكومتنا أن تستغل مثل هذه الجريمة وأن تقوم بتجيير الخطيئة الإسرائيلية لمصلحة الأردن والقضية الفلسطينية؟
 
وهنا، يجب التنويه إلى أن هذه الصفعة المدوية لم تُقابل، كما يظن البعض، بصفقة تتعلّق بإزالة البوابات الإلكترونية من محيط المسجد الأقصى، بل إن ما حدث، لم يحدث إلا بفضل المرابطين والمرابطات على أبواب الأقصى. فلا تسرقوا جهودهم!
إن تفكّرنا بأحداث جريمة "حارس السفارة"، التي اختلفت الروايات بشأنها، ولكن الرواية التي تم اعتمادها، حتى من حكومتنا الرشيدة، هي رواية المجرم نفسه "حارس السفارة"، الذي ادّعى أنه قتل الشاب الأردني (الطفل في الأعراف الدولية) محمد زكريا الجواودة، والذي لم يبلغ الـ 17 عاماً، بعد أن تعدّى عليه وحاول طعنه بمفك يحمله بيده على إثر خلاف بينهما، حيث وصل الجواودة لمكان الجريمة (محيط سفارة العدو) بهدف تركيب أثاث في شقة المجرم، وكان برفقتهما الطبيب الأردني بشار الحمارنة، الذي يقوم (للأسف وبكل غرابة) بتأجير عمارته للعدو منذ زمن، والذي قُتل كذلك على يد المجرم نفسه، ولكن وبحسب المجرم، فإنه قتله عن طريق الخطأ.
هل قتله عن طريق الخطأ أم ليدفن الشاهد الوحيد على جريمته ومن ثم ليتمكن من نسج الرواية التي تناسبه؟ وإن صحّت روايته، فهل ما فعله يُعتبر دفاعاً عن النفس أم قتل مع سبق الإصرار؟! ألم يكن بإمكانه ردع هذا الطفل بأقل الطرق إيذاءً أم أنه استغل الموقف ليشفي غليله من الدم العربي؟!
أسئلة كثيرة ومؤرقة تؤدي بنا إلى سؤال جديد: "في يومنا هذا، من هو "الإسرائيلي" الذي يمكننا محاسبته"؟
قبل 20 عام، تحديداً بتاريخ 25/9/1997، أقدم الموساد الإسرائيلي على اغتيال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية حماس، والتي، وأقولها آسفة، أصبحت تصنّف اليوم إرهابية بنظر أشقاء عرب.
تمّت محاولة الاغتيال على أرض عربية، في الأردن تحديداً، ولكنها كانت بتخفٍ وبصمت، فقد كان العدو يعرف خطورة ما يقوم به فيما لو كُشف، كان يعرف أن اتفاقية السلام التي تجمعه مع الأردن تمنعه من الاستخفاف بهيبة المواطن الأردني وبحياته، ومع ذلك، لم يتمكن من مقاومة نهمه في امتصاص الدم العربي.
لم تكتمل محاولة الاغتيال، لكنها وفي بدايتها، هدّدت حياة مشعل، ما جعل الملك السابق حسين يعتبر ما جرى ضربة غادرة واستهدافاً للسيادة الأردنية وانتهاكاً لمعاهدة السلام، ليقولها بصراحة ووضوح: "إذا مات مشعل فإن اتفاقية السلام ستموت معه". كم نحن بحاجة لمثل هذه التصريحات في أيامنا هذه!
رغم اختلاف الضحية في الجريمتين، ففي جريمة الأمس هي أحد رؤوس المقاومة والتي كنا ولا نزال نفخر بها رغماً عمّن يريد تشويهها في حاضرنا، وفي جريمة اليوم، الضحية تنقسم لشخصين، الأول مطبّع نأسف لانتمائه لنا (الطبيب)، والثاني طفل لا نستطيع الحكم عليه بشكل مباشر. ومع ذلك، كان على الحكومة متابعة القضية بشكل يحترم سيادتها أكثر، فلو وضعنا الآراء السياسية على جنب، سنجد أنه يوجد جريمة قد ارتكبت.
 
السلام لا يعني الاستسلام، هذا ما حاول إيصاله الملك السابق حسين، فاستغل محاولة الاغتيال لصالح الأردن، وهزّ الكيان الإسرائيلي بصفقة ترضي المجتمع الأردني، حيث طالب بجلب الترياق الذي سيشفي مشعل، وبإخراج الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس من السجون الإسرائيلية، وبإخراج 50 أسيراً آخرين. وبالفعل تم كل ذلك. لتتحول هذه الصفعة الإسرائيلية الصامتة إلى خبر مدوٍ يهزّ الداخل "الإسرائيلي" ويهزم خطته الخجولة.
 
بالنسبة للدوافع التي حرّكت الملك السابق حسين في ذلك الوقت، فقد تكون جاءت كرد فعل سريع على ما قامت به "إسرائيل" حين قتل أردني 7 إسرائيليات في نفس تلك الفترة، أو لامتصاص الغضب العربي الذي قد لا تُحمد عواقبه أو لغير ذلك. بغض النظر عن الأسباب، فقد نجح الملك بزعزعة ثقة العدو وبإنقاذ حياة مشعل وبتحرير مجموعة من الأسرى وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين، وهذا كان كافياً ليبثّ الفرح في أوساط الأمة العربية وليرضي شعبه وينسيه معاهدة السلام مع العدو ولو لحين.

أما اليوم، فلم يعد بالإمكان محاسبة الأعداء حتى وإن كانوا مجرد حارس طائش نستضيفه في بلادنا!


تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة:

Wednesday 28 September 2016

متطرف قتل متطرفاً.. ولكن

الفاعل بالعنوان هو شخص تجاهل وجوده في دولة قانون ولجأ لقانون الغاب، والمفعول به هو فاعل سابق لطالما صدمتنا مواقفه المنحازة. في دائرة التطرف اجتمع الفاعل والمفعول به، لكن الفعل هو ما فرّق بينهما، فغيّر المعادلة وأزاح أصابع الغضب والمساءلة عن المفعول به لتشير اليوم إلى الفاعل.

لم أتفق يوماً مع توجهات الكاتب الأردني ناهض حتّر، ابتداءً من مواقفه العنصرية تجاه الأردنيين من أصول فلسطينية ووصولاً لتأييده ودعمه لنظام بشار الأسد المجرم، أما بالنسبة للكاريكاتير الذي أعاد نشره على صفحته على فيسبوك قبل فترة والذي أثار غضباً واسعاً في الشارع الأردني أدّى إلى توجيه تهمة "إثارة النعرات المذهبية والعنصرية" إليه، ولأكون منصفة، فقد لمست في حتّر موقف المتراجع حين وضّح في منشور له على صفحته نفسها أنه لم يقصد الإساءة للذات الإلهية وإنما السخرية من كيفية تصوّر بعض المتطرفين للرب، وعلى رغم عدم اتفاقي معه في المجمل، إلا أنني لا أتفق مع الفاعل الذي أرداه قتيلاً صباح أمس على عتبات قصر العدل في وسط العاصمة الأردنية عمّان، حيث كان يتحاكم جراء التهمة التي وجّهت له.

حين وصلني خبر اغتياله غاب صوتي واكتفيت بالصمت والخوف، كيف لشخص في دولة آمنة أن يُقتل بهذه البساطة وفي وضح النهار؟! وأين؟ أمام قصر العدل! لو أن المشهد انتهى عند هذا الحد، لكانت الفاجعة رغم هولها معقولة، فهنالك مجرم واحد وسيلقى حتفه، ولكن الفاجعة العظمى ظهرت بحجم المصفّقين لهذه الجريمة! لو لم أشاهدهم بعينيّ ولم أسمعهم بأذنيّ لما صدّقت ولاعتبرت ما قيل عنهم ليس إلا افتراءات يقصد بها إشعال الفتنة، ولهؤلاء المصفّقين أقول: هل يجوز لنا أن ندافع عن الله بأسلوب لا يرضيه عزّ وجل؟ وإن كنتم تبرّرون هذا الفعل، فهل تقبلونه لكم؟ هل تقبلون أن يتم تحويل قضاياكم من أروقة المحاكم إلى أرصفة الشوارع؟


رداءة الطرح من قبل بعض المواقع الإلكترونية

قُتل حتّر وسرعان ما انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي رابط بعنوان "فيديو لفتاة محجّبة تحاول إسعاف المسيحي ناهض وتثير إعجاب الأردنيين".
استفزّني هذا العنوان بشدّة، فما الهدف منه؟ وهل هذه تعتبر الحادثة الأولى من نوعها التي تظهر تآخي المسلمين والمسيحيين؟ هل نعاني من صراع بين المسلمين والمسيحيين في الأردن؟ لقد درسنا معاً وكبرنا معاً واندمجنا في نسيج واحد على رغم اختلافنا، وقد زادنا هذا الاختلاف جمالاً. فلماذا هذه العناوين الصفراء؟!

ما أريد تأكيده هنا، أنه لو كان حتّر مسلماً لقُتل، فالأمر لا يتعلّق بدينه بقدر تعلّقه بآرائه وهنا تكمن الحكاية.


ماريا السعود.. عيار طائش أم نائب طائش؟

حملت الأيام الأخيرة الكثير من الأحداث المتتابعة في الأردن، كل حدث جديد كان ينسينا ما سبقه، على الرغم من أهميته، فها هو الشاب الأردني سعيد العمرو يستشهد في القدس، نحزن قليلاً، نذكره ثم يغيب ذكره مع بدء "العرس الديمقراطي" في البلاد ثم سرقة بعض صناديق الاقتراع.. غابت حكاية الصناديق وبدأت الاحتفالات بالفائزين، وعلى الرغم من صدور قرار ملكي "شديد اللهجة" بمنع إطلاق العيارات النارية خلال الاحتفالات، إلا أن النائب يحيى السعود تجاهل هذا القرار وركب حصانه الأبيض سعيداً مبتهجاً وسط عيارات نارية تعبّر عن الفرح، ولكن "يا فرحة ما تمّت" فها هي إحدى هذه العيارات تسقط على قريبته ماريا السعود لترديها قتيلة وهي ابنة الـ 18 عاماً، حدث ذلك قبل ساعات من مقتل حتّر.

على إثر ذلك، وبمنتهى السذاجة، تقدّم السعود باعتذار للملك وللشعب الأردني وأكّد على أنه حذّر مؤازريه وناشدهم عشرات المرات حتى لا يستخدموا الأسلحة خلال الاحتفال.. ولكن من يشاهد فيديو الاحتفال لا يلحظ أي اعتراض من السعود جراء استخدام السلاح.


أرجو ألا تغيب حكاية ماريا عن أذهاننا، أرجو أن ينال هذا النائب، وليس من تسبّب بإطلاق النار فقط، العقوبة التي يستحقها.




*تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة:


Tuesday 20 September 2016

شرفة مطبخهم.. شرفتي

على شاطئ الهدوء ألقت بي الأقدار، وفي بحر الصمت غرقت، قاومت، تعاركت، فقدت بعضاً من حواسي، لكني لم أفقد رغبتي بالحياة.

أوصلني شغفي إلى مطبخهم، كان وصولي انتصاراً، فها أنا ناقصة الحواس أمتلك اليوم مملكة تتمنّاها الإناث.. أو إن صحّ التعبير، أمتلك وظيفة تنبع من المطبخ وتصبّ فيه، كم تخطّيت من أمواج لأصل إلى هذه الوظيفة، وكم أبحرت بعد ذلك في خيالي هرباً منها.. من هذه الوظيفة التي أصبحت تقضي على ما تبقّى بي من حواس وتدفن كل ما بداخلي من إحساس.

أصبحت أهرب من الفاجعة بالنوم، وعند استيقاظي ألجأ للرسم، فالرسم بالنسبة لي لغة أتقنها.. رسمت فتاة ببطن كبير، رسمت طفلاً صغيرا،ً ورسمت عائلة بلا أب.
في مطبخهم تعلّمت الكثير من أصناف الطهي، وتعاملت مع القليل من أصناف البشر، كنت أعدّ الكثير من الطعام، لا أعرف لمن! كان منزلهم خالياً إلا من أنفاسي وأنفاسهما، هذان الكهلان الوحيدان، هذان الوحيدان إلا من ذكرياتهما المعلّقة على جدران الفرح والشباب.

كان حضوري إليهما كسراً للروتين، فعلى الرغم من تفاجئهما كوني لا أتحدث ولا أسمع، إلا أنهما رحّبا بي، وقرّرا تعلّم لغة الإشارة من أجلي، وتعليمي لغة الومضات من أجلهما، وضعا في المطبخ أجراساً ضوئية بألوان مختلفة كي أتنبه على نداءاتهما الصادرة من غرفة النوم، وغرفة الجلوس، وباب المنزل، باب المنزل الذي لم أخرج منه منذ دخولي إلى عالمهم.. كانت شرفة مطبخهم، شرفتي، مخرجي من هذا العالم.

كانا ينامان في تمام الساعة الثامنة مساءً، وكنت أنام بعدهما بساعات.. كان الليل بغيابهما ممتعاً، أقضيه على شرفة مطبخهم، شرفتي التي أنام فيها، أحلم، أستيقظ وأسهر لأستحضر الذكريات أو لأقلّب نظري على كل ما يظهر لي من مشاهد.. ما أجمل السهر على هذه الشرفة.

كل ليلة، في تمام الساعة التاسعة، كنت على موعد مع شرفتي، أخرج إليها، أفتح بعضاً من نوافذها وأسند ذراعيّ على واحدة منها، ثم أسند رأسي على ذراعيّ وأمدّ بصري للأسفل.

رغم وقوفي الطويل على هذا الشكل، إلا أنني لم أكن أشعر بالتعب، فقد كان شغف اللقاء بأشخاص والتعرّف على حكاياتهم يملأ كل خلية في جسدي، أنا المشتاقة لبسمة ما، أو لمجرد نظرة.

التقيت بأطفال يلهون بحرية في الشوارع، وبعائلات تأكل ما لذّ وطاب على موائد حدائقها، رأيت أدخنة كثيرة تنبعث في السماء من أفواه الساهرين، وأعيناً مترقّبة تكتشف وجودي فيحرّك أصحابها أفواههم بكلمات لا أدركها.. كنت أشيح بنظري عنهم لأجد عشاقاً يحتمون بظلال الأشجار هرباً من الكبار، وسيارات فارهة يصفّ أصحابها بهدوء على أبواب منازلهم، وفي أكثر الأماكن إنارة كنت أجد يداً ممتدة للسماء ومجموعة أشخاص يبتسمون لها.. كنت أضع نفسي مكانهم وأطلق العنان لخيالي، لتعيدني إلى الواقع إشارات رجل من الأسفل.. أكره هذا الرجل، كان دائم التجسّس عليّ، ماذا تراه يريد؟

في ليلة صيف هادئة، لفتت نظري ومضات جرس المنزل، كانت عقارب الساعة تقترب من الواحدة صباحاً، تفاجأت.. حملني الفضول لأرى من الطارق.. كان ذاك الرجل الكريه، لم يكن كريه الحضور فحسب، بل الرائحة كذلك، هذا ما استنتجته بعد لحظات من فتح الباب، حاولت منعه، قاومت كثيراً.. لكنني فشلت.

لقد كان حارس المنزل الذي أعمل فيه، وكان لزاماً عليّ التعامل معه، فأنا وهو من نتشارك في تسيير الأعمال من الداخل والخارج.

مع مرور الليالي، بدأ الوقوف الطويل يرهقني، ولم أعد قادرة على الالتصاق بسور الشرفة ومدّ بصري للأسفل، فكتلة بيني وبينه بدأت تظهر.. أصبحت أهرب من الفاجعة بالنوم، وعند استيقاظي ألجأ للرسم، فالرسم بالنسبة لي لغة أتقنها.. رسمت فتاة ببطن كبير، رسمت طفلاً صغيرا،ً ورسمت عائلة بلا أب وكل ما يخطر في البال من رسومات ترمز للحمل.. كنت ألقي برسوماتي هذه من الشرفة، حيث يقف ذاك الرجل، لكنه لم يعد يلتفت لي ولا لشيء منّي.. أصبحت أمرّرها مع ورقة الطلبات اليومية التي أعطيه إياها عبر الباب، لكنه كان يكتفي بتمزيقها.. حاولت أن أخبره بالإشارات لكنه اتّخذ الدرج مهرباً له واختفى. الدرج، قد يكون مخرجي، سأزرعه نزولاً وصعوداً وبأقصى ما أملك من سرعة لعلّه يُثمر بتحريري..

محاولتي الأولى لم تنجح، سأحاول غداً، لكنني سأشرب خلال سهرتي على الشرفة إبريقاً من شراب القرفة، فقد سمعت أن أثره يجدي نفعاً في هكذا حالات، وسأواظب على ضرب ذنبي الذي لم أقترفه لعلّني أتطهّر منه الليلة.

هذه حكاية فتاة ضحّت بعمرها لتنتشل عائلتها من جيوب الفقر المليئة في بلادها، هذه حكاية اكتفت بذكر الوحدة التي تعاني منها العاملات والاستغلال.
استيقظت في الصباح الباكر ولا تزال هذه الكتلة تثقل قلبي قبل جسدي.. سأعيد ما فعلته البارحة، قبل الإفطار وقبل أن يستيقظ أحدهما ويلتفت إليّ.

مرّة، مرّتان، ثلاث، أربع، خمس، آه.. لم أعد أقوى على العد، صوت لهاثي أصبح عالياً، لكنني لن أستسلم.. أين وصلت بالعد؟ لا أذكر.. إذاً من جديد.. مرّة، مرّتان، ثلا.. ثلا.. آآآه.

يا له من صداع.. يا إلهي! رأسي ينزف ويبدو أنني أنزف من مكان آخر كذلك.. آآآه.. كلّي أتألّم.. هل سيشعر بي أحدهم؟ هل سيراني أحد السكان؟ لن أستجدي الأمل، سأكتفي بضمّ نفسي على عتبات الألم، فأنا مجرّد عاملة، لا صوت لها سوى الأنين.

- هذه ليست حكايتي، هذه حكاية فتاة ضحّت بعمرها لتنتشل عائلتها من جيوب الفقر المليئة في بلادها، هذه حكاية اكتفت بذكر الوحدة التي تعاني منها العاملات والاستغلال الذي قد يواجهنه دون التطرّق للعنف اللفظي والمعنوي الذي يمارس ضدهّن.. وما خفي كان أعظم.



*تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة:



Monday 5 September 2016

خلص.. فلسطين عيّدت

اعتدت الانتظار طويلاً حتى يتكرّم أحد سائقي التكسي بالوقوف لي والموافقة على نقلي إلى وجهتي، فعلى الرغم من ازدحام شوارع عمّان/ الأردن بهم، إلا أن هذه الشوارع مزدحمة كذلك بالواقفين على عتبات الانتظار.

أزمة الانتظار المهلكة هذه، دفعت كثيراً من الواقفين إلى التنازل عن حقهم بركوب سيارة تكسي خاصة بهم وحدهم، هذه الأزمة نفسها، هي التي مكّنتني قبل حوالي أسبوعين من التعرّف على سائق تكسي يجيد الحديث بثلاث لغات غير العربية، كان يُظهر براعته بالإنجليزية مع كل انعطافة يطلبها منه الراكب الأجنبي الذي يجلس بجانبه.

كانا يتبادلان الأحاديث وأنا أستمع لهما تارة، وأسرح أطواراً، ثم جذب سمعي الراكب الأجنبي وهو يعبّر عن تفاجئه لحديث السائق باللغة الفرنسية، أنا تفاجأت كذلك، فأعدت تركيزي إليهما، كنا قد أصبحنا على مقربة من وجهتي، فتحدثت بعد صمت طويل لأرشده إلى طريقي، في هذه الأثناء، التفت السائق إلى الراكب الذي بجانبه وسأله:

-
ما شلومخا؟ (جملة عبرية تعني "كيف حالك؟")
توقفت حركة السيارة وعمّ الصمت لبضع لحظات، لأكسره بإجابتي:
-
شلومي توف. (جملة عبرية تعني "أنا بخير")
لم يستطع سائق التكسي إخفاء دهشته، التفت إليّ وقال:
-
عمّي.. إنتي من وين؟!

سؤاله أوقعني في حيرة لطالما وقعت بها، كيف تراني أجيب! من أين أنا؟ وهل وطن واحد يكفي لمن نشأ مثلي؟

إن أخبرته بأنني أردنية سأشعر بوخزة في صدري، فكيف نسيت إخباره أنّي يافوية الأصل، وأن والدتي دمشقية، وأنّي أتمتّع بطيبة أهل الحجاز! وإن اكتفيت بنسب نفسي إلى فلسطين، سأشعر بوخزات من تأنيب الضمير، فأين الأردن التي ضمّتني ورعت إنجازاتي؟ أين سوريا التي زادت جمالي؟ وأين السعودية التي صبغتني بطابع ميّزني عمّن حولي؟

بكل الأحوال، وبعيداً عن حيرتي التي وقعت بها، أجبته على النحو التالي لأنفي ظنّه بكوني من سكان فلسطين "الضفة" أو فلسطين "الـ 48":

-
يا ريتني من سكان فلسطين، أنا من هون.. بس تعمّدت أتعلم اللغة العبرية.
-
والله..! وليش؟
أعاد تحريك السيارة وأنا أجيبه كما اعتدت وبكامل ثقتي:
-
لإنها لغة عدوّي.
-
عن أي عدو بتحكي يا عمي؟!
-
عدوّي.. عدوّنا المشترك.. إسرائيل!

نظر إليّ عبر مرآته نظرة متفحّصة، أطال النظر، وأنا كذلك نظرت إليه، كان رجلاً يتجاوز الخمسين من عمره، ببنية منتصبة توحي بأن صاحبها كان رياضياً.. انعطافة واحدة إلى اليمين ونصل إلى وجهتي، أخبرته بذلك، فانعطف وهو يقول لي:
-
القصة مش قصة عدو.. القصة إنه بدنا نعي..
-
(قاطعته): هون لو سمحت..

ترجّلت من السيارة دون معرفة ما يريد الوصول إليه، لم أقصد مقاطعته، لكنني وصلت وهذا يعني انتهاء الحوار، ومع ذلك، فقد شعرت من أسلوبه بأنه ممّن يدافعون عن التطبيع ويبرّرون وجوده، أو قد لا يكون كذلك.. لن أحكم عليه، فلم أكن قد سمعت بقية حديثه.

سرعان ما غابت هذه الحكاية عن ذهني، فلا حبكة تميّزها ولا حكم أستطيع الخروج به، ولكن، ما لم أستطع نسيانه أو فهمه حتى هذه اللحظة، ما حدث معي قبل أسبوع من اليوم، حين أجبرتني من جديد ظروف الازدحام والانتظار الطويل إلى ركوب سيارة أجرة تضمّ راكباً قبلي، كان رجلاً كبيراً يبلغ الستين من عمره أو يزيد.

وأنا أهمّ لركوب السيارة من بابها الخلفي، سمعت السائق وهو يطلب إذن هذا الرجل بالسماح لي بمشاركته السيارة ليجيبه على الفور "بلهجة فلسطينية صافية":
-
طبعاً يا عمي.. هاي زي بنتي.. ولو! أصلاً هاي القصص هيّه اللي مأخرتكوا إنتوا العرب.

لم أفهم ما القصص التي قصدها، فالواضح أنه تعمّق أكثر مما ينبغي.. لكنّني استغربت من قوله "إنتوا العرب" وكأن لهجته ومحياه لا يحملان وجهنا نحن العرب!

أرشدت سائق التكسي إلى وجهتي ثم أطلقت نظري عبر النافذة، لأسمعه يقول وأنا أتأمل أرصفة عمّان الممتلئة بالأشجار والشروخ:

- يعني أرصفتنا مثلاً مستحيل تكون زي هيك.. عنّا الأرصفة عالنظام الأوروبي.. على مستوى واحد ونظيفة وما عليها شجر، عنّا الأعمى بقدر يمشي بكل راحة وسهولة.. مش زي عندكوا. لا والشوارع.. كلها مخططة ومنظّمة.. أنا عمري ما شفت شوارع زي هان..
- سائق التكسي: بس هان الشوارع مخططة كمان..
- وين مخططة؟!
- مخططة بس مش مبينة لإنّا بنمشي فوقها.. بس لو عملنا حادث لا سمح الله بنتخالف.. غير هيك عادي..

طالت مقارنات "عندكوا وعنّا" بين الرجل وسائق التكسي، وأنا لم أفهم بعد هو من أين، إلى أن قال:
- أصلاً نص أراضي الأردن إلنا.. إحنا اللي حاميين هالبلد.. ولا شو فكرك إنت؟

شدّ سائق التكسي قبضته على مقود السيارة، رغم محاولة الكتمان، إلا أن مشاعر الامتعاض ظهرت عليه، ومع ذلك فإنه آثر الصمت، لحظات من الصمت كسرها سائق التكسي الذي لم يستطع الصمت أكثر، ليقول:
- إحنا عنّا أراضي بالبلاد (يقصد فلسطين)، مش مستفيدين منها، ومع هيك مستحيل نبيعها ليهودي.. مع إنه كل يوم بتّصلوا فينا ولاد عمي وبقنعونا نبيعها بس مستحيل نبيعها.
- يا زلمة شو مستفيدين!
- مستفيدين إنه الحق ما يضيع.
- أي حق؟ ولك خلص.. فلسطين عيّدت! كلها كم سنة وبنوخذها كلها.. مالك إنت؟!

عاد سائق التكسي لصمته على مضض، أكملنا الطريق حتى وصل الرجل إلى وجهته، ترجّل من السيارة متّجهاً لأحد فنادق عمّان، أما أنا والسائق، فقد واصلنا الطريق والتعجب يملؤنا.

فاجأني هذا الرجل، لو سمعت ما قاله من شاب في مقتبل العمر لما تفاجأت إلى هذا الحد، فجيل اليوم لم يعش معاناة التهجير والشتات، لم يشهد سرقة فلسطين بكل ما تحمله من خيرات ولم يلمس محاولات طمس أي أثر لتاريخها، ولكن، كيف لرجل بهذا السن أن يكون بكامل تسليمه وولائه؟! كيف له أن يعبّر عن حبّه لمن اغتصب أرضه ودمّر أهله؟!

لم أجد أي إجابة تشفي الغليل، حتى قرأت تدوينة على مدونات الجزيرة، يقول الكاتب في ختامها: "كارثة أوسلو الأكبر من ناحيتي، كانت يوم توجّهت إلى أحد مدراء المدارس "العربية الإسرائيلية" في الداخل الفلسطيني لأخبره بأنه لا بد من العمل أكثر على التوعية بالقضية الفلسطينية وأنه لا يعقل أن يخرج الطفل بعد سنوات من المدرسة وهو لا يعلم ما معنى النكبة ومتى احتلّت فلسطين وكيف يكون علمها وحدودها ونشيدها، فكانت الصاعقة عندما أخبرني: لا مشكلة عندي في أن تكون هناك محاضرات عن فلسطين، فهم جيراننا ولهم علينا حق!".



*تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة:

Saturday 20 August 2016

كيفية معالجة الإعلام الأردني لقضايا الفئات المستضعفة

من هي الفئات المستضعفة التي يتحدث عنها الإعلام الأردني؟ وهل يفيها حقّها بالفعل؟
من إحدى أمسيات منتدى عبدالحميد شومان الثقافي، تأخذنا الصحفية الأردنية نادين النمري بجولة نابعة من تجربتها مع الفئات المستضعفة، وتتوقف عند محطات تلهم الصحفيين والمؤسسات الإعلامية وترفع مستوى الإنسانية والحساسية لديهم عند التعاطي مع قضايا تخص هذه الفئات، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر: المرأة، الطفل، الشخص ذو الإعاقة واللاّجئ.
تبدأ النمري جولتها بإظهار مقدار التغطية الذي تخصصه وسائل الإعلام الأردنية للفئات المستضعفة، فتبيّن أنها تغطية موسمية لا مستمرّة، حيث يتم تناول قضاياها إن كانت الحالة العامة تتطلّب ذلك، وبحسب المناسبة كيوم المرأة العالمي مثلاً، ومن ثم يتم نسيانها. بالمقابل، يتم تخصيص مساحة دائمة وشاملة للسياسة، وإدلاء الرأي والإقتصاد. ومع ذلك، فإنها تؤكد على أن المشكلة الأساسية لا تكمن بضعف حجم المواد فحسب، وإنّما بضعف طرح هذه المواد من قبل الصحفيين.
عدم تعمّق الصحفي بالقضايا التي يتناولها
يستخدم الصحفي أحياناً مصطلحات أو أوصاف تسيء للحالة التي يتحدث عنها، ويكون ذلك بالأغلب بسبب جهله لطبيعة الحالة وبحقوقها التي يجب عليه احترامها والعمل على إبرازها. واستشهدت النمري بخبر لأحد المواقع الإلكترونية بعنوان "ضبط أطفال لقطاء"، مستنكرة الفعل الذي تم استخدامه، حيث يعتبر فعل "ضبط" إساءة بحق الأطفال وكان من الأفضل استخدام فعل آخر بمعنى مختلف.
وتعلّق النمري، على الصحفي العمل بجد ومثابرة لتطوير مهاراته الصحفية ومعرفة الطرق الأفضل للتعامل مع مختلف الحالات التي يقابلها، كما عليه قراءة مختلف القوانين التي تتعلق بها وفهمها جيداً.
وتقع على عاتق المؤسسات الإعلامية كذلك مهمة اختيار صحفييها بذكاء ومدّهم بالدورات الكافية والوافية لرفع مستوى مهنيتهم.
إيصال رسالة أم الوصول لسبق صحفي؟
يغيب عن ذهن الصحفي في بعض الحالات أنه يتعامل مع إنسان، فيصبح هدفه من المادة التي يعمل عليها الوصول لسبق صحفي يميّزه عن غيره من الصحفيين، وفي هذه الحالة قد يسيء أو يظلم الشخص الذي يتناول حالته، وهنا، تقول النمري إنه يجب على الصحفي طرح السؤال التالي على نفسه:
هل ما أسعى إليه هو الإثارة أم تبنّي قضية وإيصال رسالة؟
هذا السؤال سيساعد بتحديد نهج الصحفي وببيان المؤسسة الإعلامية الأنسب لتوجهاته. مؤكدةً على ضرورة تبنّي المؤسسات الإعلامية لسياسات واضحة في هذا الخصوص وامتلاكها لميثاق أخلاقي يسيّر عملها.
مادة لإثارة الشفقة أم لفتح ملف حقوقي؟
ترى النمري أن قضايا الفئات المستضعفة تنال تعاطف الجمهور ويحدث من بعدها تغيير في حال تمت معالجتها بشكل جيد، لكن الملاحظ أنه يوجد نقص بكيفية معالجة وسائل الإعلام لهذه القضايا، مؤكدةً على "غياب النهج الحقوقي في التعامل مع المشكلة الأساسية، وانطلاق المعالجة من مبدأ الشفقة وإثارة المشاعر بطريقة سطحية، دون البحث في العمق أو إعطاء الطابع الحقوقي لهذه القضايا".
صحافة الـ Trend أو المواضيع الأكثر شيوعاً
تتحول أجواء الإعلام أحياناً إلى مساحة يملؤها التقليد، أو بمعنى أدق إلى صحافة الـ Trend، فبمجرد أن تظهر قضية ما على الساحة، يبدأ بتناولها الصحفيون من مختلف المؤسسات، لا يهم أن يكون في تناولهم لها معالجة أو دقة، بل المهم أن يكونوا قد واكبوا الموجة.
وبحسب النمري، فقد ينجم عن ذلك مشاكل وإساءات عدة، منها، احتمالية الوقوع بالخطأ بسبب الاندفاع الذي حال دون بحث الصحفي وتقصّيه، بالإضافة إلى عدم قدرته على التفكير بزوايا طرح جديدة من شأنها إحداث التغيير المرجو.
نفس حقوقي أم تحريضي؟
يقف أمام بعض القضايا صحفيون محرّضون، هدفهم إبطال أهمية هذه القضية والسخرية من حقوقها، وفي هذه الحالة، وبحسب النمري، فإن الدور الأكبر يكون على المؤسسة الإعلامية نفسها لتحدّ أو تساعد بتطوير هكذا صحفيين، فالصحفي بالنهاية ابن مجتمعه، أي أنه يتأثر بما تفرضه عليه بيئته.
كما تؤكد النمري على ضرورة بناء شراكة تربط المؤسسات الإعلامية بمنظمات المجتمع المدني، للسماح للأخيرة بإيصال رسالتها بشكل أسهل وأسرع ولتوعية الصحفي ورفع مستوى قدراته.
أمل لحظي أم فائدة حقيقية؟
هل تستفيد بالفعل الفئات المستضعفة من الملفات التي تنشر عنها أم أن الأمل اللحظي هو كل ما تجنيه؟
تقول النمري بأن مهمة الصحفي الكبرى تكمن بعدم إعطاء وعود مبالغة للحالة التي يتعامل معها، فلا يجوز له بأن يخبر حالته بأنه بمجرد طرح المادة ستصبح أمورها على خير ما يرام، بل عليه أن يكون واضحاً جداً وأن يبيّن بأنه سيطرحها للبحث والنقاش لكنه لا يعد بحلول سريعة.
وتضيف النمري بأنه لا بأس بأن يساهم الصحفي من خلال علاقاته بمساعدات إنسانية لحالاته التي يصعب عليه تناول قضاياها، لمعرفته مسبقاً بعدم جدواها أو لإيقانه بأن المساعدة الذاتية ستعطي أثراً أكبر، فما العيب أو المانع من أن يلبّي الصحفي نداء الإنسانية؟



*تجدون التقرير كذلك على الموقع الإلكتروني لشبكة الصحفيين الدوليين ijnet: