أشخاص ذوو إعاقة يشكون غياب فرص عمل ومعونة وطنية لا تسد الرمق

الغد - عمان - توجّه بلال سمّور (26 عاماً) ومجموعة من رفاقه إلى إحدى المؤسسات، لإجراء مقابلة عمل، كان ذلك بعد تخرجهم بأيام قليلة، إلا أنه الوحيد الذي استُثنيَ من إجراء المقابلة.
كانت مجرد نظرة واحدة له من مستقبله في تلك المؤسسة، كافية لإصدار حكم قاطعٍ بحقه، كما يروي سمّور، الذي أنهى دراسته من الجامعة الأردنية في العام 2009، بتخصص نظم معلومات إدارية.
وبالرغم من المُعاناة التي عايشها خلال تنقلاته من وإلى الجامعة، بسبب إعاقته الحركية، إلاّ أنّ ذلك لم يمنعه من السير قُدُماً لتحقيق طموحه، كما يؤكد.
استمر سمّور في محاولاته للعثور على عمل، فأرسل سيرته الذاتية إلى مؤسسة، وجد فيها فرصةً مناسبةً له، لتحدد له موعداً، لكن المسؤول عن مقابلته، وبمجرد رؤيته له، يتحرك بواسطة كرسي؛ ألغى معه الموعد، فلم يكن يتوقع أن يكون صاحب السيرة الذاتية من ذوي الإعاقة، ليعود سمّور إلى منزله جارا أذيال خيبته.
مع تكرار مقابلات العمل؛ واجه هذا الشاب انتهاكات مختلفة لحقه المضمون دستورياً، ولم تقتصر هذه الانتهاكات على الرفض وحسب، بل وصلت إلى "أسئلة ونظرات" استنكار، كان يواجه بها، مُستذكراً يوماً كان يقابل فيه بإحدى الشركات من أجل العمل، فسألهُ الشخص الذي يقابله "هل ستستطيع استخدام الكمبيوتر وأنت بهذا الوضع؟" معلقاً سمّور "كيف استطعت إنهاء دراستي الجامعية والسّعي من أجل الحصول على العمل، إن لم أكن قادراً على استخدام الكمبيوتر".
عبدالله عمر إبراهيم (25 عاماً) شاب طموح كذلك؛ حصل قبل نحو عامَين على دبلوم متوسط من جامعة البلقاء التطبيقية، في تخصص نظم معلومات إدارية، لكنه لم يجد عملاً بالرغم من بحثه المُستمر، والسبب أنه معاق حركيا.
أوقف صندوق المعونة الوطنية صرف راتب إبراهيم  وقدره 30 دينارا، بحجة أنه بات قادراً على الكسب "بعرق جبينه"، فلم يتبق لهذا الشاب دخل يعيش به.
ضاقت بإبراهيم الحياة، فلجأ إلى العالم الافتراضي، باحثاً عن حياة أفضل وأكثر ملاءمة، عله يُعوّض ما يخسرهُ مجبراً من حياة في العالم الواقعي، ما أدى به إلى إنشاء صفحةٍ على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أطلق عليها اسم "الدفاع عن ذوي الإعاقة" ليستقطب خلالها ذوي الإعاقة، فيتناقشوا حول مشاكلهم، ويفضفضوا لبعضهم البعض عن همومهم، ويزرعوا الأمل من حولهم.
ولينشر هو أفكاره ومشاريعه عن طريق صفحته، وبالتعاون مع مواقع إلكترونية تنشر له مقالاته المختصة بهموم ذوي الإعاقة، علّها تصل لذوي مبادرةٍ أكفياء.
بصيصُ أملٍ في ظلام حالك
ربى الرياحي (25  عاما)، فتاةٌ كفيفة، انضمت إلى فريق الصحفيين في "الغد" مطلع نيسان (إبريل)، بعد أن اتصلت بالإعلامي محمد الوكيل في برنامجه الصباحي "بصراحة مع الوكيل" على راديو روتانا، تشكو عدم تعيين ديوان الخدمة المدنية لها، برغم حصولها على معدل 90% في امتحان الثانوية العامة "التوجيهي"، وتقدير جيد جداً في الجامعة الأردنية بتخصص لغة عربية، تقول "لم أتوقع أن يكون لاتصالي هذا الأثر الإيجابي، كنت أرغب بالتعبير عن معاناتي، فقط لا أكثر".
في البداية؛ شعرت الرياحي بصعوباتٍ في التأقلم والانسجام مع أجواء الصحيفة، بل ترددت بأمر الاستمرار فيها، فهي تفتقد "أهم حواس الولوج إلى عالم الصحافة" كما تقول، ما دعاها لمصارحة مديرتها بهواجسها عن المهنة التي تختبرها، ومخاوفها من الفشل، فتم تشجيعها ودعمها، للمضي قدما في تجربتها، وأكد لها الزملاء أنها بالإصرار والعزيمة يمكن أن تكون أول صحفية كفيفة في الوطن العربي.
ليستقر الحال بالرياحي بكتابة مقال أسبوعي، تتناول فيه الصعوبات التي يتعرض لها الكفيفون في البيت والشارع والمدرسة والجامعة، وكيف أنه لا توجد مرافق وخدمات خاصة بهم، إضافة إلى الكتابة عن النقاط التي تراها مضيئة في حياتها، والأشخاص الذين أثروا في حياتها بعد أن فقدت نظرها في حادثٍ خاطفٍ أثناء طفولتها المليئة بالشقاوة.
وتُوجه الرياحي نداءً لكل أرباب العمل؛ أن "يتعاونوا مع المتقدمين لوظائف من ذوي الإعاقة، وأن يهيئوا لهم الوظيفة التي تتناسب وقدراتهم، وأن يصبروا عليهم حتى يثبتوا أنفسهم".
يعمل سمّور حاليا "كمطوّر برمجيات على الخلوي" وهو مجال لا يتقنه كثيرون، لذا تخصص به بعد دراسته الجامعية، كي تكون فرصة عمله أكبر، والشركة التي يعمل فيها لا تشعره بالرفض كسابقاتها، ويقول إن البيئة مُريحة في المبنى، ومهيّأة للتنقل بحرية بين أروقته، معلّقاً "القبول والتنقل بأريحية؛ صفتان نادرا ما نلمسهما نحن الذين نعاني من إعاقات".
تعمّد سمّور دراسة تخصص بعيدٍ عن معاناته، كي يُخرجَ نفسهُ من قوقعةٍ يُشجع على بقائها المجتمع، ولكي يخرج من هذه القوقعة نهائيا؛ سار على مبدأَي المخالفة والعناد الإيجابيَيْن، كما يحلو له الوصف.
ويقول عن ذلك "لا بد لكل شخصٍ يطمح بمستقبلٍ مختلف، أن يتحلى ببعض "التناحة" وألاّ يستسلم مهما حاصرَهُ الإحباط، بل يستمر بالبحث والسّعي حتى يصل إلى مُبتغاه"، ولا يوجّه سمّور حديثه إلى ذوي الإعاقة وحسب، بل إلى كل فرد يقرأ كلماته.
أما إبراهيم؛ الذي واجه صعوبة في الحصول على عمل "واقعي" يعتاش منه، فلجأ للعمل التطوعي، حتى لا يبقى حبيس المنزل.
وهو يتطوع الآن في مركز شباب الرصيفة التابع لوزارة الشباب والرياضة، على أمل أن تُفتح لهُ الأبواب في القريب العاجل، لعملٍ يساعده في إكمال عِلْمه، وفي الزواج من فتاةٍ ذات إعاقة يحبها وتحبه، لكن هذا الشاب المُتلهّف للحياة، لا يُخفي الصعوبة التي يواجهها في تحركاته من وإلى المركز.
الإعاقة الحركية الأكثر انتشاراً
بناءً على دراسةٍ أجراها كل من: المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين ودائرة الإحصاءات العامة، في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، فإن نسبة العائلات التي تضم أفراداً من ذوي الإعاقة في المملكة؛ تبلغ حوالي 8 %، وغطت الدراسة 13 ألف أُسرة، من مُختلف الفئات.
وبلغت أعلى نسبة لهذه الأسر في محافظة إربد (10.1 %)، وأدناها في محافظة مادبا (4.3 %)، وتساوت النسبة في محافظتي عجلون والطفيلة، إذ بلغت (8.3 %).
وبينت نتائج الدراسة؛ أن أكثر الإعاقات انتشاراً هي؛ الحركية (17.3 %)، وضعف البصر (16.2 %)، والجسمية والصحية (11.2 %)، والمتعددة (8.2%)، والعقلية
(7.9 %)، بينما كانت صعوبات التعلم واضطراب التوحد الأقل انتشاراً بنسب بلغت (2.1 % و0.5 %) على التوالي.
تنقل ذوي الإعاقة
لأن من أكبر الانتهاكات التي تواجه ذوي الإعاقة؛ عجزهم عن التنقل وحدهم بحرية، وضرورة مرافقة شخص ما لهم، لغياب البنية التحتية المُهيّأة لحركتهم، وعدم قدرتهم على دخول معظم المباني والمنشآت في البلاد، فإنهُ يجري العمل على تطبيق كل ما تتضمنهُ "كودة متطلبات البناء الخاص بالمعوقين" على المباني الحديثة، بحيثُ صدر مؤخراً قرار من لجنة أمانة عمان الكبرى إلى مديري المناطق، يُفضي بعدم ترخيص أي مبنى لا يستوفي متطلبات كودة البناء الخاص. كما خُصّص ختمٌ خاص بالمجلس الأعلى في نقابة المهندسين لختم المخططات الصادرة من النقابة، والمستوفية للمتطلبات الخاصة بالكودة، وبحسب المجلس الأعلى، فإنّ هذا الإجراء مفعل الآن. كما يبين المجلس أنه أنهى المرحلة الأولى من هذه الكودة، والتي تحوي "المقدمة والهدف ومجال الشمول والاستثناءات والتعريفات"، وهو الآن في طور التحضير للمرحلة الثانية، والتي تشمل "الاعتبارات والأقيسة التصميمية".
تقيد الشكاوى لذوي الإعاقة
يُبيّن مدير مديرية التشغيل في المجلس الأعلى مُحتسب بني علي؛ أن رفض هذه الفئة غالبا يكون للنظرة السائدة في المجتمع، وهي أن قدرات وإمكانيات هؤلاء الأشخاص محدودة، إن لم تكن معدومة.
ويؤكد أنّ قانون حقوق الأشخاص المعوقين رقم 31 لسنة 2007، نص على إلزام المؤسسات العامة والخاصة ممن يزيد عدد عامليها على 50 عاملاً، بتشغيل 4% من مجموع العاملين فيها.
وحول فاعلية قانون العمل الذي يضمن حق ذوي الإعاقة بوظيفةٍ يقتاتون منها كغيرهم من البشر، وما إن كان هنالك عقوبة تقع على المؤسسة التي ترفض أحدهم، توضح رئيسة لجنة المرأة ذات الإعاقة في المجلس الأعلى مها السّعودي؛ أنّ القانون الحالي لا يفرض أية عقوبة على المؤسسة التي ترفض المتقدمين من ذوي الإعاقة.
وتضيف "نأمل من وزارة العمل متابعة هذه الحالات جديا، ونتمنى أيضا ممّن يُرفضوا من ذوي الإعاقة؛ التقدم بشكاوى للوزارة، أو اللجوء الى القضاء ضد الشركات التي ترفض تشغيلهم".
في هذا السياق؛ يقول مدير الإعلام والاتصال في وزارة العمل هيثم الخصاونة؛ إنه يوجد في الوزارة قسم لاستقبال الشكاوى من أي مواطن، إلا أنه لم يسبق وتقدم شخص من ذوي الإعاقة بشكوى ضد أي مؤسسة.
ويبرر ذلك بجهل المرفوضين من ذوي الإعاقة، بما يضمنه لهم القانون، داعيا أي فرد متضرر من سوء معاملة مؤسسة ما له بسبب إعاقته؛ أن يتقدم للوزارة حتى تتخذ الإجراءات تجاه المؤسسة المُسيئة.
ونفى الخصاونة وجود عقوبة تمارس ضد المؤسسة الرافضة لتشغيل شخص من ذوي الإعاقة، مرجعا ذلك إلى الفجوة الموجودة أصلاً في القانون الخاص بحقوق الأشخاص المعوقين.
الأمر الذي يؤكده بني علي؛ بحيثُ يبين أن القانون نصّ في نهاية المادة 4/ج/3، على عبارة "شريطة أن تسمح طبيعة العمل بذلك"، موضحاً "وَضعت هذه الجملة باباً واسعاً أمام أصحاب العمل للتهرب من التزامهم بالتشغيل، ما يقتضي؛ تعديل القانون والنص صراحة على التزام أصحاب العمل بتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة، كما يتوجب إعادة النظر بالنسبة للنصوص القانونية، بحيث تتناسب مع حجم كل مؤسسة على حدة، ومع طبيعة عملها".
ويبيّن أنّه من الحلول الإيجابية لحل هذه المشكلة؛ تشجيع أصحاب العمل على تشغيل ذوي الإعاقة بتقديم حزمة حوافز مالية، أو ضريبية، أو إعفاءات للمؤسسات الملتزمة بذلك.
حق الحصول على عمل
أما عمن يضمن حق هذه الفئة بالحصول على عمل؛ فيوضح بني علي أن وزارة العمل هي الجهة المعنية بذلك، استناداً على المادة 4 من قانون حقوق الأشخاص المعوقين، كما أنّها صاحبة الاختصاص بمتابعة سوق العمل، ووضع المفتشين لرصد أي تقصير، ولإلزام أصحاب العمل بتشغيل النسبة المقررة لذوي الإعاقة.
ويقول بني علي إن "هذه الخطوة مُفعّلة، لكنها ما تزال في بداياتها، وتحتاج لتكاتف جميع الأطراف حتى تنجح".
وبحسبه، فإنه وبالرغم من وجود المادة 12 في قانون حقوق الأشخاص المعوقين، والتي تفرض عقوبة غرامة مالية على الشركة التي لا تلتزم بتشغيل ذوي الإعاقة، إلا أنها غير مُفعّلة، مرجعاً ذلك إلى اضطراب النص القانوني نفسه، وغياب آلية تنفيذه، وعدم تضمين النص صراحةً للجهة التي يتوجب عليها تطبيق نص المادة.
ويبين أنّ المجلس الأعلى، ليس إلاّ جهة راسمة للسياسات، ولا يمتلك الصلاحيات القانونية للتفتيش على أصحاب العمل كما هو الحال عند المفتشين في الوزارة، والتي تخولهم ضبط المخالفات بحق أصحاب العمل المخالفين.
ويقترح في هذا السّياق على الوزارة؛ إضافة جزء خاص على استمارة التفتيش المعتمدة، يتعلق بمدى التزام الشركات بتنفيذ النسبة المقررة في قانون تشغيل ذوي الإعاقة.
ويبين الخصاونة مقدار الجهد الذي تبذله الوزارة لتوفير فرص عمل تتناسب وإعاقة كل شخص على حدة، بحيثُ يقول إنهم يواجهون صعوبة في توفير وظائف لبعض الإعاقات، بخاصة التي يكون سببها غياب جزء من الحواس.
ويعلق "هناك إعاقات من الصعب أن نوفر لها فرص عمل مناسبة، ومع ذلك؛ نسعى كي نؤمّن لها وظيفة تتناسب وظرف الإعاقة، لكن ذلك يحتاج الى وقت".
من جانبٍ آخر؛ أعرب الخصاونة عن فكرة تنوي الوزارة انتهاجها بالتعاون مع صندوق المعونة الوطنية، تضمن استمرار حصول الأفراد من ذوي الإعاقة على ما يتقاضونه من الصندوق حتى وإن حصلوا على عمل، وذلك لملاحظة الوزارة أن كثيراً من ذوي الإعاقة كانوا يمتنعون عن الالتحاق بوظيفة ما، خشية ضياع راتب المعونة الذي يُعد مهماً بالنسبة لهم ولأسرهم أحياناً.

نشر : 04/07/2012
* تجدون التقرير كذلك على الموقع الإلكتروني لصحيفة الغد: 
http://www.alghad.com/index.php/article/562274.html



No comments:

Post a Comment