Sunday 31 December 2017

أنيقة رغم ارتدائها للحجاب

قبل أيام قليلة، سمعت مجموعة فتيات غير محجبات، واعذروني على استخدامي أسلوب التصنيف في وصفي، لأن لي أسبابي التي ستصلكم من خلال قراءتكم للتدوينة، يصفن فتاة محجبة، دار بينهن هذا الحوار:
- شفتوا قديش حلوة ومرتّبة!
- غريب مع إنها محجبة!
- جد قليل ما تلاقي بنات محجبات بيهتموا بشكلهم!

اندهشت من دهشتهن، وتساءلت بيني وبين نفسي "هل حقاً يلغي الحجاب الأناقة؟!" تذكرت على الفور فترة دراستي الجامعية وما تبعها من تدريب ثم عمل، كثيراً ما كنت ومازلت أقابل فتيات غير محجبات معجبات بطريقة ارتدائي للحجاب، كُنّ يُطرين على كيفية وضعي لغطاء الرأس وعلى حُسن تنسيقي للونه مع باقي الملابس، كُن يخبرنني أنني أحبّب لهن شكل الفتاة المحجبة، والتي تظهر بالمعتاد بشكل متأخر وغير أنيق.

كان يسعدني كلامهن، ولكن، حين أعدت التفكير فيه بعد سماعي للحوار السابق، وجدته لا يخلو من القسوة والإقصاء رغم أنه يبدو لطيفا للوهلة الأولى، تماماً كمن يصف أحدهم بأنه رجل جيد ثم يتبع وصفه بـ "لكنه غير مسلم"، أو من يعجب بفتاة لكنه يتردد في خطبتها لأنها غير محجبة، على الرغم من أن الحجاب قناعة قد تظهر في أي وقت.

هل الأناقة والموضة حكر على فئة معينة من الفتيات؟
لم أكن أجد أن طريقتي في وضع الحجاب مميّزة أو مختلفة عن طريقة كثير من الفتيات المحجبات، ولكن وبطبيعة الحال، كانت تعكس لمستي الخاصة، تلك اللمسة التي تميّز كل شخص عن غيره، حتى لو صادف أن ارتدى شخصان الملابس نفسها، ستجد ولو فرقاً صغيراً بينهما، هذا الفرق هو الاختلاف الذي قد ينقل الشخص إلى قمة الأناقة أو العكس.

إذاً فالموضوع بأكمله يعتمد على الذائقة، فقد تقابل فتاة لا ترتدي الحجاب ولا تظهر بملابس ملائمة للمكان الذي تتواجد فيه ولكنها مقبولة اجتماعياً أكثر من تلك التي أحسنت اختيار الملابس ولكنها أضافت إليها غطاء الرأس الذي تؤمن به. قد يستهجن البعض حديثي أو يشكّ بأنه يحدث في مجتمع عربي، ولكن وللأسف، هذه حقيقة، فقد أفرزت مجتمعاتنا العربية الكثير من الفئات التي أصبحت تنفر من الفتاة المحجبة، لا لشيء سوى لمظهرها الذي يوحي بالرجعية والانغلاق، فلم يعُد الحجاب في نظر تلك الفئات عقيدة، بل عادة تخصّ النساء الكبيرات بالسن.

لهذه النظرة أسباب كثيرة، وعجيبة في بعض الأحيان، حيث أصبح من الطبيعي جداً أن تصادف فتاة، لن أصفها بأنها غير محجبة، وإنما غير محتشمة، والفرق واضح بين عدم الحجاب وعدم الحشمة، تسير مع والدتها التي لا تضع غطاء الرأس فحسب، وإنما الوجه كذلك. فأي تناقض هذا بين جيلين من منزل واحد؟! ولكن ومن وجهة نظري، فإن تلك النظرة، جاءت بالدرجة الأولى بسبب أحكامنا التي لم تعد مبنية على الجوهر وإنما على الظاهر، الظاهر البلاستيكي، التابع والملمّع.


فتيات يحملن الحجاب في قلوبهن ويخشين من إظهاره
أنا لا أتحدث عن فتيات مسلمات في بلاد أوروبية، بل هنا، في بلادنا العربية، حيث أصبح الخوف من الرفض أو التصنيف يجعل الفتيات، رغم إيمانهن بالحجاب، يتجنبن الاقتراب منه أو يخلعنه بعد سنوات من ارتدائه. في ما مضى، سمعت عن فتاة لطالما وقفت أمام المرآة، تجرّب مختلف لفّات الحجاب، وكلما تسوّقت اشترت غطاء رأس جديد، لكنها ورغم إيمانها به مترددة بأمر ارتدائه، فذلك قد يجعل من حولها يصنّفها بناءً على شكلها، الأمر الذي سيبعدها عن مجموعات لطالما أحبت الانتماء لها، مجموعات قد تتقبل الحجاب، ولكن بعد الزواج والإنجاب. ارتدته أخيراً لكنها وقبل أن تكتمل المباركات خلعته.


أحياناً أتفهّم أسباب بُعد بعض الفتيات عن الحجاب، أو خلع من يرتدينه له، فقد يكنّ لم يصلن إلى القناعة الكاملة به أو للراحة الداخلية التي من المفترض أن يوفّرها لمرتدياته، ولكنني في حالات كثيرة، أجد أن سبب نزع الفتيات لحجابهن أو ابتعادهن عنه يعود لطريقة تفكير كثير من الفتيات والشباب، الذين أصبحوا يربطون الحجاب بالتخلف وعدم التقدم المهني، ويظنّون أن غير المحجبات هنّ الجميلات والمستقلات والناجحات، وهذا سبب ساذج لأن الأمر يتعلّق بالفتاة نفسها وليس بالحجاب.


تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة:

No comments:

Post a Comment