Showing posts with label مُجَرَّدْ فُضُولْ. Show all posts
Showing posts with label مُجَرَّدْ فُضُولْ. Show all posts

Tuesday 20 September 2016

شرفة مطبخهم.. شرفتي

على شاطئ الهدوء ألقت بي الأقدار، وفي بحر الصمت غرقت، قاومت، تعاركت، فقدت بعضاً من حواسي، لكني لم أفقد رغبتي بالحياة.

أوصلني شغفي إلى مطبخهم، كان وصولي انتصاراً، فها أنا ناقصة الحواس أمتلك اليوم مملكة تتمنّاها الإناث.. أو إن صحّ التعبير، أمتلك وظيفة تنبع من المطبخ وتصبّ فيه، كم تخطّيت من أمواج لأصل إلى هذه الوظيفة، وكم أبحرت بعد ذلك في خيالي هرباً منها.. من هذه الوظيفة التي أصبحت تقضي على ما تبقّى بي من حواس وتدفن كل ما بداخلي من إحساس.

أصبحت أهرب من الفاجعة بالنوم، وعند استيقاظي ألجأ للرسم، فالرسم بالنسبة لي لغة أتقنها.. رسمت فتاة ببطن كبير، رسمت طفلاً صغيرا،ً ورسمت عائلة بلا أب.
في مطبخهم تعلّمت الكثير من أصناف الطهي، وتعاملت مع القليل من أصناف البشر، كنت أعدّ الكثير من الطعام، لا أعرف لمن! كان منزلهم خالياً إلا من أنفاسي وأنفاسهما، هذان الكهلان الوحيدان، هذان الوحيدان إلا من ذكرياتهما المعلّقة على جدران الفرح والشباب.

كان حضوري إليهما كسراً للروتين، فعلى الرغم من تفاجئهما كوني لا أتحدث ولا أسمع، إلا أنهما رحّبا بي، وقرّرا تعلّم لغة الإشارة من أجلي، وتعليمي لغة الومضات من أجلهما، وضعا في المطبخ أجراساً ضوئية بألوان مختلفة كي أتنبه على نداءاتهما الصادرة من غرفة النوم، وغرفة الجلوس، وباب المنزل، باب المنزل الذي لم أخرج منه منذ دخولي إلى عالمهم.. كانت شرفة مطبخهم، شرفتي، مخرجي من هذا العالم.

كانا ينامان في تمام الساعة الثامنة مساءً، وكنت أنام بعدهما بساعات.. كان الليل بغيابهما ممتعاً، أقضيه على شرفة مطبخهم، شرفتي التي أنام فيها، أحلم، أستيقظ وأسهر لأستحضر الذكريات أو لأقلّب نظري على كل ما يظهر لي من مشاهد.. ما أجمل السهر على هذه الشرفة.

كل ليلة، في تمام الساعة التاسعة، كنت على موعد مع شرفتي، أخرج إليها، أفتح بعضاً من نوافذها وأسند ذراعيّ على واحدة منها، ثم أسند رأسي على ذراعيّ وأمدّ بصري للأسفل.

رغم وقوفي الطويل على هذا الشكل، إلا أنني لم أكن أشعر بالتعب، فقد كان شغف اللقاء بأشخاص والتعرّف على حكاياتهم يملأ كل خلية في جسدي، أنا المشتاقة لبسمة ما، أو لمجرد نظرة.

التقيت بأطفال يلهون بحرية في الشوارع، وبعائلات تأكل ما لذّ وطاب على موائد حدائقها، رأيت أدخنة كثيرة تنبعث في السماء من أفواه الساهرين، وأعيناً مترقّبة تكتشف وجودي فيحرّك أصحابها أفواههم بكلمات لا أدركها.. كنت أشيح بنظري عنهم لأجد عشاقاً يحتمون بظلال الأشجار هرباً من الكبار، وسيارات فارهة يصفّ أصحابها بهدوء على أبواب منازلهم، وفي أكثر الأماكن إنارة كنت أجد يداً ممتدة للسماء ومجموعة أشخاص يبتسمون لها.. كنت أضع نفسي مكانهم وأطلق العنان لخيالي، لتعيدني إلى الواقع إشارات رجل من الأسفل.. أكره هذا الرجل، كان دائم التجسّس عليّ، ماذا تراه يريد؟

في ليلة صيف هادئة، لفتت نظري ومضات جرس المنزل، كانت عقارب الساعة تقترب من الواحدة صباحاً، تفاجأت.. حملني الفضول لأرى من الطارق.. كان ذاك الرجل الكريه، لم يكن كريه الحضور فحسب، بل الرائحة كذلك، هذا ما استنتجته بعد لحظات من فتح الباب، حاولت منعه، قاومت كثيراً.. لكنني فشلت.

لقد كان حارس المنزل الذي أعمل فيه، وكان لزاماً عليّ التعامل معه، فأنا وهو من نتشارك في تسيير الأعمال من الداخل والخارج.

مع مرور الليالي، بدأ الوقوف الطويل يرهقني، ولم أعد قادرة على الالتصاق بسور الشرفة ومدّ بصري للأسفل، فكتلة بيني وبينه بدأت تظهر.. أصبحت أهرب من الفاجعة بالنوم، وعند استيقاظي ألجأ للرسم، فالرسم بالنسبة لي لغة أتقنها.. رسمت فتاة ببطن كبير، رسمت طفلاً صغيرا،ً ورسمت عائلة بلا أب وكل ما يخطر في البال من رسومات ترمز للحمل.. كنت ألقي برسوماتي هذه من الشرفة، حيث يقف ذاك الرجل، لكنه لم يعد يلتفت لي ولا لشيء منّي.. أصبحت أمرّرها مع ورقة الطلبات اليومية التي أعطيه إياها عبر الباب، لكنه كان يكتفي بتمزيقها.. حاولت أن أخبره بالإشارات لكنه اتّخذ الدرج مهرباً له واختفى. الدرج، قد يكون مخرجي، سأزرعه نزولاً وصعوداً وبأقصى ما أملك من سرعة لعلّه يُثمر بتحريري..

محاولتي الأولى لم تنجح، سأحاول غداً، لكنني سأشرب خلال سهرتي على الشرفة إبريقاً من شراب القرفة، فقد سمعت أن أثره يجدي نفعاً في هكذا حالات، وسأواظب على ضرب ذنبي الذي لم أقترفه لعلّني أتطهّر منه الليلة.

هذه حكاية فتاة ضحّت بعمرها لتنتشل عائلتها من جيوب الفقر المليئة في بلادها، هذه حكاية اكتفت بذكر الوحدة التي تعاني منها العاملات والاستغلال.
استيقظت في الصباح الباكر ولا تزال هذه الكتلة تثقل قلبي قبل جسدي.. سأعيد ما فعلته البارحة، قبل الإفطار وقبل أن يستيقظ أحدهما ويلتفت إليّ.

مرّة، مرّتان، ثلاث، أربع، خمس، آه.. لم أعد أقوى على العد، صوت لهاثي أصبح عالياً، لكنني لن أستسلم.. أين وصلت بالعد؟ لا أذكر.. إذاً من جديد.. مرّة، مرّتان، ثلا.. ثلا.. آآآه.

يا له من صداع.. يا إلهي! رأسي ينزف ويبدو أنني أنزف من مكان آخر كذلك.. آآآه.. كلّي أتألّم.. هل سيشعر بي أحدهم؟ هل سيراني أحد السكان؟ لن أستجدي الأمل، سأكتفي بضمّ نفسي على عتبات الألم، فأنا مجرّد عاملة، لا صوت لها سوى الأنين.

- هذه ليست حكايتي، هذه حكاية فتاة ضحّت بعمرها لتنتشل عائلتها من جيوب الفقر المليئة في بلادها، هذه حكاية اكتفت بذكر الوحدة التي تعاني منها العاملات والاستغلال الذي قد يواجهنه دون التطرّق للعنف اللفظي والمعنوي الذي يمارس ضدهّن.. وما خفي كان أعظم.



*تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة:



Friday 6 July 2012

لَيْتَنِي أَسْتَطِيعْ…





من تدوينات مكتوب المرحوم - 2011

      جميلةٌ أنتِ بشعركِ الغجري، ساحرةٌ بعينيكِ الخجولتَين، جذّابةٌ بابتسامتكِ البريئة، ناعمةٌ بأسلوبكِ، حسّاسةٌ بمشاعركِ، لطيفةٌ بخُلُقكِ..
     تختصرين نساء الكون بنظرةٍ من عينيكِ اللَّوْزيَتَين، وكلمةٍ من شفتيكِ المُمْتلئتين، ولمسةٍ من يديكِ الدافئتين..
     أنتِ ملاكٌ يسيرُ في الكون، وأنا بشرٌ عاجزٌ عن الحراك.. أنتِ ماضٍ جميل، وأنا مستقبلٌ موقوف.. أنتِ سيدةُ الكون، وأنا لستُ إلا عاشقةٍ تسألُكِ الرحيل..

     لَمْ أركِ من قبل، لكنّ أمواجَ البحر رسمتكِ لي، وأخبرتني عن حبيبكِ الأوّل..
     أنتِ الآن بعيدةٌ عنه، فَلِمَ تواصِلين تعذيبَهُ؟! فُكّي أَسْرَه، دَعِيه يتحرر، دَعِيه يُحلّق، دَعِيه يصطدم بي.. تَكْتَفِينَ الآن بحبٍ محيطٍ بكِ، وهو بحاجةٍ لحُبٍ يُحيطُ به ويحتويه، اترُكيهِ إذاً! ابتَعِدي عنه، دَعِيه ينطلق..
     أنتِ الآن مُحَرّمَةٌ عليه، فَلِمَ تُلاحقهُ روحِك؟! لِمَ تتجاوزين الحدود معه؟! أليسَ حُبُّكُما حُبَّ طفولةٍ؟ إذاً، ما ذنبُ البراءةِ حتى تُدَنّس؟!

     أعرفُ أنّهُ يراني أدنى منكِ بدرجات، فأنتِ بانت لهُ ملامحك في عالم الواقع، حيث لا مجال للخداع، وأنا اقَتَحَمْتُ صَفْوَهُ في عالم الافتراض، حيث الصِدقُ يَتَخَبّطْ!
     أنتِ الحقيقةُ، وأنا الوَهم، أنتِ المشاعرُ الملمُوسة، وأنا الكلماتُ المكتوبة، أنتِ براءةُ الطفولة، وأنا حُلُم الشباب، أنتِ الصفاءُ والنّقاء، وأنا عكسهُما، أنتِ التردُّد، وأنا الاندفاع!
     أنتِ البعيدةُ القريبة، وأنا القريبةُ البعيدة..
    
     لكن يا قاتلتي؛ قد أكون غير ذلك، فأنا أمتلكُ جسداً على هذه الأرض، وقلباً ولساناً، وعينانِ وأذنان..
     أنا لستُ كلماتٍ مصفوفةٍ بإتقان، ولا صُوَرٍ مرسُومةٍ بريشةِ فنّان! أنا إنسانٌ لهُ إحساس، ولو من خلالِ جهاز!
     أنا أنثى بَنَت أحلامَها مع رجُلٍ أحسنَ اختيار المِفتاح..
     أنا حقيقةٌ لها وجود، لكنّه مستمرٌ بالإنكار!
     أنا عاشقةٌ تسألُكِ الرحمةَ بقلبٍ أرهَقَهُ البكاء، وآلَمَهُ الفِراق، وآرَقَهُ الجَفَاء..
     أنا امرأةٌ تسألُكِ التبخُّر من عالمٍ كادَ أن يكتمل..
    
     ارحلِي واطمَئنّي، فأنتِ الحب الأوّل، وما أنا إلاّ استراتيجيةٌ لمستقبلٍ مُريح..
     ارحلي وقلبُكِ مُرتاحٌ، فأنا سأُعَوّضُه بابتسامةٍ وقُبلة..
     ارحلي ولا تعودي، فرجلٌ آخر بانتظارك..

     هنا ثارت أمواجُ البحر، فأخرجت امرأةً كالملاك، بشعرٍ غجريٍ مُزَيّنٍ بالياسَمين، ووجهٍ دائريٍ مُنير.. فقال هذا الملاك: بالله عليكِ كيفَ أُنسيهِ حُبّي وأنا النّقاءُ الوحيدُ في حياتِه؟! كيف أغيبُ عن ذهنِهِ وأنا الحياءُ النّادرُ في ذاكرته؟! كيف أتَبَخّرُ من عالمِهِ وأنا من فَتَحتُ عَيْنَيْهِ وحَرّكتُ مشاعره؟!
     لا أُخفيكِ أنّي حاولتُ نَزْعَ روحِي منه، لكنّي فشلتُ! فمشاعرهُ كقراراتِه، غيرُ قابلةٍ للتّبديل!
     هو أخطأ بِحقّ نفسِهِ حين تمسّكَ بي، اعتقدَ ألاّ امرأةً تُساويني، ولو كُنْتُ كذلك، لما تركتُهُ من البداية!

     وأنتِ،، بحُكمِ سِنّي وتجارُبي؛ أنصحُكِ ألاّ تَرهِني حياتكِ لشخصٍ تَجَاهَلكِ، حتّى لو وجدتِ لهُ المُبَرّرات، حتّى لو كان
ملاكاً في عينَيكِ، حتى،، حتى لو كان داخلكِ ذرّةُ أملٍ..


     لَطَالما قُلتُ له: اِنْسَانِي يُبْدلكَ اللهُ خيراً منّي.. وها أنا أُعيدُ لكِ ما أقوله له..


حلم مشاكس!




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2011

ضجيجٌ حولها يشتتُ ذهنها!

منازل تتنقلُ بينها
تعرفُ هيكلَها وتجهلُ من يسكُنُها!
وجوهٌ مألوفةٌ، لكنها غريبةٌ عليها!
أطفالٌ يهتفون باسمها
ويخبرونَها أنهم لن ينسَوْها

عربةٌ في الخارج تنتظرها
ورجلٌ غريبٌ يَلثمُ جبينها!
ويسألُها التحليقَ مَعَهُ حيثُ يلتقي عالمه بعالمها
تركب العربة وتنظر للمدى مودعةً ذكرياتها

وبخاتَمٍ يأسرُ روحها
وبقبضتيه يمسك يديها
وبالقُبل ينهالُ عليهما

فتختلطُ الحقائقُ داخلَها!
حتى تفتحَ عينيها
وتُنهيَ حُلُماً شاكسَ منامَها!


مَلاكٌ أَنْتَ




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2011

      ملاكٌ بين الذئاب وسيبقى كذلك، هكذا كان انطباعها الأول عنه، انطباعٌ أضحكه كثيرا، وتنكر له أكثر، لكنّها بقيت مُصِرةً عليه. فمنذ أول لقاء معه؛ شدّها اختلافه، بأسلوبه، وبأفكاره، وبهدوئه الذي سحرها.


     لَم تتوقع أنّ حديثا بسيطا بينهما سيُفضي إلى مشروعٍ مقدسٍ يجمعهما، كما لَم تُصَدّق أنّ مبادرةً غير مدروسةٍ منه ستُعَلّقُ قلبها الهشّ بروحه التائهة، وما لَم يتبادر إلى ذهنها بعد ذلك؛ هو أن تلهث خلف رجلٍ أنكرها من أجلِ امرأةٍ لا تزالُ روحُها مُقَيّدةٌ له.

     نعم… لقد أنكرها بعد أن عقدَ الاتفاقات معها، أنكرها بعد أن أعلن سيطرتها التامّة، أنكرها بعد أن عادت حبيبةُ صِبَاهْ.

قالت له: أنت حبيبي… ألم يكن هذا اتفاقنا في البارحة؟!
قال لها: بل كان وهماً اعتقدناه…
سألته بحنان: أين حبُّكَ الذي أنمتني عليه الليلة الماضية؟
اعترف بقسوة: حبيبتي الأولى لا تزال تسيطر على كياني! لقد أردتكِ زوجةً لي، واعتقدتُ أنّكِ سَتُبيدي مُعَذّبَتي تلك من ذاكرتي.. لكنّي لا أزال أحبها، وسأبقى كذلك.
قالت له بذهول: لكنّكَ تقتلُ ربيعَ عُمرك من أجل امرأةٍ مملوكةٍ لغيرك!
قال لها بضيق: هذا أنا، وهذا نصيبي من هذه الحياة.

     عَبَراتُها انهمرت بعد كلماته تلك، حتى استحال ما حولها إلى ضباب لا روح تميزه.

     قررت الرحيل، واتخذت الكرهَ بديلاً عن الحب، فهو ليس إلا ذئباً كما الآخرين.

     لكنّ قلبها نفرَ من كرهه! أَيُعْقَل أن تَبغِضَ ملاكاً زرع داخلها الطمأنينةَ والأمان! ملاكاً أعادَ ثقتها بالرجال! وقبل ذلك ثقتها بروحها دائمة الانهزام! ملاكاً كانت آخر مطالبه التحليق واللامبالاة!

     على ما يبدو أنّهُ أرادَ أن يحررها من قيوده، وأن يبعدها.. لعلَّ الزمن يَهَبَهُ من هي أجدرُ بلقب الحبيبة.

     جرّت كعادتها روحها المنكسرة ورحلت، لكنّه بَقِيَ بعينيها ملاكاً كأوّل مرةٍ حدّثته بها، كيف لا وهو مشروعها المعلن أمام البشر!

     مَلاكِي؛ اتَفَقْنَا عَلَى الفِرَاقِ مُجْبَرَةً، فَتَبَخّرْ مِنْ عَالَمِي بِسَلامٍ مُقْتَنِعاً…