التبرع بالأعضاء: غياب الوعي المجتمعي يحول دون إنقاذ حياة آلاف المرضى

الغد - عمان- يحول غياب الوعي وضعفه بين المواطنين دون انتشار ثقافة التبرع بالأعضاء لإنقاذ حياة آلاف المرضى، وهي مشكلة كبيرة، رغم أن قوائم الموصين بالتبرع بأعضائهم بعد الوفاة في الأردن توحي بأن عددهم كبير كونها تضم زهاء 50 ألف اسم.
ويرى مختصون ومهتمون بأن تعديل التشريعات المعنية بالتبرع بالأعضاء وتطويرها يسد جزءاً من المشكلة.
تبرع إحدى العائلات بكلية ابنها، الذي توفاه الله للشاب علاء، أنقذه من الفشل الكلوي، وأعاد البسمة له ولعائلته. 
تقول الأربعينية أم علاء "أقدر جميل هذه العائلة التي تسامت على أحزانها، وقدرت حاجة المرضى الملحة لزراعة الأعضاء، جزاهم الله كل خير، ورحم ابنهم".
وتشير أم علاء إلى أن المرضى يواجهون ضعفا في إقبال الناس على التبرع بأعضاء أجسادهم، أو أعضاء ذويهم بعد الوفاة، ما يجعل المرضى بحاجة ماسّة لمتبرعين. 
وتدعو إلى الاقتداء بالنظام الأوروبي الذي يعتبر الشخص المتوفى متبرعا بأعضائه إن لم يطلب من الأطباء صراحة عدم التبرع بأعضائه. 
وتتساءل "لم لا يتغير نظام التبرع في الأردن، بحيث تصبح أعضاء المتوفين متاحة تلقائيا؟!". 
ويؤيد مستشار أمراض وزراعة الكلى، الدكتور محمد اللوزي الحاجة الماسة لـ "ثقافة مجتمعية تؤمن بضرورة التبرع بالأعضاء، وتساعد برسم الابتسامة على  وجوه المرضى، وتعيد إلى حياتهم الأمل، بل وتساهم على وجه الخصوص بالحد من التكاليف الباهظة لعمليات غسيل الكلى".
وتقدر كلفة عمليات غسيل الكلى، التي تؤمنها وزارة الصحة للمرضى في الأردن بنحو 34 مليون دينار سنويا، وتغطي ما يقارب ألفا مريض، يعانون فشلا كلوياً تاماً.
اللوزي يشير إلى أنّ وزارة الصحة على وشك إطلاق "تعليمات زراعة الأعضاء" بالتفصيل الفنّي، والقانوني، والشرعي، مستندة إلى "قانون زراعة الأعضاء والتبرع"، الذي سيصدر قريبا.
ويرى اللوزي أنه "سيساهم في حسم الخلافات الشائكة حول عملية التبرع، وبإيضاح بعض الغوامض، وبإزالة العثرات التي تحدّ من التقدم في هذا المجال". 
كما سيساعد القانون على زيادة عدد المتبرعين بكلاهم وأعضائهم في حالة الوفاة، وسيوجد التشريعات السهلة التي تسمح للمواطن بالتبرع بأعضائه في حالة وفاته.
نائب رئيس الجمعية الأردنية للتبرع بالأعضاء، أحمد شاكر يوضح أن التعديلات الجديدة على القانون ستجيز التبرع بالاعضاء بين أقارب الدرجة الثانية والثالثة، وبين أقارب النسب. 
ويشير شاكر لـ "الغد" الى ان عدد الموصين بالتبرع بأعضائهم؛ وصل حتى الآن إلى خمسين ألف شخص في الأردن.
ويؤكد أنه لا يوجد أي إلزام قانوني على ذوي الموصي بالتبرع باعضاء متوفاهم، في حال رفضوا الالتزام بالوصية، لكن من المفترض احترام رغبة الموصي والتبرع بأعضائه. 
وتبين عضو جمعية أصدقاء بنك العيون لبنى سحويل أن "عدد الموصين للتبرع بقرنياتهم فاق حتى الآن 14 ألف موص". 
تقول سحويل إن "معدل القرنيات المتبرع بها سنويا في الأردن يصل إلى 1417 قرنية من كافة المستشفيات الحكومية في المملكة".
وتعد ثقافة التبرع بالأعضاء لإنقاذ المرضى ضعيفة في المجتمع الأردني رغم ان قضية التبرع والحث عليها حسمتها الشريعة الإسلامية والديانة المسيحية، وأهل الاختصاص في الطب.
ويؤكد علماء مسلمون أن التبرع بالأعضاء يعد "صدقة جارية". 
كما يعد التبرع بالأعضاء جائزا للحي كما للميت، لكن إن كان المنقول منه حيا؛ فيشترط ألاّ يقع النقل على عضو أساسي للحياة، حتى إن كان ذلك بموافقة المتبرع، كما لا يجوز التبرع مقابل بدل مالي.
وطبيا، فإن العلماء والاطباء يؤكدون على أن علاج بعض الإمراض، كأمراض الفشل العضوي النّهائي، سواء أكان قلبا، أو كبدا، أو رئة، أو حتى كلى، لا يتم جذريا الا  بزراعة عضو آخر سليم.
ويلفت الدكتور اللوزي الى ان المرأة في الأردن أكثر تضحية من الرجل في موضوع التبرع بالأعضاء.
وقال "إنّ المرأة صاحبة الفضل الأكبر بوهب أعضائها للمحتاج من ذويها"، موضحا أن 85% من المتبرعين بالكلى على مرّ السنوات في المملكة هن من النساء، الأمهات والأخوات.
ورغم تقديره لهؤلاء النسوة المضحيات، لفت اللوزي الى ضرورة الانتباه إلى أنه قابل في كثير من حالات التبرع "فتيات مجبرات من قبل ذويهن على وهب عضو منهن لإنقاذ حياة شاب من العائلة، وهذا أمرٌ لا يجوز إنسانيا، ولا دينيا".
وأشار إلى أن العائلات تلجأ لذلك حفاظا على حياة الذكور، التي تعد في نظرهم أغلى من حياة الإناث.
ويقول اللوزي؛ إنّ "حالات التبرع التي تتم إلى الآن؛ هي بين الأقارب، أمّا أن يتم التبرع لغريب، فهذه الثقافة التي ما يزال المجتمع يرفضها".
وحول الوفاة الدماغية، يقول اللوزي؛ "لا بدّ من التمييز بين نوعين من الموت الدماغي؛ الأوّل موت جذع الدماغ، والذي يعني موت الدماغ بما فيه المراكز الحيويّة الهامة جدا، والواقعة في جذع الدماغ، والتي إن ماتت، فإنّ الإنسان يعتبر ميتا، بالرغم من استمرار نبض القلب، وتدفق الدم في الشرايين والأوردة. 
أمّا الثاني، فهو موت قشرة الدماغ، والذي لا يعدّ موتا، ففي هذه الحالة يكون المريض في غيبوبة، لكنه يستطيع التنفس التلقائي، مع عدم المقدرة على التصرفات العاقلة والإرادية، التي تميزه كإنسان".
وعلى هذا فإنّ الشّرع أجاز نقل عضو أو جزء منه، من إنسان ميت دماغيا "موت جذع الدماغ" إلى آخر، إن كان مضطرا إلى ذلك، وإن أمنت الفتنة في نزعه ممّن أُخذ منه، وإن غلُب على الظن نجاح زرعه لمن سيزرع فيه.
ويشير أطباء ومهتمون إلى أن الكثير من الناس لا يثقون بأن موت الدماغ يعني الموت، وانه يمكن اللجوء حينها إلى التبرع بأعضاء المتوفى لمن يحتاجها.
كما ترتبط بقضية التبرع بالأعضاء قضية المتاجرة بالأعضاء وبيعها، وهي قضية يجرمها القانون الأردني، ما يدفع العديدين الى اللجوء الى الخارج لبيع الاعضاء، تحديدا الكلى مقابل مبالغ مالية.
يقول احد المصابين بالفشل الكلوي انه "لم يستوعب المجتمع ثقافة التبرع بالاعضاء بشكلها الصحيح، فسيبقى في الأردن من يدفع المال مقابل عضو، ومن يبع عضوا من اعضائه مقابل المال". 
ولا يخفي هذه الشخص، الذي يتحفظ على نشر اسمه، انه يفكر احيانا بالبحث عمن يتبرع له بكليته مقابل مبلغ مالي يدفعه له، "لاتخلص من عذاب الغسيل اليومي وتراجع صحتي".

نشر : 03/10/2011


* تجدون التقرير كذلك على الموقع الإلكتروني لصحيفة الغد: 



No comments:

Post a Comment