Friday 6 July 2012

سـيـدة ظـلـمـت مـرتـيـن





من تدوينات مكتوب المرحوم - 2010

     عندما شاركت بحملة تطوعية لزيارة مرضى السرطان وذويهم في الأردن، تخيلت بأنني سأزور أشخاصا قتلتهم الهموم والأوجاع، أشخاصا غير قادرين على مواجهة من حولهم.
      ولكن في زيارتنا لأم حمزة وعائلتها في إربد، وجدت امرأة صلبة كالحديد، في وجهها نور نادر وكأنه نور الإيمان، وفي عينيها الشهلاوتين بريق يوحي بالأمل، ولكن من يتأملهما بعمق، يجد الحزن والأسى على عمر رحل وهو يصارع من أجل البقاء، والحذر من التفاؤل بشدة من مستقبل غامض حتى لا يكون الإحباط أشد، فقد أحبطت مرات عدة.
      أم حمزة سيدة في الأربعينيات، اكتشفت إصابتها بالورم الخبيث في الثدي منذ عشرة أعوام، حينها تقبلت الأمر وكأنه انفلونزا، كان همها الوحيد أطفالها، ماذا سيفعلون من بعد رحيلها. ولكن أطفالها تقبلوا الأمر كذلك، بل زادت حنيتهم على والدتهم، وأصبحوا هم أطبائها وممرضيها. أما زوجها أبو حمزة، فقد وهب حياته لتلك السيدة العظيمة، حتى أن ذلك طغى على اجتماعيته.
      بدأت أم حمزة رحلة العلاج في حين اكتشافها للإصابة، واستمرت هذه الرحلة أربعة أعوام، بإحدى المستشفيات الحكومية في عمان، ثم قيل لها بأنها شفيت تماما بعد أن استؤصلت الخلايا السرطانية بالكامل.
      ولكن وبعد عام من خبر شفائها، شعرت بألم غريب في قدميها، ثم علمت بأن الخلايا السرطانية لم تستأصل بالكامل، وأنها انتشرت إلى أن وصلت إلى الكبد والعظام. يرى زوجها بأن ما حدث هنا كان نتيجة خطأ طبي.
      ثم دخلت أم حمزة في رحلة علاج جديدة، على أمل ألا تتكرر أخطاء الماضي، كانت هذه الرحلة في مركز مختص بهذا المرض، والمركز وكما تقول أم حمزة ممتاز بل وأكثر، ولكن الغريب أنها بهذا المركز علمت مؤخرا بأن الخلايا السرطانية انتقلت إلى الدماغ وتغلغلت به، هنا يحمل أبو حمزة ما حصل على الأطباء، فيقول بأنه لو كان هناك متابعة طبية ممتازة لاكتشفت تلك الخلايا في بدايات انتقالها، ليس الآن بعد أن فقدت أم حمزة كل أمل بالشفاء.
      هذه هي أم حمزة السيدة التي ظلمت مرتين في رحلتي علاج كما يقول زوجها، ويقول بأنها عظيمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلم يشعر يوما بضعفها، كانت دائما تقويه، كما أنها كانت تلتقي أمثالها من المصابين وتحثهم على الصبر، وقهر ذلك المرض الخبيث بقوة الإيمان.
      أم حمزة ليست حزينة على ما ابتليت به، فقد استطاعت أن تحافظ على قوتها، وأن تورث تلك القوة لأبنائها وزوجها، ولكنها تحزن على الأطفال المصابين الذين تفتحت أعينهم البريئة على حياة كلها أسى.  
      حين سألنا أم حمزة عن شيء ترغب بحصوله في المستقبل، أجابنا زوجها أبو حمزة، لو يوجد أكثر من فرع لمركز السرطان في المملكة، فنحن كمقيمين بإربد، كنا ولا زلنا نعاني من طول المسافة من مكان إقامتنا إلى عمان، وهذه المسافة كانت تقطع في كثير من الأحيان بشكل يومي، وكنت في بعض الأيام اضطر إلى المبيت في عمان، وأنا لا أعرف أحدا هناك.
     إذا لم لا يكون هناك أكثر من فرع للمركز في مدن المملكة المختلفة، أو على الأقل لم لا يتم التعاون بين المركز وبعض المستشفيات في المدن البعيدة عن عمان.
     وقال أبو حمزة أيضا بأنه يتمنى أن يقاضي كل من أخطأ بحق زوجته في العلاج، فهو الآن يفقدها.
     ولكن وفي حال انتهائه من تلك العبارة، نظرت إليه أم حمزة وكأنها تعاتبه على ما قال، فهي بالفعل سيدة عظيمة، إنها ومع التهاون الذي حصل لها في علاجها، إلا أنها لا تنظر إلى من عالجها ووقف بجانبها في محنتها إلا نظرة احترام وتقدير.

No comments:

Post a Comment