Friday 6 July 2012

من أجل هؤلاء المعذبين




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2010

     سقوط على مؤخرة الرأس، ينجم عنه انكسار بالجمجمة، ينقل المصاب إلى المشفى للنظر بحالته، هناكـ؛ يكتفون بغرزه مكان الجرح، دون النظر فيما وراء هذا النزيف!
     بعد ستة أشهر؛ يكتشف أهل المصاب أن هنالك عظما على دماغ ابنهم، وأنه كان لابد من رفع هذا العظم خلال ثمان وأربعين ساعة من وقوع الحادث!
     هكذا أصيب جعفر بإعاقة عقلية، وهو في الثالثة من عمره. إعاقة لم يستسلم لها ذووه، حيث استمروا برحلة علاج معه لمدة سبع سنوات، إلى أن اصطدموا بصخرة الواقع، وهي ألا أمل من شفائه.
     في تلكـ الفترة؛ لم يكن هنالكـ مراكز كثيرة لذوي الإعاقة، والمراكز التي كانت؛ لم تكن تقبل جعفر إلا لفترات قصيرة، وهذا بسبب نشاطه الزائد، وعدم انضباطه في قضاء معظم حاجاته الأساسية.
     وفي المنزل كان يؤثر وجوده الدائم على تربية اخوته، فقد "حول المنزل إلى مسرح من الفوضى"!
     من هنا قرر أبو جعفر إنشاء مركز للتربية الخاصة، حتى يخدم ابنه وأمثاله من المعذبين.
     وفي تاريخ 5/ 11/ 1980؛ قدم أبو جعفر طلبا إلى وزارة التنمية، لإنشاء المركز، ولكن طلبه قوبل بالاستغراب والاستنكار، حيث كان يريد أن ينشئ مركزا داخليا؛ ولكن هذا الأمر كان مستهجنا في تلكـ الفترة. حيث كان هنالكـ معارضة لفكرة عزل المعاق عن ذويه، "كانوا يعارضون؛ دون أن يفكروا قليلا بأن هؤلاء المعاقين قد يدمرون أسرهم في أحيان كثيرة"!
     استمرت زيارات أبو جعفر إلى الوزارة اثني عشر شهرا، وكان بكل زيارة له يعود بكثير من اليأس إلى المنزل، ولكن رؤيته ابنه، كانت تعيد إلى نفسه النشاط من جديد، فيعود ويطالب بما يريد.
     وفي تاريخ 24/ 11/ 1981؛ حصل أبو جعفر على ترخيص من وزارة التنمية للمباشرة في العمل، وكان ذلكـ بعد لقاء له مع سمو الأميرة بسمة، وكانت انطلاقته من ناعور، لأنه لم يجد في عمان من يؤجره منزلا "للمجانين"! بحسب اعتقاد الناس بتلك الفترة.
     بعد ذلكـ بدأت الوزارة تضغط على أبي جعفر كي يعين مديرا مؤهلا في التربية الخاصة، فقد كان أبو جعفر هو من يدير المؤسسة، وهو محام.
     وهكذا، تقدم أبو جعفر إلى الجامعة الأردنية طالبا دراسة التربية الخاصة، وفي عام 1988؛ حصل على درجة الماجستير في التربية الخاصة.
     وخلال دراسته للماجستير؛ أعد وقدم رسالة بعنوان، التعليم والتشريعات الخاصة بالمعاقين، وشكلت هذه الدراسة نواة لمشروع قانون رعاية المعاقين، الذي أقر كقانون دائم في شهر آذار من عام 1993، وقد عرف القانون المعاق، وركز على الجوانب التعليمية والتربوية، وعلى حق المعاق في العمل، وكذلك على حقه في المشاركة بصنع القرار. وقد حصل الأردن بعد هذا القانون على جائزة (روزفلت) للتميز في قضايا المعاقين.
     في عام 1983؛ انتقل مقر مؤسسة جعفر للتربية الخاصة إلى عمان الغربية، وتختص هذه المؤسسة بالإعاقة العقلية، ومما تقدمه من خدمات؛ التدريب على العناية الداخلية، والاستقلال الذاتي، وتعديل السلوكـ، وذلكـ كله ضمن خطط تربوية فردية تتناسب مع قدرات الطالب المعاق وحاجاته.
     حين طلبنا من أبي جعفر أن يصف لنا حالة ابنه بالتحديد، قال لنا: "جعفر، هو خليط من التوحد والإعاقة العقلية"، فما أصابه بدماغه؛ سبب له الإعاقة العقلية، وما يلاحظ عليه من تقوقعه في عالمه الخاص، يدل على التوحد.
     وحين سألنا أبا جعفر عما سيفعله فيما لو وضع بيده مليون دينار من أجل المؤسسة، أجابنا: سأصمم مركزا يستوعب على الأقل ألف طالب، وسيحوي هذا المركز قسما طبيا خاصا بالمعاقين، وبالأخص عيادة أسنان لهم، فليس كل طبيب قادرا على معالجة هذه الفئة من الناس، وسأعمل على إيجاد قسم للتأهيل المهني.
     هذا هو أبو جعفر، وذلكـ مخططه لتطوير مؤسسته التي فتحت من أجل ابنه جعفر وأمثاله من المعذبين.

No comments:

Post a Comment