Saturday 7 July 2012

كَسَحَابَةٍ مُمْتَلِئَةٍ




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2011

      في سماء الكون وُجِدت سحابةٌ تحوم، باحثةً عن أرضٍ تسقيها من خيرها. استمرت رحلة بحثها أسابيعَ لم تجد خلالها الأرض المناسبة، كانت كلّ مرة تعثر فيها على أرض؛ تتفحصها، فتكتشف أنها لن تحقق أهدافها.

     يوماً تجد أرضاً مثمرةً مكتظةً بألوان الحياة، لا تطلب سوى سُحب بسيطةٍ بعطاياها، خفيفةٍ بتواجدها، ويوماً تجد أرضاً مزهرةً جميلةً كصبيةٍ بربيع عمرها، تحتاج لرذاذ من الخير بين فترات متباعدة، ويوماً تجد أرضاً دائمة الهيجان، بحاجة لسُحبٍ عظيمةٍ تُهَدئ ثورتها، وتحافظ على المتبقي من كنوزها.

     لَم تيأس السحابة، كانت واثقةً من أنها ستجد الأرض المناسبة لمكنوناتها، طلبت من الهواء أن يدفعَ بها بعيداً علّها تجدُ ضالّتَها.

     وصلت إلى أرضٍ مُضطربةٍ، ممتلكاتُها مُدَمّرةٌ، فسألت عمّا أحالها إلى ما هي عليه، فعلِمت أنّ سُحُباً أخطأت التخطيط فأصابتها بفيضانٍ عنيف. فابتعدت حزينةً تُحَركها جزيئات الهواء، حتى وصلت إلى أرضٍ بحرُها حزين، وزرعُها يصارعُ من أجل البقاء، فسألت عن حكاية هذه الأرض، فأخبرتها حمامةٌ عازمةٌ على الهجرة، أنّ أنشطةً بشريةً تفاعلَ نِتاجُها في الجوّ مكوناً أحماضاً ضارّةً اتخذت قطرات المطر مخبأً لها، ثمّ البحيرات والأشجار والتربة فريسةً لسمومها.

     صَعُبَ على هذه السحابة البقاء في أجواءٍ كهذه، فهي وحدها عاجزةٌ عن مساعدة هذه الأرض، وحولها السماء فارغة من أي سحابةٍ قد تتعاون. نَقَلَها الهواءُ إلى أرضٍ خاليةٍ من مظاهرِ الحياة، تُحيطُ بها سُحُبٌ بحاجةٍ لِمن يُوَجِّهها، غمرتها السّعادة، وأخيراً سَتُفَرّغ ما بداخلها على هذه الأرض، وتُراقب بعد ذلك أثر فعلتها، لكنّها صُدِمَت بالفرق الهائل بين حجم الأرض وحجم ما تَقدرُ على منحه.

     اقترحت عليها سحابةٌ كانت تراقبها بهدوء، أن تتّحد معها ومع صديقاتها، علّهُنّ يزرَعْنَ الأرض بخيرهن،  وسُرعان ما التحفت السحبُ السّماء، وانهالت بمكنوناتها على الإنسان المنهك، والحيوان الظمئ، والنبات الحزين.

     أقلامُنا تتشابهُ إلى حدٍ كبيرٍ مع السُحُب، لكنّها تتميزُ عنها بأمرٍ عظيم، ألا وهو استطاعتُنا السيطرة عليها. لكنّ بعضنا يفقِدُ السيطرة أحياناً، أو ينسى مدى ملاءمة ما يَضُخُّهُ قَلَمُه مع مستوى وعي المجتمع.

     هنالك كتاباتٌ كالأمطار الربيعيّة، تُعيدُ الحياة لما حولها، لكنّها بحاجة لاستمرارية، مصدرُها أقلامٌ وَعَت حاجةَ مُجتَمعِها، وهنالك كتاباتٌ تماماً كالأمطار الحمضية، سامّةٌ لما حولها، قاضيةٌ لمن يتبنّاها، مَصدرُها أقلامٌ مأجورةٌ مُلَوّثةٌ. ويوجدُ كتابات بحاجةٍ لجيلٍ أو أكثر حتّى ينبُت أثرها، كبعض الأشجار، مصدرها أقلامٌ سبقت زمنها بفكرٍ راقٍ لَم يعيهِ المجتمع، فَنَبَذَهَا، لكنّ المستقبل سَيُعيدُ ذكراها وسَيَسيرُ على خُطَاها.

No comments:

Post a Comment