Friday 6 July 2012

مخلوق لا يرتوي..!





من تدوينات مكتوب المرحوم - 2010


      استمر في ذاك العالم الغريب، يراسلها، ويحدثها، وأخيرا يهجرها! ثم يعود فيراسلها، ويحدثها، فيهجرها! هذا حاله معها ومع أخريات لا معدودات.


     يا له من محتال! يتلاعب بالكلمات فيوقع جميلات عظيمات وغير عظيمات بشباكه السحرية، يوهمهن فيعلقهن ثم ينفض يديه ويسحب بساطه، أو إن صح التعبير؛ أنه يترك نصف الباب مفتوحا، فتجهل الواحدة منهن إن كانت مع رجل أم مع سراب!

     يتواصل معهن من خلف حواجز لا معدودة، فيشعر بالأمان ويحلق مع ضحياته حتى يرضي غروره، ثم يقذف بهن إلى الهاوية.

     إن فقد تلك الحواجز؛ فقد سحره، فقد قدرته على العطاء، فقلبه معاق، ولسانه مربوط، ويديه متشابكتين تصوران رجلا منغلقا كارها! إنه عاجز عن الحب بلا حواجزه التي يختبئ خلفها!

     وهي، وهي عاجزة عن مفارقة هواه، مع علمها بكل ما يحويه من خداع! فهي كغالبية نساء الكون، لا يستهويها سوى فئة الذئاب من الرجال! وما أكبرها من فئة!

     استمر تواصلها معه أشهرا، حلقت فيها أياما، وهامت على وجهها أسابيعا!

     كان تواصلهما ينقطع حينا، وكانت هي على الدوام المبادرة بالعودة! كانت تراه العالم بأسره، إلا أنها تجهل ماذا يراها! كانت تبثه مشاعرها المجنونة بلهفة طفلة تنشد لوالديها، لكنها لا تذكر أنها سمعت منه نشيدا ما! كانت تتأمل عينيه وتبحر بعالمه المليء بالغموض حتى تتوه، لكنها لم تشعر به يوما وهو تائه بعالمها!

     أحبته.. بل تُيّمَت به، لم تعد ترى سواه، ولم تعد تصدق غير أكاذيبه! لم تكن تنظر إليه كباقي الرجال، فهو كامل الأوصاف بلا شك، كانت تشبهه بالمُنَزلين، ولم تكن تعي أن عرش الرحمن كان يهتز من تشبيهها ذاك!

     بقيت هائمة به حتى اصطدمت بصخرة قاسية كروحه التي برعت التمثيل، اصطدمت فاستيقظت على مراحل من حلم جميل آلمَ يقظتها.

     ابتعدت وجرحٌ داخلها لن يلتئم، فهي لا تزال طفلة طاهرة في الحب، ولسوء حظها أنّ الأقدار رمتها بين يدي رجل إدمانه الوحيد المرأة، المرأة بكل أشكالها وألوانها.

     أمضت أسابيعها في بعدها عنه كأنها أشهر، تألمت كثيرا، وأخيرا بدأت تتخلص من إدمانها ذاك.

     إلاّ أنّ ذلك الوغد عاد إليها بقوة كحيوان جائع، وهي استقبلته كطفلة ساذجة لم تعتبر من قصص والدتها! استقبلته كما لم تستقبل أنثى رجلا، وأدمنته حدّ الموت، خدّرها حُبه، فلم تعد تعي أفعالها!

     لكنه ابتعد عنها من جديد! ابتعد بروحه وأبقى ما يدلّ عليه، اشتاقته بشدة، وسألت عنه بكثرة، وصلتها عنه أخبارٌ مؤلمة لأي عاشقة هائمة، لكنها مع ذلك بقيت تشتاقه، وبقيت تنتظر وصله!

     حتى حصلت أخيرا على عنوان له، فأرسلت له تلك المتيمة تسأله عن كيفية إيقافها لعبراتها المتساقطة باستمرار من بعد رحيله، فأجابها وكأنه جُرّد من قلبه: ربما حين تنسيني أو تكرهيني، فأصبح عندك كحارس عمارة لا تربطك به أي رابطة.

     حينها انهمرت عبراتها كشلال، وتمنت لو أنه أجابها بغير هذه الإجابة، لو أنه وصف لها كيف تنساه، لو أنه أخبرها أنه لن يتركها إلا بعد أن يشفيها من مرضها الذي هو سببه، لو أنه أظهر تعاطفه مع قلبها المبتدئ، لو أنه أخبرها أي شيء غير ما أخبرها به.. فقط كي لا يصبح عندها كباقي الرجال الذين كرهتهم باستمرار.

No comments:

Post a Comment