Saturday 7 July 2012

يا ليتهم يدركون




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2011

      اللّيلة طلبت مني والدتي النوم مبكراً، فلبيتُ طلبها رغبةً برضاها الذي أُنشده!

     مع والدتي تتعدد أشكال التوبيخ والسبب واحد، إنه السهر ليلاً! تحاولُ بلا مللٍ إزالة هذه العادة الملازمة لي منذ الصغر، لكن؛ كما هي لا تمل المحاولة، فأنا كذلك لا أمل الرفض.
     ليس عناداً، ولا عشقاً، ولا انطواءً عمّن حولي، كما يحلو لها الوصف! لكنّي أهوى الليل بكل ما فيه من سكونٍ وصفاء، وهيبةٍ وإجلال..

     ينام من حولي وأنا لا أزال بأوج يقظتي، أنهي الأعمال المتراكمة علي بنشاط، ثمّ أُرَفه عن نفسي بالولوج إلى أحد العالمين؛ إمّا الورقي أو الإلكتروني.. وأخيراً أتأمل الكون وما يضمه من عجائب! ثمّ أعود إلى ورقي فأغفو عليه.
     تستيقظ فجأةً والدتي، فتتنبه عليّ وأنا مستغرقة بأحد الأنشطة، فترمقني بنظرة متوعدة، أو تسمعني كلمات متكررة، وأحيانا تكون لطيفة، فتطلب مني برقة ألاّ أطيل السهر، فأومئ لها بالإيجاب وعينيّ تتأمل جمالها الأخّاذ! لكن نيّتي تكون الإطالة في السهر.

     إلاّ أنّي قرّرت الليلة الامتثال لرغبتها، فودّعتُ غرفة المعيشة، وصديقتي النافذة، وممتلكاتي المتناثرة، وتوجّهت إلى غرفتي المتشبعة بأنفاس أختي التي سبقتني إلى النوم بساعات.
     نفّذت طلب والدتي ويا ليتني لم أفعل! فمحاولة النوم باءت بالفشل، بسبب أصواتٍ تسلّلت إليّ من نافذة الغرفة، فأرهقت قلبي مفرط الإحساس!
     توجّهت إلى النافذة، فتحتها ومددتُ رأسي، سمعت رجلا يصرخ، وامرأة تئنُ حيناً وتنادي أولادها حيناً آخر، ورضيع بكاؤه يملأ الكون! هذه الأصوات تصعد لي من الأسفل؛ إنّهم المستأجرون الجدد! رجلٌ وزوجته وطفلان كالقمر. ثلاثةٌ أسمعهم الآن، وواحدٌ مجهولةٌ حالته!

     داعبني الهواء بقسوة، فتركته عائدةً إلى سريري، لكن ضجيج الجيران طيّر النوم من عيوني!
     عدتُ إلى النّافذة؛ الزوجةُ لا تزال تنادي أولادها بصوتٍ متألمٍ مُصِرّ، والزوج لا يزال على صراخه، والرضيع مستمرٌ بالبكاء، والفضول يقتلني لمعرفة حال الطفل الثاني!

     صوت حركةٍ، وكأنّ الزوجان يجريان خلف بعضهما، والأبواب تُطرق بقوّة، والرضيعُ يبحث عن منجدٍ يجيب نداءه!
     ماذا يحدث أسفلي؟! وماذا عساني أفعل؟! أأنام؟ أم أعود لسهري؟ أم أستدعي من ينقذ الزوجة والطفلين؟! لا! لا شأن لي! لكن ضميري يؤلمني، وعيناي تدمعان..
    
     صوت الزوج الوحشي، وحركاته العنيفة، جعلاني أشعر أنّ مصيبةً ستَحُلّ! لم أتمالك نفسي، توجّهت إلى سريري وأجهشتُ بالبكاء، تمنيتُ لو يستيقظ عليّ أحدٌ ويشاركني خوفي، لكن الجميع نِيام، وأنا الشاهد الوحيد على الجريمة التي قد تُرتكب في الأسفل!
     كم هي فكرةٌ مرعبة أن يصابَ أحدٌ ممن أسفلي بمكروهٍ ما! حينها لن أسامح نفسي على الإطلاق..
  
     في هذه الأثناء سمعتُ صوت سيارة إسعاف، انزرعتُ أمام النافذة، وراقبتُ عن كثب، رأيتُ رجلان يدخلان بيدهما سرير نقلٍ للمصابين، ويخرجان والزوجة ممددةٌ عليه، ورجل يلحقهما فيخرج وبين يديه رضيع لا يزال يبكي، يتبعه طفلٌ في الخامسة من عمره بثيابٍ ممزقة! انتظرتُ خروج الزوج، لكن السيارة انطلقت والزوج لم يظهر!
     عدتُ إلى سريري والمشهد الأخير لا يفارقني، والريبةُ باختفاء الزوج تؤرقني!
   
     اقتحمتْ ذاكرتي رسالةٌ وصلتني من أحد قرّائي قبل فترة، يستهجنُ فيها تحاملي على الرجل في كتاباتي، ويدّعي أنّي أظلم الرجال وأبالغ بالصفات التي أنسبها لهم! وينهي رسالته بتنبيهي إلى أنّ الرجل هو أبي، وأخي، وزوجي، وابني.
     نعم؛ لي أبٌ حنونٌ أشتاقُهُ كلّ يومٍ أكثر، وأخّان أفخرُ بهما، وأعرفُ رجالاً تُرفع لهم القُبّعات تقديراً واحتراماً.
     لكنّي للأسف أقرأ، وأسمع، وأشاهد أضعافاً مضاعفةً من ذكورٍ أقرب إلى الوحوش بتصرفاتهم!
     سيتساءلُ أحدكم بعجب؛ وهل النساء ملائكةُ الله على الأرض؟! سأجيب؛ بل هُنّ مخلوقات ضعيفة بحاجة لرعايةٍ خاصّة، يجهلها غالبيتكم!

     يا ليتكم لو تدركون أيّها الذكور؛ أنّ للرجولة عليكم حق…


No comments:

Post a Comment