Friday 6 July 2012

إلى بحر النسيان




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2010

• أرسل لها يسأل: كيف تُمضين الليل أيتها الجميلة؟ وما شعورك لو رافقتك خلاله؟
• أجابته: أُمضيه بلهفةٍ وشوق، وكم تمنيت وجودك جانبي، أمّا عن شعوري حينها؛ ربما سأكون كفراشةٍ مُحلّقة، أو كغيمةٍ ستُمطر.. بالمناسبة؛ قلبي يخبرني أن اسمك منقوشٌ عليه.
• أرسل لها: كم سمعت، وقرأت، وأحسست بكلمات حبٍ وإعجاب، إلاّ أنّ كلماتك تقطرُ صدقاً، ولذّةً، ونقاءً.
• أرسلت له بلهفة: أخبرني بصراحة عن حقيقة مشاعرك تجاهي..
• أجابها: ها أنا أرتاح بالحديث إليكِ، وأُفَضّلُ الجلوسَ معكِ.. الجمالُ في طيبتكِ تمثّل، والأنوثةُ في براءتكِ برزت.

الطّيبةُ والبراءة؛ صفتان ممتعتان للرجل، مدمرتان للمرأة، يستغلهما الرجل لإرضاء غروره، وتدفع ثمنهما غالياً المرأة التي استمعت بصدقٍ لمشاعرها!

وهذا حالُ جميلتنا والوحش الذي يحوم حولها، سَحَرَها بلغة الشعراء، وبأخلاق العظماء، لكنّ لغته وأخلاقه ليسا إلاّ طعماً يستخدمه لاصطياد ضحياته من النساء!

• أرسل لها يوما: أغمضي عينيكِ وفكرّي بأمنية، ثمّ أخبريني بها..
• ردّت عليه: غنّي، أُحبُكَ أن تُغَنّي..

أضاءَ ما بينَ يَدَيْها، داعبَ راحتَيْها بحركته، وأخيراً نَطَقَ بموسيقى خاصّة للحبيب، أجابته..

• قال لها: سَأُغَنّي بالرغم من أنّي طمِعتُ منكِ بأُمنيةٍ غير هذه!
• فسألته: وما الذي أردتَهُ منّي يا حبيبي؟
• أجابها: لَمْ أُرِد! وإنّما حُبّكِ لي يوجِبُ عليكِ أُمنياتٍ أعظم من طلب الغناء!
• قالت له: قصدتُ بالغناء كلماتٍ تُشعرني من خلالها بحبّكَ لي..
• قال لها بضيق: أعرفُ ما قصدتيه! لكنّكِ لستِ بحاجة لذلك! من المُفترض أنّكِ تَتُوقينَ لِما هو أعمق من الكلمات!
• قالت له: حبيبي.. لَمْ أعُد أفهمك!

قطع الاتصال دون إنذار!

• وفي سُكون الليل أرسلت له: خِفتُ أن أغوصَ بأمانيّ فأتخطى الحدود..
• ردّ عليها: إليكِ الضوء الأخضر، بُوحي بأُمنياتك جملةً وتفصيلاً..
• أرسلت له: أتمنّى أن أَحُطّ كفراشةٍ على صدركَ الحنون، وأن أُقتَلَ عليه.
• أرسل لها بعد مُدّة: اعذُريني، غَفَوتُ للحظات.. أُمنيتُكِ أن تُقتلي على صدري؟!
• أجابته: كِناية عن الرغبة في البقاء..

في أصيل اليوم التالي التقيا، بحثت في عينيه عن روحها، لكنّها لم تجد! راقبت تصرفاته، فلَم تتعرف سوى على رجلٍ تُسيطر عليه المظاهر، رجل يهوى النّجومية، رجل يعيشُ حياتان؛ الأولى تحت الأضواء، والثانية مع مُحظياته، حين يُدَغدغُ النعاس جفون مُعجبيه.

• أمسكَ يُمْناها ولثمها، ارتعدت! سألها: متى أشعُرُ بِحُبكِ يا جميلتي؟
• سألته: أَلَمْ تشعُر بهِ بعد؟!
• قال لها بملل: أتُجيبينَ السؤال بسؤال!
• قالت له: أتمنى لو أفهمكَ أكثر!
• قال لها: لَوْ رافقتِني الآن إلى منزلي أتأكدُ من حبك.
• قالت له باستسلام: أنا أُحبك، لكنّي...
• قاطعها: لا تُكملي! أنتِ لا تثقي بي! سأترككِ الآن، وحين تتضحُ صورتي بعينيكِ حدّثيني.

ترَكَها وذهولها! شعرت بسذاجتها، كيف سلّمت قلبها لرجلٍ كهذا؟!

• أرسلت له في المساء: ها أنا أُخيركَ فاختر؛ إمّا أن نُحلّق سويةً ولكن على مرئى من الجميع، أو الابتعاد.
قرّر، ثمّ اختر، وأخيراً أخبرني..
• ردّ عليها: لَم أُوضَع يوماً بزاويةٍ كهذه! كنتُ مستمتعاً معكِ على نحو مختلف، والفراق بعيدٌ عن تفكيري. أنتِ داخلي كما أنتِ.
• أرسلت له: أنا لا أعرفُ إلى الآن ماذا أكونُ داخلك! استطعتَ أخذَ اعترافٍ منّي، ربما لأنّي أحببتُكَ فعلاً.. أنا متأكدة أنّ ما بداخلك ليس حباًّ، لو كان كذلك لبُحتَ به منذُ البداية!
• أرسل لها: مِن حيثُ لا تشعُرين اتهمتيني بالتلاعُب، وأنتِ تعلمي أنّي لو أردتُ لفعلتُهُ بِمَن أشاء.
أنا لستُ كما وصفتِ سيدتي!
• أرسلت له: كُلُّ ما أردتُه سماع كلمة صغيرةٍ تكونُ برّ أمانٍ لفتاةٍ شرقية!

كَمَا توقعت، لَم تحصُل على ردٍّ منه، توحدت عمّا حولها وهي تُفكّر به وبكيفية تعرفها عليه، تذكرت آخر يومٍ من أيّام كانون الأول، والذي يُعَدُّ آخر يومٍ من أيّام السنة، في ذاكَ اليوم قابلتهُ صدفةً في مكانٍ عام، لَمْ تَكُن المرّة الأولى، لكن هذه المرّة أرسلت لها نظراته إحساساً غريباً، أشعلَ الظُنونَ داخلها، لكنّها ما لبِثت أن أطفأتها.

عادت إلى المنزل سعيدة بغموض، يعتريها شعورٌ جميل لكنّه مخيف! دوّنت على ورقة صغيرة: اليوم الأخير من السنة، أنا أُحَلّقُ سعادةً والسببُ مجهول! ثُمّ علّقت الورقة على جدار غُرفتها.

تذكّرت كيف تطور ما بينهما بعد ذلك، وكيف أرسلت له يوماً رسالةً تَصِفُهُ بها بالمحتال، لإنه تلاعب بقلبها الصادق! فردّ عليها بكلماتٍ لَمْ تَعِي دلالاتها إلاّ مُتَأخّراً! قال لها بالرسالة:

• بأسلوبكِ الذي زرعَ الابتسامةَ على شِفاهي تكوّنت في رأسي فكرة مراسلتكِ والرد على كلماتكِ التي تختبئين خلفها كما تختبئ الفكرةُ العبقريةُ في خيالِ طفلٍ مشاكس!
جميلتي؛ بالحب أنتِ جديرة، بالعشق كذلك، بِمنح الصفو لِمن حولك؛ ماهرةٌ حاذقة..
لكن، عبثاً تحاولين أخذ اعترافٍ منّي، عبثاً تحاولين استنطاق لساني الذي أرهقته الكلمات المُنمّقة، عبثاً تحاولين تقييدي.

دُهِشت من ذاكَ السُكْرِ الذي رافقها طيلة تلكَ الفترة! كيف كانت تقرأُ كلماته دون التنبه إلى إيحاءاتها العقيمة!

تذكّرتْ أنّها حلُمَت بهِ قبلَ أيّام، كانا يجلسانِ معاً في مقهى يضُجُّ بالأصوات، عَيناهُما لا تَكُفّانِ عن تأمُّلِ الآخر، والصّمتُ رفيقهما.

بَقِيَ الاتصالُ بينهُما من خلال الأعين، حتى اقتحمَت سُكُونهما فتاةٌ بعَيْنين فيروزيتين تُنيرانِ وجهاً عاجياً يزيّنهُ شعرٌ مُتموّجٌ لونُهُ كاللّيل، فَأشاحَ هو بنظرِهِ إلى تلكَ الفتاة.

استيقظت ولا يزالُ ما رأتهُ في مَنامِها ماثِلاً أمامها، شعرت أنّ هذا الحلم إشارة لها كي تتّخذ خطوةً تُنهي بها علاقتها بذاكَ الوحش صعب الارتواء.

خرجتْ من توحُّدِها، نظرتْ إلى الورقة المُعلّقة على جدار غُرفتها، اقتربت منها، انتزعتها، مزّقتها، وألقت بها وبما تراكم من بعدها في بحر النسيان. 

No comments:

Post a Comment