Friday 6 July 2012

الذكرى الطيبة




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2009

      أتأملها باستمرار، لا أعرف لماذا، إنها تمتلك عينين حائرتين تدلان على شخصية أكثر حيرة، إنها فتاة في منتصف العشرينيات، في عينيها الحائرتين بعض الجاذبية، ولكن ليس هذا ما يجعلني أطيل النظر إليها، فغير حيرة عينيها وجاذبيتهما الغريبة، كون هذه الجاذبية موجودة في عينين أرهقهما البكاء المصاحب للسهر- هذا ما استنتجته من تأملي لهما- إلا أنني حين أنظر إليهما أشعر وكأنني قد تغلغلت بداخل هذه الفتاة، وعرفت كل ما مر بها في هذه الحياة، وأيضا خمنت سبب حيرتها.
       بالفعل، فقد كانت عيناها باب دخول لمعرفة حياة شخص، حياته بكل ما مرت به من أفراح وأتراح، أو من أتراح وأتراح.
       إذا فقد أطلت النظر إليها، وفي لحظات وجدت نفسي أنتقل من عالم أعرفه إلى عالم آخر، عالم ليس ببعيد عن عالم اليوم بكثير، إنه يبعده بعقد ونصف العقد.
      الآن أصبحت أنا تلك الفتاة، فأنا الآن أرى العالم بعينيها، الآن أنا أبكي على فراق أمي، أمي التي تركتني وأنا لا أزال في عقدي الأول، من هذا اليوم بدأت أحزاني وحيرتي من هذه الدنيا تنمو معي، فاليوم فقدت أمي، فقدتها للأبد، وفقدت معها الكثير من الأشياء.
      فقدت تلك الضفيرة الذهبية التي كنت أتباهى بها أمام صديقاتي، لم أفقدها لأنني عاجزة عن عمل مثلها، وإنما لأن ضفيرتك يا أمي مصحوبة بلمسة حنان لم ولن أشعر بمثلها، قولي لي يا أمي من أين سآتي بلمسة الحنان هذه من بعد رحيلك؟ فقدت تلك القبلة المفعمة بالحب، تودعينني بها قبل ذهابي إلى المدرسة، فقدت الشطيرة التي كنت تعدينها لي كي أتناولها في المدرسة. في الفترة الأولى من فقدانك يا أمي أصبت بألم شديد في معدتي إثر نوبة برد قاسية، وكان هذا أمرا طبيعيا، فقد فقدت أمي التي كانت تأتي إلي وأنا نائمة وتطمئن على دفئي.
      في هذه الأثناء، سمعت صوتا أعادني لهذا العالم، سمعت صوت أم توبخ ابنتها بصوت مرتفع أمام أشخاص كثر، لا أعرف لماذا كانت توبخها، ولكنني لا أجد مبررا واحدا لما فعلته، فليست هذه هي طريقة التعامل مع الأبناء، وإن كان لا بد فليس من الضروري أن تكون أمام أحد.
     فكرت قليلا بهذه الفتاة، وتساءلت فيما لو ذهبت أمها، هل ستتذكر شيئا عنها غير معاملتها السيئة لها؟ وعدت لفتاتي الأولى، التي ذهبت أمها، ولكن أفعالها الطيبة بقيت في ذاكرتها، وغدا ستظهر هذه الأفعال على أبناء تلك الفتاة.


No comments:

Post a Comment