Friday 6 July 2012

الـحـب والـوفـاء




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2009

     كانت تعتقد حين اختارته وحاربت الدنيا من أجله؛ أنها ستودع عالمها البائس، وأن كل أمانيها التي رافقتها منذ طفولتها ستتحقق.
     كانت تعتقد أنها وبزواجها منه؛ ستصبح تلك السيدة السعيدة، ليس بحبه فحسب وإنما بماله وعزه وجاهه، ربما كان ماله هو ما جعلها تتمسك به قبل حبه، وهو أيضا ما جعلها تترك حبيبها السابق.
     كانت تقول إن ما فعلته لا يعتبر خيانة، فهي تركته قبل أن يحدث أي ارتباط، حتى لو كان ذلك بعد ثلاث سنوات من الحب، فهي لا تريد شخصا يبقيها على حالها، ولو كان متيما بها، ولو كانت هي ذاتها متيمة به، إنها تريد شخصا ينتشلها من عالمها الفقير، ويزرعها في عالم مزهر، عالم تلبس به الحرير، تغرق به جسدها بأجود أنواع العطور، وتبعثر عليه الألماس.
     ظنت أن تلك الأمور كافية، ظنت أنها بالحرير والعطر والألماس ستحبه، كما ظنت في السابق أنه تزوجها لأنه يحبها، لم تكن تعلم أنها كانت ضحية تحد أحمق بينه وبين بعض من رفاقه.
     لقد كان شابا يمتلك ما يكفي من مظاهر الترف، كان كل من يراه يعرف أنه ولد وبفمه ملعقة من ذهب، وكان رفاقه دائما يعيبون عليه وعلى أمثاله عدم اختلاطهم مع طبقات اجتماعية أدنى منهم، وكان باستمرار ينفي صحة ما يقولون.
     وفي يوم لم تكن تعلم هي أنه سيغير مجرى حياتها للأبد، تحدوه رفاقه بأن يتزوج من فتاة هم اختاروها، وأعطوه عنوانها وبعض المعلومات عنها، وقبل التحدي حتى يثبت لهم عكس ما يقولون.
     وهكذا دخلت إلى عالمه، عالم هؤلاء الأشخاص الذين جعلوها تحلم لسنوات وسنوات بأن تصبح مثلهم ولو للحظة، دخلت مدهوشة بعظمة قصره وبعراقة ما بداخله، قررت منذ دخولها أنها ستستعمل جميع حواسها لتستمتع بكل ما فيه.
     لم تكن تفكر به ولا بأهلها، كل ما كان يشغل تفكيرها هو ذاك البزخ الواضح حتى في أدق تفاصيل القصر، بقيت هكذا ثلاثة أشهر، لم تتغير خلالها من الخارج فحسب، بل من الداخل أيضا، فقد نسيت ماضيها وكل ما فيه من أشخاص.
     ثم بدأت تستيقظ، أصبحت تنظر حولها، إنها تمتلك كل شيء، ولكن هنالك ما ينقصها! ينقصها حب طاهر تسقيه لشخص ما، ينقصها وفاؤها لماضيها الذي رمته مقابل المال، وأهم ما ينقصها؛ قلب رجل يسكنه قلب امرأة أخرى.

الذكرى الطيبة




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2009

      أتأملها باستمرار، لا أعرف لماذا، إنها تمتلك عينين حائرتين تدلان على شخصية أكثر حيرة، إنها فتاة في منتصف العشرينيات، في عينيها الحائرتين بعض الجاذبية، ولكن ليس هذا ما يجعلني أطيل النظر إليها، فغير حيرة عينيها وجاذبيتهما الغريبة، كون هذه الجاذبية موجودة في عينين أرهقهما البكاء المصاحب للسهر- هذا ما استنتجته من تأملي لهما- إلا أنني حين أنظر إليهما أشعر وكأنني قد تغلغلت بداخل هذه الفتاة، وعرفت كل ما مر بها في هذه الحياة، وأيضا خمنت سبب حيرتها.
       بالفعل، فقد كانت عيناها باب دخول لمعرفة حياة شخص، حياته بكل ما مرت به من أفراح وأتراح، أو من أتراح وأتراح.
       إذا فقد أطلت النظر إليها، وفي لحظات وجدت نفسي أنتقل من عالم أعرفه إلى عالم آخر، عالم ليس ببعيد عن عالم اليوم بكثير، إنه يبعده بعقد ونصف العقد.
      الآن أصبحت أنا تلك الفتاة، فأنا الآن أرى العالم بعينيها، الآن أنا أبكي على فراق أمي، أمي التي تركتني وأنا لا أزال في عقدي الأول، من هذا اليوم بدأت أحزاني وحيرتي من هذه الدنيا تنمو معي، فاليوم فقدت أمي، فقدتها للأبد، وفقدت معها الكثير من الأشياء.
      فقدت تلك الضفيرة الذهبية التي كنت أتباهى بها أمام صديقاتي، لم أفقدها لأنني عاجزة عن عمل مثلها، وإنما لأن ضفيرتك يا أمي مصحوبة بلمسة حنان لم ولن أشعر بمثلها، قولي لي يا أمي من أين سآتي بلمسة الحنان هذه من بعد رحيلك؟ فقدت تلك القبلة المفعمة بالحب، تودعينني بها قبل ذهابي إلى المدرسة، فقدت الشطيرة التي كنت تعدينها لي كي أتناولها في المدرسة. في الفترة الأولى من فقدانك يا أمي أصبت بألم شديد في معدتي إثر نوبة برد قاسية، وكان هذا أمرا طبيعيا، فقد فقدت أمي التي كانت تأتي إلي وأنا نائمة وتطمئن على دفئي.
      في هذه الأثناء، سمعت صوتا أعادني لهذا العالم، سمعت صوت أم توبخ ابنتها بصوت مرتفع أمام أشخاص كثر، لا أعرف لماذا كانت توبخها، ولكنني لا أجد مبررا واحدا لما فعلته، فليست هذه هي طريقة التعامل مع الأبناء، وإن كان لا بد فليس من الضروري أن تكون أمام أحد.
     فكرت قليلا بهذه الفتاة، وتساءلت فيما لو ذهبت أمها، هل ستتذكر شيئا عنها غير معاملتها السيئة لها؟ وعدت لفتاتي الأولى، التي ذهبت أمها، ولكن أفعالها الطيبة بقيت في ذاكرتها، وغدا ستظهر هذه الأفعال على أبناء تلك الفتاة.


لَيْتَنِي أَسْتَطِيعْ…





من تدوينات مكتوب المرحوم - 2011

      جميلةٌ أنتِ بشعركِ الغجري، ساحرةٌ بعينيكِ الخجولتَين، جذّابةٌ بابتسامتكِ البريئة، ناعمةٌ بأسلوبكِ، حسّاسةٌ بمشاعركِ، لطيفةٌ بخُلُقكِ..
     تختصرين نساء الكون بنظرةٍ من عينيكِ اللَّوْزيَتَين، وكلمةٍ من شفتيكِ المُمْتلئتين، ولمسةٍ من يديكِ الدافئتين..
     أنتِ ملاكٌ يسيرُ في الكون، وأنا بشرٌ عاجزٌ عن الحراك.. أنتِ ماضٍ جميل، وأنا مستقبلٌ موقوف.. أنتِ سيدةُ الكون، وأنا لستُ إلا عاشقةٍ تسألُكِ الرحيل..

     لَمْ أركِ من قبل، لكنّ أمواجَ البحر رسمتكِ لي، وأخبرتني عن حبيبكِ الأوّل..
     أنتِ الآن بعيدةٌ عنه، فَلِمَ تواصِلين تعذيبَهُ؟! فُكّي أَسْرَه، دَعِيه يتحرر، دَعِيه يُحلّق، دَعِيه يصطدم بي.. تَكْتَفِينَ الآن بحبٍ محيطٍ بكِ، وهو بحاجةٍ لحُبٍ يُحيطُ به ويحتويه، اترُكيهِ إذاً! ابتَعِدي عنه، دَعِيه ينطلق..
     أنتِ الآن مُحَرّمَةٌ عليه، فَلِمَ تُلاحقهُ روحِك؟! لِمَ تتجاوزين الحدود معه؟! أليسَ حُبُّكُما حُبَّ طفولةٍ؟ إذاً، ما ذنبُ البراءةِ حتى تُدَنّس؟!

     أعرفُ أنّهُ يراني أدنى منكِ بدرجات، فأنتِ بانت لهُ ملامحك في عالم الواقع، حيث لا مجال للخداع، وأنا اقَتَحَمْتُ صَفْوَهُ في عالم الافتراض، حيث الصِدقُ يَتَخَبّطْ!
     أنتِ الحقيقةُ، وأنا الوَهم، أنتِ المشاعرُ الملمُوسة، وأنا الكلماتُ المكتوبة، أنتِ براءةُ الطفولة، وأنا حُلُم الشباب، أنتِ الصفاءُ والنّقاء، وأنا عكسهُما، أنتِ التردُّد، وأنا الاندفاع!
     أنتِ البعيدةُ القريبة، وأنا القريبةُ البعيدة..
    
     لكن يا قاتلتي؛ قد أكون غير ذلك، فأنا أمتلكُ جسداً على هذه الأرض، وقلباً ولساناً، وعينانِ وأذنان..
     أنا لستُ كلماتٍ مصفوفةٍ بإتقان، ولا صُوَرٍ مرسُومةٍ بريشةِ فنّان! أنا إنسانٌ لهُ إحساس، ولو من خلالِ جهاز!
     أنا أنثى بَنَت أحلامَها مع رجُلٍ أحسنَ اختيار المِفتاح..
     أنا حقيقةٌ لها وجود، لكنّه مستمرٌ بالإنكار!
     أنا عاشقةٌ تسألُكِ الرحمةَ بقلبٍ أرهَقَهُ البكاء، وآلَمَهُ الفِراق، وآرَقَهُ الجَفَاء..
     أنا امرأةٌ تسألُكِ التبخُّر من عالمٍ كادَ أن يكتمل..
    
     ارحلِي واطمَئنّي، فأنتِ الحب الأوّل، وما أنا إلاّ استراتيجيةٌ لمستقبلٍ مُريح..
     ارحلي وقلبُكِ مُرتاحٌ، فأنا سأُعَوّضُه بابتسامةٍ وقُبلة..
     ارحلي ولا تعودي، فرجلٌ آخر بانتظارك..

     هنا ثارت أمواجُ البحر، فأخرجت امرأةً كالملاك، بشعرٍ غجريٍ مُزَيّنٍ بالياسَمين، ووجهٍ دائريٍ مُنير.. فقال هذا الملاك: بالله عليكِ كيفَ أُنسيهِ حُبّي وأنا النّقاءُ الوحيدُ في حياتِه؟! كيف أغيبُ عن ذهنِهِ وأنا الحياءُ النّادرُ في ذاكرته؟! كيف أتَبَخّرُ من عالمِهِ وأنا من فَتَحتُ عَيْنَيْهِ وحَرّكتُ مشاعره؟!
     لا أُخفيكِ أنّي حاولتُ نَزْعَ روحِي منه، لكنّي فشلتُ! فمشاعرهُ كقراراتِه، غيرُ قابلةٍ للتّبديل!
     هو أخطأ بِحقّ نفسِهِ حين تمسّكَ بي، اعتقدَ ألاّ امرأةً تُساويني، ولو كُنْتُ كذلك، لما تركتُهُ من البداية!

     وأنتِ،، بحُكمِ سِنّي وتجارُبي؛ أنصحُكِ ألاّ تَرهِني حياتكِ لشخصٍ تَجَاهَلكِ، حتّى لو وجدتِ لهُ المُبَرّرات، حتّى لو كان
ملاكاً في عينَيكِ، حتى،، حتى لو كان داخلكِ ذرّةُ أملٍ..


     لَطَالما قُلتُ له: اِنْسَانِي يُبْدلكَ اللهُ خيراً منّي.. وها أنا أُعيدُ لكِ ما أقوله له..


حلم مشاكس!




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2011

ضجيجٌ حولها يشتتُ ذهنها!

منازل تتنقلُ بينها
تعرفُ هيكلَها وتجهلُ من يسكُنُها!
وجوهٌ مألوفةٌ، لكنها غريبةٌ عليها!
أطفالٌ يهتفون باسمها
ويخبرونَها أنهم لن ينسَوْها

عربةٌ في الخارج تنتظرها
ورجلٌ غريبٌ يَلثمُ جبينها!
ويسألُها التحليقَ مَعَهُ حيثُ يلتقي عالمه بعالمها
تركب العربة وتنظر للمدى مودعةً ذكرياتها

وبخاتَمٍ يأسرُ روحها
وبقبضتيه يمسك يديها
وبالقُبل ينهالُ عليهما

فتختلطُ الحقائقُ داخلَها!
حتى تفتحَ عينيها
وتُنهيَ حُلُماً شاكسَ منامَها!


مَلاكٌ أَنْتَ




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2011

      ملاكٌ بين الذئاب وسيبقى كذلك، هكذا كان انطباعها الأول عنه، انطباعٌ أضحكه كثيرا، وتنكر له أكثر، لكنّها بقيت مُصِرةً عليه. فمنذ أول لقاء معه؛ شدّها اختلافه، بأسلوبه، وبأفكاره، وبهدوئه الذي سحرها.


     لَم تتوقع أنّ حديثا بسيطا بينهما سيُفضي إلى مشروعٍ مقدسٍ يجمعهما، كما لَم تُصَدّق أنّ مبادرةً غير مدروسةٍ منه ستُعَلّقُ قلبها الهشّ بروحه التائهة، وما لَم يتبادر إلى ذهنها بعد ذلك؛ هو أن تلهث خلف رجلٍ أنكرها من أجلِ امرأةٍ لا تزالُ روحُها مُقَيّدةٌ له.

     نعم… لقد أنكرها بعد أن عقدَ الاتفاقات معها، أنكرها بعد أن أعلن سيطرتها التامّة، أنكرها بعد أن عادت حبيبةُ صِبَاهْ.

قالت له: أنت حبيبي… ألم يكن هذا اتفاقنا في البارحة؟!
قال لها: بل كان وهماً اعتقدناه…
سألته بحنان: أين حبُّكَ الذي أنمتني عليه الليلة الماضية؟
اعترف بقسوة: حبيبتي الأولى لا تزال تسيطر على كياني! لقد أردتكِ زوجةً لي، واعتقدتُ أنّكِ سَتُبيدي مُعَذّبَتي تلك من ذاكرتي.. لكنّي لا أزال أحبها، وسأبقى كذلك.
قالت له بذهول: لكنّكَ تقتلُ ربيعَ عُمرك من أجل امرأةٍ مملوكةٍ لغيرك!
قال لها بضيق: هذا أنا، وهذا نصيبي من هذه الحياة.

     عَبَراتُها انهمرت بعد كلماته تلك، حتى استحال ما حولها إلى ضباب لا روح تميزه.

     قررت الرحيل، واتخذت الكرهَ بديلاً عن الحب، فهو ليس إلا ذئباً كما الآخرين.

     لكنّ قلبها نفرَ من كرهه! أَيُعْقَل أن تَبغِضَ ملاكاً زرع داخلها الطمأنينةَ والأمان! ملاكاً أعادَ ثقتها بالرجال! وقبل ذلك ثقتها بروحها دائمة الانهزام! ملاكاً كانت آخر مطالبه التحليق واللامبالاة!

     على ما يبدو أنّهُ أرادَ أن يحررها من قيوده، وأن يبعدها.. لعلَّ الزمن يَهَبَهُ من هي أجدرُ بلقب الحبيبة.

     جرّت كعادتها روحها المنكسرة ورحلت، لكنّه بَقِيَ بعينيها ملاكاً كأوّل مرةٍ حدّثته بها، كيف لا وهو مشروعها المعلن أمام البشر!

     مَلاكِي؛ اتَفَقْنَا عَلَى الفِرَاقِ مُجْبَرَةً، فَتَبَخّرْ مِنْ عَالَمِي بِسَلامٍ مُقْتَنِعاً…

ياسَمينةٌ تَنْتَحِب




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2012

     عادَتُهُ قطفُ الزُّهور، والياسَمينُ إدمانُهُ…

     في كلِّ مرَّةٍ يتنزّهُ خلالَها في البُسْتان؛ تقتنصُ عيناهُ زهرةً مُختلفةً، فيقطِفُها بالخفاء، ثمَّ يُنعشُ روحَهُ بعطرها الأخّاذ، وقبل أن تذبُل؛ يقذفُ بها إلى الهاوية، حتى تذبُل بعيداً عن عَيْنَيه.
     فلا يشعُرُ بجريمته..!
     وسُرعان ما يهُمُّ بالبحثِ عن زهرةٍ أُخرى، تكونُ لهُ السّاقية…

     بعدَ أعوامٍ على هذا الحال؛
أذهل مَن حولَهُ حينَ أعلَنَ عن قَطْفِهِ لزهرة البنفسج، أقسمَ يومَها أنْ يَفي للبنفسج طالما قلبُهُ ينبضُ بالحياة…

     ارتابَ مَن حولَهُ بإعلانه…
أمّا الزّهرةُ المأخوذةُ بهالته المخادعة؛ وثِقَت بعهده، وأغفلت عَقْلَها عن ماضيه المكشوف للجميع.

     اجتمعت الزُّهور على تهنئته وبنفسجته،
إلاّ زهرة الياسَمين، التي جمعها معهُ تاريخٌ مختلف، فهي مَن ضمَّها لصدره فترةً أطول، وأخبرها أنّهُ لو كان بمقدوره لوهبها عُمْرَه، لكنّهُ ألقى بها سريعاً…

     وكانت حُجّتُهُ؛
-       يؤرقني التفكير بأنّ عطركِ سيغيبُ في يومٍ من الأيّام، كما أخشى عليكِ من الموت بين يديّ..!
     خوفَهُ عليها أقصاها…
فأصبحت تَتْبعُ خُطاه من بعيد، دون إحداث أيّة جَلَبة…

     وحين وصَلَها إعلانه؛ حزِنت دون أن تُظهر ذلك، فالبنفسجُ صديقتُها، والمهنئون كذلك!
تجاهلت الحادثة، وانسحبت بهدوء، داعية الله أن يمُدّ البنفسج بما يكفي من الصبر والجَلَد لاحتمال حياتها الجديدة…

     لكن تساؤلاً بقيت إجابته تؤرقها؛
-       تُرى هل ستذبُلُ زهرة البنفسج بين يديه، أم أنّها تستحقُ الحياة عكس باقي الزُّهور؟!


كتبتْ ذات يوم






من تدوينات مكتوب المرحوم - 2011



لايدري أنها جسد بلا روح... فقد أبت روحها المتمردة الهبوط من تلك السماء 


الخلابة، بالرغم من كل المحاولات... 



لا يدري أن روحها تطوف حوله أينما حلّ وكيفما كان...

على أمل أن تحط في يوم ما بين جنبيه،



وأن تستقر هناك كملكة في عالمه المثير







كم هي حزينة اليوم على تلك المشاعر التي وهبتها لمن لا يستحق، لمن حطّم روحها ثمّ رحل...

فراشة رغبت بالبقاء




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2011

حبيبي…

     كلمة تردد صداها مرات ومرات، ليستقر داخلي على شكل فراشة، فراشة رغبت بالبقاء!
     رغبت بالموت، وقد ماتت فعلا! وياله من موت، موت حلو تارة، وعلقم أطواراً! موت سريع اللحظات، بطيؤها في مرات لا معدودات! موت يجعل صاحبه يحلق إلى اللانهائية أحيانا، ويلقي به إلى الهاوية في أحيان كثر!
     إنه الموت الحق على كل من يملك قلبا، إنه الموت الذي يكتشف فيه الإنسان ذاته، إنه الموت الذي يجعل الإنسان إنسانا.

حبيبي…

     مت فيك، ذقت الحلو والعلقم معك، حلقت وإياك بعيدا، بعيدا، حتى وصلنا إلى تلك النجمة، فقذفت بي من الأعلى لأستقر وحيدة حزينة كئيبة في تلك البقعة المظلمة. 
     أتعرف أين هي تلك البقعة؟ إنها بجانب الفراشة التي ماتت حبا، لا بل عشقا، لا بل تيما!

عَلَى مَا يَبْدُو




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2011

     على ما يبدو أنّهُ عاملها مُعاملةً خاصّة، فهي مِن هؤلاء النُّسوة اللّاتي حرّكن داخلَهُ عاطِفةَ الحب، فتحوّلت إلى رهْبَةٍ وخوف!
     أصبحَ يُحبّ وَصْلَها بصمتٍ، بصمتٍ قاتلٍ! وبانعدامٍ واضحٍ للُغَةِ الأعيُنِ، وكأنّهُ يخشى أنْ يدُلّها على نقاط ضعفه!
     أصبحَ يُنصِتُ إليها بإمعانٍ، ويراقبُ حركاتها باستحياءٍ، ويَسْرَحُ بالمدى طويلاً…
     عبثاً كانت تُحاولُ استدراجهُ للحديث، عبثاً كانت تنجحُ بالحُصولِ على مثلِ ما وهَبَتهُ من مشاعر، لكنّها نجحت بالحصول على مُعاملةٍ خاصَّةٍ منه.
     هل كانت خاصّة فعلاً، أمْ أنّهُ أوهمها بتلك الخصوصية "اللّحظية"، كما هو حالُهُ مع أخريات؟! سؤالٌ لطالما آرقَها…
     قد لا تكون الوحيدة التي حصلت على خصوصيّةٍ ما منه، لكنّها من القلائلِ جداً جداً، اللّاتي استطعنَ تحريكَ عاطفةً ما في قلْبِه، عاطفة سيتأجّجُ نارُها كُلّما ذكَرَها.

أَتُرَاهُ يَذْكُـرْ؟!





من تدوينات مكتوب المرحوم - 2011

      · أرسلَ لها ذاتَ شتاء: صندوقكِ يؤنسُني في لياليّ الرماديّة، فَفيهِ جديلةٌ وقصيدة، وقلبُ امرأةٍ أخلو إليه ساعاتٍ، فيمنحُني بين جدران غُربتي؛ شعوراً آمناً، دافئاً.
· أرسلت له: اِفتح الصُّندوق، وقبّل الجديلة، فهي بحالةِ احتضارٍ.
· ردَّ عليها: جديلتُكِ بين يديّ، أُقَبّلُها لحظةً، وأُحدثُّها أخرى، هي بأحسن حال، لا تزالُ يافعةً، نَضِرَةً، جميلةً.
· أرسلت له في يومٍ غائمٍ بارد: مُهجتي الغائبة، اليوم داعبتني الرّيح، ولامستني قطراتُ غيثٍ مُشاكسة، فَذَكَرتُك… آه يا مهجتي، بقدر سعادتي بهذه الأجواء؛ بقدر حزني، فحبيبي ليس بجواري! أرجوك لا تتركني، وهدّئ قلبي، فهو بحالة هَيَجانٍ…
· لَمْ يُجبها، فأرسلت له: يا أَنيسَ وحشتي، أدمنتُ وصْلكَ فجُد عليّ بحُبٍ وحنانٍ أُخمدُ بهما أشواقي المُلتهبة.

     أرسل لها بعد فترةٍ رسالةً يُوَبّخُها بها على سوءِ ظنّها به، ويسألُها الغياب، فهو لم يعُد يُطِق جيش النّفاق الذي يجري داخلها!


     لَمْ تُطِل التّفكير بشأن هذه الكلمات، فهي افتراءُ هرَّةٍ خبيثة، لطالما أظهرت كَيْدها من حُبّهما، وها هي تنجح بإشعال فتيلِ الفتنة بينهما.

     فآثرت تلك العاشقة الصّمت، وأخفت الحُزن، ورحلت كَيْلا تزدادَ لوْثةً من خبيثةٍ ادَّعت الصّداقة، ومن حبيبٍ منعَهُ كبرياؤهُ مِن تحرّي الحقيقة!

     لكنّ ذِكْرَهُ لا يزالُ يُرافقها، خاصّة في صباحاتِ أيّامهم الأولى، حينَ كان يستيقِظُ على صوتِها، فيشكُرُها ويُرسلُ لها قُبلةً، ثمّ ينطلقُ إلى عمله.

     كانت تَتَبّعُ خطواته الواثقة بعينيها الحالِمتَين، فتدعُوَ الله أن يحْرُسه ويحميه. وتنتظرُ في المساء كلماتٍ اعتادت توقيتها، لطالما خطفت روحَها بسحرها.

     أتُراهُ يعودُ بخيالِهِ لروعةَ الماضي؟ أمْ أنّ تلك الهرّة استطاعت إحالةَ حُبّهِ إلى كُرْه، فتبخّرت أشواقُهُ وذكرياتُه! أتُراهُ يَطْمئنُ على صُندوقها وكُنوزِه، أمْ أنّ الهجْرَ هو الحلُّ لامرأةٍ مُتعددة الألوان! أَتُراهُ يَذكُرُ عينَيْها الدّامعتَين، وشَفتَيْها المُرتَجِفتَيْن يوم وداعِه، أمْ أنّها بنظرِهِ أُنثى أجادت فنَّ التّمثيل!

    بعدَ أنْ كانَ مِلْكَها، فقدتْهُ بفعلِ الغيرةِ والحقد، فلمْ تعُد تملِك سوى طريقٍ تسلكه وحيدةً، بِحَذرٍ من غدْرٍ مُحتَمل.


إلى بحر النسيان




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2010

• أرسل لها يسأل: كيف تُمضين الليل أيتها الجميلة؟ وما شعورك لو رافقتك خلاله؟
• أجابته: أُمضيه بلهفةٍ وشوق، وكم تمنيت وجودك جانبي، أمّا عن شعوري حينها؛ ربما سأكون كفراشةٍ مُحلّقة، أو كغيمةٍ ستُمطر.. بالمناسبة؛ قلبي يخبرني أن اسمك منقوشٌ عليه.
• أرسل لها: كم سمعت، وقرأت، وأحسست بكلمات حبٍ وإعجاب، إلاّ أنّ كلماتك تقطرُ صدقاً، ولذّةً، ونقاءً.
• أرسلت له بلهفة: أخبرني بصراحة عن حقيقة مشاعرك تجاهي..
• أجابها: ها أنا أرتاح بالحديث إليكِ، وأُفَضّلُ الجلوسَ معكِ.. الجمالُ في طيبتكِ تمثّل، والأنوثةُ في براءتكِ برزت.

الطّيبةُ والبراءة؛ صفتان ممتعتان للرجل، مدمرتان للمرأة، يستغلهما الرجل لإرضاء غروره، وتدفع ثمنهما غالياً المرأة التي استمعت بصدقٍ لمشاعرها!

وهذا حالُ جميلتنا والوحش الذي يحوم حولها، سَحَرَها بلغة الشعراء، وبأخلاق العظماء، لكنّ لغته وأخلاقه ليسا إلاّ طعماً يستخدمه لاصطياد ضحياته من النساء!

• أرسل لها يوما: أغمضي عينيكِ وفكرّي بأمنية، ثمّ أخبريني بها..
• ردّت عليه: غنّي، أُحبُكَ أن تُغَنّي..

أضاءَ ما بينَ يَدَيْها، داعبَ راحتَيْها بحركته، وأخيراً نَطَقَ بموسيقى خاصّة للحبيب، أجابته..

• قال لها: سَأُغَنّي بالرغم من أنّي طمِعتُ منكِ بأُمنيةٍ غير هذه!
• فسألته: وما الذي أردتَهُ منّي يا حبيبي؟
• أجابها: لَمْ أُرِد! وإنّما حُبّكِ لي يوجِبُ عليكِ أُمنياتٍ أعظم من طلب الغناء!
• قالت له: قصدتُ بالغناء كلماتٍ تُشعرني من خلالها بحبّكَ لي..
• قال لها بضيق: أعرفُ ما قصدتيه! لكنّكِ لستِ بحاجة لذلك! من المُفترض أنّكِ تَتُوقينَ لِما هو أعمق من الكلمات!
• قالت له: حبيبي.. لَمْ أعُد أفهمك!

قطع الاتصال دون إنذار!

• وفي سُكون الليل أرسلت له: خِفتُ أن أغوصَ بأمانيّ فأتخطى الحدود..
• ردّ عليها: إليكِ الضوء الأخضر، بُوحي بأُمنياتك جملةً وتفصيلاً..
• أرسلت له: أتمنّى أن أَحُطّ كفراشةٍ على صدركَ الحنون، وأن أُقتَلَ عليه.
• أرسل لها بعد مُدّة: اعذُريني، غَفَوتُ للحظات.. أُمنيتُكِ أن تُقتلي على صدري؟!
• أجابته: كِناية عن الرغبة في البقاء..

في أصيل اليوم التالي التقيا، بحثت في عينيه عن روحها، لكنّها لم تجد! راقبت تصرفاته، فلَم تتعرف سوى على رجلٍ تُسيطر عليه المظاهر، رجل يهوى النّجومية، رجل يعيشُ حياتان؛ الأولى تحت الأضواء، والثانية مع مُحظياته، حين يُدَغدغُ النعاس جفون مُعجبيه.

• أمسكَ يُمْناها ولثمها، ارتعدت! سألها: متى أشعُرُ بِحُبكِ يا جميلتي؟
• سألته: أَلَمْ تشعُر بهِ بعد؟!
• قال لها بملل: أتُجيبينَ السؤال بسؤال!
• قالت له: أتمنى لو أفهمكَ أكثر!
• قال لها: لَوْ رافقتِني الآن إلى منزلي أتأكدُ من حبك.
• قالت له باستسلام: أنا أُحبك، لكنّي...
• قاطعها: لا تُكملي! أنتِ لا تثقي بي! سأترككِ الآن، وحين تتضحُ صورتي بعينيكِ حدّثيني.

ترَكَها وذهولها! شعرت بسذاجتها، كيف سلّمت قلبها لرجلٍ كهذا؟!

• أرسلت له في المساء: ها أنا أُخيركَ فاختر؛ إمّا أن نُحلّق سويةً ولكن على مرئى من الجميع، أو الابتعاد.
قرّر، ثمّ اختر، وأخيراً أخبرني..
• ردّ عليها: لَم أُوضَع يوماً بزاويةٍ كهذه! كنتُ مستمتعاً معكِ على نحو مختلف، والفراق بعيدٌ عن تفكيري. أنتِ داخلي كما أنتِ.
• أرسلت له: أنا لا أعرفُ إلى الآن ماذا أكونُ داخلك! استطعتَ أخذَ اعترافٍ منّي، ربما لأنّي أحببتُكَ فعلاً.. أنا متأكدة أنّ ما بداخلك ليس حباًّ، لو كان كذلك لبُحتَ به منذُ البداية!
• أرسل لها: مِن حيثُ لا تشعُرين اتهمتيني بالتلاعُب، وأنتِ تعلمي أنّي لو أردتُ لفعلتُهُ بِمَن أشاء.
أنا لستُ كما وصفتِ سيدتي!
• أرسلت له: كُلُّ ما أردتُه سماع كلمة صغيرةٍ تكونُ برّ أمانٍ لفتاةٍ شرقية!

كَمَا توقعت، لَم تحصُل على ردٍّ منه، توحدت عمّا حولها وهي تُفكّر به وبكيفية تعرفها عليه، تذكرت آخر يومٍ من أيّام كانون الأول، والذي يُعَدُّ آخر يومٍ من أيّام السنة، في ذاكَ اليوم قابلتهُ صدفةً في مكانٍ عام، لَمْ تَكُن المرّة الأولى، لكن هذه المرّة أرسلت لها نظراته إحساساً غريباً، أشعلَ الظُنونَ داخلها، لكنّها ما لبِثت أن أطفأتها.

عادت إلى المنزل سعيدة بغموض، يعتريها شعورٌ جميل لكنّه مخيف! دوّنت على ورقة صغيرة: اليوم الأخير من السنة، أنا أُحَلّقُ سعادةً والسببُ مجهول! ثُمّ علّقت الورقة على جدار غُرفتها.

تذكّرت كيف تطور ما بينهما بعد ذلك، وكيف أرسلت له يوماً رسالةً تَصِفُهُ بها بالمحتال، لإنه تلاعب بقلبها الصادق! فردّ عليها بكلماتٍ لَمْ تَعِي دلالاتها إلاّ مُتَأخّراً! قال لها بالرسالة:

• بأسلوبكِ الذي زرعَ الابتسامةَ على شِفاهي تكوّنت في رأسي فكرة مراسلتكِ والرد على كلماتكِ التي تختبئين خلفها كما تختبئ الفكرةُ العبقريةُ في خيالِ طفلٍ مشاكس!
جميلتي؛ بالحب أنتِ جديرة، بالعشق كذلك، بِمنح الصفو لِمن حولك؛ ماهرةٌ حاذقة..
لكن، عبثاً تحاولين أخذ اعترافٍ منّي، عبثاً تحاولين استنطاق لساني الذي أرهقته الكلمات المُنمّقة، عبثاً تحاولين تقييدي.

دُهِشت من ذاكَ السُكْرِ الذي رافقها طيلة تلكَ الفترة! كيف كانت تقرأُ كلماته دون التنبه إلى إيحاءاتها العقيمة!

تذكّرتْ أنّها حلُمَت بهِ قبلَ أيّام، كانا يجلسانِ معاً في مقهى يضُجُّ بالأصوات، عَيناهُما لا تَكُفّانِ عن تأمُّلِ الآخر، والصّمتُ رفيقهما.

بَقِيَ الاتصالُ بينهُما من خلال الأعين، حتى اقتحمَت سُكُونهما فتاةٌ بعَيْنين فيروزيتين تُنيرانِ وجهاً عاجياً يزيّنهُ شعرٌ مُتموّجٌ لونُهُ كاللّيل، فَأشاحَ هو بنظرِهِ إلى تلكَ الفتاة.

استيقظت ولا يزالُ ما رأتهُ في مَنامِها ماثِلاً أمامها، شعرت أنّ هذا الحلم إشارة لها كي تتّخذ خطوةً تُنهي بها علاقتها بذاكَ الوحش صعب الارتواء.

خرجتْ من توحُّدِها، نظرتْ إلى الورقة المُعلّقة على جدار غُرفتها، اقتربت منها، انتزعتها، مزّقتها، وألقت بها وبما تراكم من بعدها في بحر النسيان. 

وانجلى الغبار عن الحقائق




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2010


هي متيمة به،
هو محب لذاك التيم!

هي بلهفة وشوق تنتظر الجلوس والحديث معه،
هو يرتاح بذاك الجلوس!

هي تبوح له بحبها بكل طريقة ممكنة،
هو يسألها عن سبب إصرارها لسماع كلمة أحبك!

هي مستعدة للتضحية بأي شيء من أجله،
هو ليس مستعد إلا لفعل ما يتوافق ومصالحه!

هي تتمنى لو يصبح ما بينهما معلنا،
هو يصر على أن يبق ما بينهما سرا!


ثم بلحظة مراضاة، وبصوت حنون،
يخبرها أنها الصديقة والقريبة والحبيبة!

حزنها يمحى،
تعلق بأذنيها كلمة الحبيبة مع صوته الحنون!

تعتقد أنه سيتغير،
وسيتقدم خطوة في العلاقة بينهما،


ولكن؛ سرعان ما تكتشف أن لا جديد في العلاقة،
وسرعان ما تقر بغبائها المستهجن!
نعم غباء مستهجن،

فهي التي بحياتها لم تخطئ الاختيار،
ها هي تخطئ!

وهي التي بحياتها لم تخضع هاهي تخضع!

وهي وهي وهي…،


لا عيب في الخضوع ولا في غيره،
ولكن إن كان لمن يستحق.


لطالما اعتقدت أن الثقة بالرجال أمر مستحيل،
وها هي تتأكد من صحة ذاك الاعتقاد!