Tuesday 2 April 2013

عمّان تجمعُ ابنَتَي العم بعد ربع قرنٍ من الفراق


إصلاح نيوز - عمان - بهمّةٍ لا تعرفُ الكَلَل، ولا تعترفُ بالمَلَل، تواصلُ الأربعينيةُ “أم مراد”، التي تقطنُ في أحد منازل تلاع العلي، في عمان، رحلتها بالبحث عن كل قريبٍ أبعدتهُ عنها الغربة، فمنذُ طفولتها لَم تستقر يوماً في وطنها، حيث كان والدها يعملُ بالخارج، كحالِ كثيرٍ من أبناءِ عائلتها، الذين تفرقوا على أنحاء العالم، إمّا لدراسةٍ، أو لعملٍ يُحسّنُ من أوضاعهم المعيشية، وقد يكون الرحيلُ كذلك تفادياً لنظامٍ عُرِف بالبطش والاستبداد.
     تقول أم مراد “أفراد عائلتي مُتفرقين، ولا سبب لذلك سوى الغُربة، التي باعدت بيننا، وشغلتنا عن رحمنا، فلَم نَعتد كغيرنا وطناً يجمعُنا، ويُشعرنا بدفء العائلة وأُلفَتِها”.
     قد يتبادر إلى الأذهان أنّ أم مراد فلسطينةٌ أجبرتها قسوة الاحتلال إلى ترك وطنها، فهذا هو الشعب الذي اشتُهر بالشّتات، لكن؛ وكما يُبينُ الواقع، فالشتات هو حالُ السّواد الأعظم من شعوب العرب! حيثُ يقبعُ الظلمُ، والفقرُ، وأمورٌ أخرى.
     استقرت أم مراد، قبل حوالي العام في عمّان، مدينة الأمن والأمان، بعد فترةٍ طويلةٍ من الترحال، بدأتها مع والدها سوريّ الأصل، وأكملتها مع زوجها أردنيّ الجنسية، فوجدت الراحة والرّخاء، يُحيطُ بها أبناؤها، وأهلُ زوجها.
     لكنّ شعوراً بالوحدة بَقِي يُلازمُها، فأين هُم إخوتُها؟ وأين هُم أبناءُ عُمومَتها في هذه المدينة المُكتظّة؟ لَم تكُن تعرف عنهم الكثير، ولَم تكُن تتواصل معهم إلاّ من خلال اتصالاتها التي تواظبُ عليها بين الفترة والأخرى، وحين تقابلهم في زياراتٍ متواضعةٍ إلى وطنها.
     وفي يومٍ كانت تتجولُ فيه أم مراد بين المحال، دخلت إحداها لتفاجأ ببائعةٍ قريبةٍ منها باللهجة، ومن حديثٍ سريعٍ دار بينهما، تبيّن لها أنّ إحدى بنات عمّها وعائلتها تقطن في أحد أحياء عمّان، وأنّ بينها وبين هذه البائعة قرابة، فسجّلت أم مراد رقم ابنة عمّها، بنيّة وصلها، وإعادة ذكريات الطفولة بينهما، التي كانت تحدث منذ سنين طويلة، في عطلات الصيف، حين تجتمع العائلات في الوطن، ولبناء علاقةٍ جديدةٍ كان لا بُدّ من وجودها منذ زمن.
     ”ستجمعُني مدينةُ عمّان بأحد أقاربي من جديد، وهذه ليست المرة الأولى التي ألتقي بها أحدهم في عمّان، حيث اعتدتُ من هذه المدينة لقاءَ الأحبّة باستمرار”، بهذه الكلمات عبّرت أم مراد عن مشاعرها حين علمت بوجود ابنة عمها، التي كانت قد التقتها آخر مرةٍ، قبل حوالي ربع قرن!
     اتصلت أم مراد بابنة عمّها، لكن ابنة العم لَم تعرف هويّة المُتصِل إلاّ بعد أن أخبرتها أم مراد أن اسمها يطابقُ اسمَ جدتهما المشتركة.
     ”شعرتُ بسعادةٍ غريبةٍ حين حدّثتني أم مراد، خاصّة حين علمتُ بإقامتها في المدينة التي أقطنها، فعائلتُنا مُتفرقةٌ بطبعها، وهذا أمرٌ لطالما أحزنني”، هكذا وصفت ابنةُ العم شعورَها أثناء المكالمة، وأضافت “استذكرتُ خلال حديثنا أيّام الماضي، وشعرتُ بالحنين لها، فاتفقنا على موعدٍ نلتقي به، لنَصِلَ رَحْمَنا من جديد”.
     بالفعل؛ التقتا ابنتا العم، وأكثرُ ما كان يشغلُ فِكرَهُما، كيف ستكونُ هيئةُ كلٍّ منهُما، لكنّهُما تعرفتا على بعضهما من النّظرة الأولى، فالدّمُ الذي يَسْري في عروقهما واحدٌ، بحسبِ أمّ مراد.
     تعدّدت اللقاءاتُ بين ابنَتَي العم بعد ذلك، وتعرّفت عائلةُ كلٍّ منهُما على الأخرى، وسُرعانَ ما تمّ التآلُفُ بين العائلتين، حيثُ تقولُ أم مراد “زياراتُنا الأولى حملت طابَع التلقائية، فتعاملنا مع بعضنا كصديقتَين لم يمضِ أيّامٌ على آخر لقاءٍ جمعهُما، ولَم نشعر خلال الأحاديثِ التي تبادلناها؛ بالبعد الذي أرغمتنا عليه الغربة”، تؤكدُ ذلك ابنةُ عمّها التي تقول “تملّكتني الرهبةُ قبل ساعاتٍ من لقاء أم مراد، ففكّرتُ بما قد يدور بيننا من أحاديث، وبما عليّ فعلُهُ ضيافةً لها، لكنّي بعد رؤيتها، شعرتُ براحةٍ كبيرة، وعاملتُها كأني أعرفُها منذُ زمنٍ طويل، وأنا فعلاً فخورةٌ بها، وبمُبادرتها التي جَمَعت قريبتَين فارقت بينهُما ظروفُ الحياة القاسية”.

الاثنين ٢٦\١٢\٢٠١١

* تجدون التقرير كذلك على الموقع الإلكتروني لإصلاح نيوز: 

4 comments:

  1. كلام مؤلم أدمعني ...

    هل هي حقيقية؟

    كم هو جميل اللقاء بعد غياب ... كم هو مؤلم البعد والتشتت بعيداً عن وطن ننسب إليه ...

    دمتِ مبدعة

    ReplyDelete
  2. نعم، حقيقة حصلت لأكثر الناس قرباً مني.

    دمتِ بود..

    ReplyDelete
  3. الحمد لله.. وأخيراً وجدتا بعضهما بعد الفراق
    قصة مؤثرة

    ReplyDelete
  4. شكراً لكِ سراج، سعدتُ بمرورك.

    ReplyDelete