Monday 13 August 2012

"فخذوا حصّتكم من دمنا وانصرفوا"






       وأنا أتجوّل في صفحات الـ "فيسبوك" استوقفتني صفحة، استفزني اسمُها، إلاّ أنّي تأنّيتُ بالحكم عليها، لعلّ ظنوني وشكوكي تكون خاطئة، لكنّي لم ألبث دقائق حتى فهمتُ فحواها واستراتيجيتها.

     عددٌ من أصدقائي على الـ "فيسبوك" معجبٌ بها، تساءلتُ في داخلي "هل يا تُرى قرأوا عن فكرتها؟ هل يا تُرى فهموا مقصدها؟". لا أعتقد ذلك، لأنّ أيّ عربي لو فهم ما ترمي إليه هذه الصفحة لما عبّر عن إعجابه بها (على الأقل أيّ عربيّ من أصدقائي)، سأفترض أنّ عدداً ممن أُعجبوا بها، فعلوا ذلك بهدف تتبعها ومعرفة ما تبثه من سموم، فأنا أفعل ذلك أحياناً على صفحاتٍ لا تتوافق وأفكاري لكنّي أرغب بتتبع ما تقوم بنشره، ومع ذلك عجزتُ أن أفعل هذا مع هذه الصفحة اللعينة، كما أعجزُ الآن عن كتابة اسمها أو الإشارة إليها برابط ما، ففكرةُ أن أكون ممّن يروجون لها أمرٌ يقتلني.

     تقول هذه الصفحة "يراود كثيرون، حين سماع كلمة "إسرائيل" تصوّرات أمنية عنيفة، ويبقى موضوع الصراع "الإسرائيلي- فلسطيني" (ركّزوا هنا على كيفيّة كتابة "الإسرائيلي- فلسطيني") حاضراً وحاسماً في أذهان الملايين بالنسبة لماهية "إسرائيل" ما يجعل النظرة إلى "إسرائيل" أحادية البعد".

     "بناءً على ذلك نضجت فكرة الصفحة خلال العام الماضي 2011، (ركّزوا هنا أيضاً على وقت إطلاق الصفحة "إنه زمن الثورات العربية")، وانطلقت بهيئة صفحة "فيسبوك"، وسرعان ما ضمت آلاف المعجبين، واكتملت في شكلها الحالي بهيئة موقع إلكتروني حديث ومعاصر".

     "تُعنى الصفحة بنقل صورة مختلفة عن "إسرائيل" بأبعادها المتعددة، وتهتم بتفكيك صورة "إسرائيل" المركبة، وإبراز جوانب "إنسانية ومثيرة، حضارية وثقافية" حول "إسرائيل"".

     "هذه الصفحة تريد أن تخلق أرضيّة للحوار، تهتم بما وراء الصراع"..!

     بهذه الكلمات عرّف القائمون على صفحة "إسرائيلية" موجّهة للعرب بأنفسهم، آملين محو ذاكرتنا والولوج إلى قلوبنا، خائفين من أن تصلهم شرارة ثوراتنا، متمنّين أن ينعموا في "وطنهم الأكذوبة" وطننا المسلوب بالأمن والسلام، غير آبهين بالجراح التي سبّبوها لنا، ولا بالشتات الذي أذاقونا إيّاه!

     من يتابع الصفحة؛ يجد أن الأخبار السياسية غائبة عنها بشكلٍ متعمّد، وأن كل ما تبثّه من مواضيع؛ إمّا ثقافي، أو فني، أو إنساني يلعب على وتر الإحساس البشري، كما أن تركيزهم الأكبر على المواضيع المتعلقة بإظهار الحجم الهائل للتآخي الموجود ما بين "الإسرائليين" والفلسطينيين.

     بسذاجة يطلب منّا القائمون على هذه الصفحة الصلح والتسامح، وبسذاجة تفوق سذاجتهم يوافق بعضنا على ذلك بالتجاوب مع ما يبثّون من سموم!

     أعتقد أنّ غضبي جعلني أظلم "بعض" المتجاوبين مع هذه الصفحات، فبما أنّ الرسول محمد عليه صلوات الله وسلامه أمرنا بتعلم لغة العدو حتى نأمن مكره (وأنا ممن يسير على هذا النهج) فمن باب أولى علينا أن نتتبع أخبار هذا العدو، وأن نقرأ عنه أكثر، لكن؛ المهم أن نكون مدركين لما نقرأ ونسمع، وألاّ تتسبب هذه السموم بغسل عقولنا ومحو ذاكرتنا، بل بتحفيزنا لخطوةٍ فعّالة.

     آمل أن يكون المتتبعين لمثل هذه الصفحات ممن يصعب غسل عقولهم!

     ما يشفي غليلي أن تعليقات الغالبية العظمى من المتابعين على مواضيع هذه الصفحة، هي إمّا تعليقات ساخرة من الأفكار الساذجة التي يحاول القائمون على الصفحة ترويجها، أو تعليقات متخمة بالشتائم أو بالأدعية على هذا العدو غير القابل للتحول.

     بمحاولةٍ منّي لاستفزاز أصدقائي على الـ "فيسبوك"؛ نشرتُ سؤالاً على صفحتي الخاصة "لو عُرض عليكم العيش بسلام وتآخي مع "إسرائيل"، وبناء جسر من المحبة والمودة، ونسيان كل الماضي، والبدء بصفحة جديدة. ولو كانوا المنادين بهالسلام "إسرائيليين" متحمسين جداً للعيش معكم بطمأنينة وراحة... شو بتكون ردّة فعلكم؟؟"

     لا أخفيكم أنّي ترددتُ بطرح هذا الموضوع، وبعد طرحه حصل ما خشيته، حيث وصلني أكثر من تساؤل استنكاري حول ما أنوي الوصول إليه من سؤال كهذا؟! والبعض ظنّ أنّي أشجع على السلام مع "إسرائيل"، وبيّن لي بشكلٍ غير مباشر أنه لم يتوقع مني ذلك على الإطلاق!

     اختلفت الإجابات على سؤالي، لكنها اتفقت على استحالة العيش بسلام مع عدوٍ غاصب، بعض الإجابات زادت كلماتها عن ثلاثة أسطر، وبعضها اقتصرت على كلمة واحدة، وهي "لا".

     أحدهم أجاب "لو أخي استولى على منزلي لقاتلته حتى أسترد ما أخذ مني، فما بالك بعدوٍ احتل أرضي؟! بالتأكيد سأظلّ أقاومه بكل ما أملك من قوة، حتى أسترد ما سلب مني"، وآخرٌ أجاب "ما بُني على باطلٌ فهو باطل"، وهناك من اكتفى بقول "دماؤنا لن تذهب هدراً".

     أختم بكلماتٍ من قصيدة "عابرون في كلامٍ عابر" للراحل محمود درويش، الذي تصادف هذه الأيام ذكرى وفاته الرابعة؛


أيها المارون بين الكلمات العابرة
منكم السيف، ومنا دمنا
منكم الفولاذ والنار، ومنا لحمنا
منكم دبابة أخرى، ومنا حجر
منكم قنبلة الغاز، ومنا المطر
وعلينا ما عليكم من سماء وهواء
فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا
...

أيها المارون بين الكلمات العابرة
كالغبار المر مروا أينما شئتم ولكن
لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة
فلنا في أرضنا ما نعمل
و لنا قمح نربيه ونسقيه ندى أجسادنا
و لنا ما ليس يرضيكم هنا
...

أيها المارون بين الكلمات العابرة
كدسوا أوهامكم في حفرة مهجورة، وانصرفوا




12 comments:

  1. كلامك رااائع
    وبالنسبة لهذه الصفحة الساذجة فما هي الا جزء من كلٍ قذر يحاول استدراج الكثيرين في بحر من القذارة وغسيل الدماغ
    ( الحرية لا تمنح بل تنتزع انتزاعاً ) الله يعطيكِ العافية يابنة العقاد ووفقك الله وإيانا الى كل الخير ،، وكل عام وانتم بألف ألف خير
    أبو رواد

    ReplyDelete
  2. من بحث عن ربه خارج الأطر الضيقة المغلقة الموروثة من (أهله ومجتمعه ومدرسته) فسيجده نهاية المطاف....
    كلمة (رب) هنا رمزية... ولا تعني (الله، رب الأرباب)... بل يتجوز في كل المبادئ وأسس التفكير المنطقي (منظومة أفكار العقل)..
    من بحث عن اليقين بعيداً عن المعلبات الجاهزة المقدمة له من أهله، سيكون مشابهاً للعصفور الصغير الذي يجرب الطيران للمرة الأولى...
    نعم! سيقع..
    سيقع، وسيقع، وسيقع.... لكن،...
    لكنه إن أصرّ على الاستمرار سيطير منفرداً مثله بكذا، مثل ذويه الذين سبقوه.
    .
    (اللي بيدور ع ربو بيلاقيه)... عبارة شعبية رائعة، تلخص حكمة الأجداد في البحث عن الشخصية الحرة المنفردة للإنسان..
    .
    وفي كل مرة يحاول أحدنا الطيران منفرداً يجرب عوالم جديدة غير التي خبرها من أهله.. ربما يجرب الإلحاد، التعرف على العدو، محبة الغريب..
    وأيضاً في كل مرة... سيجد أن ما أورثه آيها أهله المخلصون لهو عبارة عن تلخيص ذكي ومكثف، لمئات التجارب السابقة والمريرة، وتنطوي على حكمة...
    إنها مكثفة كما هو حليب الأم لوليدها الرضيع..
    .
    .
    أياً ما تفعله إسرائيل (الكيان الصهيوني الشاذ) فستبقى كما هي مرفوضة مذمومة ولا خوف أبداً على الأجيال القادمة..
    .
    لا يضر قليل من التفاؤل.. ولا يضر قليل من التجريب.. الاستمرار بالبحث عن الحكمة وغايات الحياة الإنسانية كفيل بالوصول إلى ما وصل له من سبقنا، حتى لو كان بمظاهر جديدة..
    قيل: "الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها أخذها"... قد يدفع هذا أحد الصغار على البحث بعيداً.... لكنه بعد طول مطاف وتجريب، سيجد أن أبيه وأمه، سلكا قبله ذات الطريق.
    هي ذا الحياة.

    تحية.

    ReplyDelete
  3. شكراً أبو رواد :) وكل عام وإنت بألف خير.

    ReplyDelete
  4. شالوا البياض من قلوب كل البشر
    و
    الحنين جواهم إنتحر
    والشرور
    كل يوم تنتصر
    وعشان انا من ولادك
    وشايفك تحت رجليهم
    تبكى …تقاسى … تصرخ …تئن
    بإفتخر
    إنى فى يوم
    هايدفنونى جوا أحضان تاريخك يا وطن
    ====================================
    الف مبروك على المدونة ومن نجاح لتألق دائم
    كل عام وانت بالف خير
    اخوك / أيمن وهبة

    ReplyDelete
    Replies
    1. وأنت بخير أيمن... شكراً لك :)

      Delete
  5. ميرنا أحمد18 August 2012 at 01:07

    بورك قلمك مروة :)

    ReplyDelete
  6. إسرائيل إلى زوال حينما نهتم بالعلم و العمل ... داعم لكى فى مدونتك الجديدة و لكن هل ستكتفين بالسياسة فيها و تنمعينا عن قصصك ؟؟

    ReplyDelete
    Replies
    1. أشكر مرورك أخي محمد... سأنوع بكتاباتي بكل تأكيد :)

      Delete
  7. الحمد لله وبتوفيقة اخيرا توصلنا لمكان التعليق حتى نتواصل مع كاتبتنا المبدعة مرورة العقاد حفظها الله
    ***********************
    الهم الاكبر للكيان الصهيونى هو البقاء بأى طريقة أو وسيله فمهما كانت حجتهم فهم للكره خلقوا
    تحياتى اختى الكريمة على مقالك الرائع

    ReplyDelete
    Replies
    1. وأخيراً وصلت أستاذ عادل! :)) أنا سعيدة جداً بتواصلك وشاكرة اهتمامك بمتابعة خربشاتي.

      تحياتي لك

      Delete