Monday 26 November 2012

هذيان على هامش الدمع




     هي كذلك أرهقها الضغط، وأخمد طموحها، وأحال حياتها إلى كسلٍ ومللٍ وخمول، لكنها لم تكُن تُلقي بالاً لذلك، كانت سعيدة بما تُقدّم، فخورة بما تُنجز، متعطّشة لتنهل مزيداً من المجهول، ممنّيةً نفسها بتحسين الأحوال، وبتنظيم الأمور.

     كان الوقت قد حان بالنسبة لها لتبدأ حياةً جديدة، مليئةً بالإنجاز والاعتماد على الذات، وهذا ما حدث بالفعل، فالاعتماد تم والإنجاز كذلك، إلا أنه لم يكن إنجازاً كافياً بالنسبة لتطلعاتها، فقد اقتصر على أمرٍ واحد، لم تكُن تفكر به في السابق، ومع ذلك صمتت، وقررت الإكمال، وأسرّت لنفسها تواسيها "لا بأس يا روحي فلا تزالين في مقتبل العمر، والأبواب ستفتح أمامك عما قريب.. اصبري ستسعدي وستلمسي بأناملك المنال".

     لكن استخفاف بعضهم بما تُقدّم، وعدم اعترافهم بما تُنجز كانا كصفعةٍ تُوجّه لها! فهل هذا جزاء الإحسان؟! هل يُكلّفها صمتها وعدم تذمرها كل ذاك الإنكار؟! كانت تعتقد أن الصمت واحتساب الأجر هما ما ينفعان، لكن؛ يبدو أن معادلة الكون مختلفة، وأن عليها استيعابها أو فعليها السلام.

     جميعهم في ذاك اليوم اجتمعوا ليعترضوا، وهي كذلك كانت معهم، تحدثوا كثيراً، اتفقت معهم سراً في معظم أقوالهم، وكانت لها إضافات، حاولت الإلقاء بها في تلك اللحظات، لكن روحها "للمرة الألف" تؤثر الصمت على الكلام! ها هو صمتها يخونها من جديد! وبّخته بسرّها "تباً لك أيها الصمت.. متى تكفّني؟!" لكنه بقي صامتاً كعادته.

     لطالما نقلت رسائل غيرها، من أحزانٍ وشكاوى، من تمنّياتٍ وآمال، من اعتراضاتٍ واقتراحات، لكنها فاشلةٌ بنقل آرائها، أو بالإبلاغ عن أمنياتها وحاجاتها.

     لا تملك مع الغير سوى صمتٍ ودمع، وعجزٍ عن الإفصاح عما يختلج الصدر من أحزانٍ أو حتى أفراح! 

Thursday 8 November 2012

عدم وجود



هي لحظة تنعدم فيها حياة أحد المخلوقين،

وتبهت بها أرواح الشاهدين والسامعين،

لحظة لا مفرّ منها ولا توقيت لها،

تحضر فجأة،

تخطف أحدهم بقوّة

ثم تنتقل لآخر

ظنّ هذا المساء

أنه على موعدٍ مع الحياة!


قاسٍ أنت أيها الشبح،

تأتي على غفلة

فتغتال أحلام الأحبّة

وتمحو البهجة من الأفئدة

وتُفرّق الأعزّة

لتزرع الأسى والكآبة،


تأتي وتنتشلهم من الوجود

وتُلقي بهم في العدم

دون أن تفكر قليلاً

بما رسموه لمستقبلهم

أو ما رسمه لهم حاضرهم!


متى تكفّنا أيها الشبح البغيض؟!

أم أنك القدر والمصير

ونحن عليك قاسون

ومع ذلك إليك منتهون


هلاّ منحتنا أيها الشبح وقتاً؟
حتى نُرتّب أوراقنا 
ونُودّع أحبابنا
ونُلملم أغراضنا

Friday 2 November 2012

عذراً أمريكا فقلبي الصغير لا يحتمل


     سأُخربش سطراً ثم سأبدأ بالمفيد، فالموضوع أوضح وأبسط من تخصيص المقدمات كالمعتاد.. انتهى السطر وابتدأ الواقع والمنطق.

     "قلوبنا ليست مع أمريكا ومع ذلك ليست ضدها" قبل الشرح سأطرح سؤالاً وسأجيب عليه "لو كنتُ في مُصيبةٍ وطلبتُ العون من جاري الغارق في المصائب.. فهل سيكترثُ لأمري؟" الإجابة بكل واقعية "لا". سؤال آخر "لو طلب سكان إحدى العمارات في الشارع المجاور المساعدة من سكّان عمارةٍ تحترق للتخلص من لص الليل القابع في عمارتهم.. فهل سيهبّ سكان العمارة المحترقة لنجدتهم؟!" الإجابة المنطقية والواقعية كذلك "لا".


     واقع ومنطق ولا عتب على أحد، فلكلٍّ منّا انشغالاته وهمومه، لن يلتفت أحد لغيره إلاّ إن كان وضعه الاجتماعي والنفسي والاقتصادي و و و.. إلى ما لا نهاية مستقر ومعقول.


     إذاً؛ من غير الواقعي أو المنطقي أن يلتفت أحدنا إلى مُصيبة غيره إن كان في مُصيبة أعظم، ومن غير الواقعي أو المنطقي كذلك، أن نكون غارقين في المصائب، ويطلب منّا أحدهم "تقوية بعدنا الإنساني لنعرف كيف نتعامل مع الآخرين"، إلاّ إن كان يعتقد أن المدينة الفاضلة حقيقة لها وجود! فأثر الإنسانية يظهر حين نشعر بإنسانيتنا أولاً.

     لذا؛ لا عتب ولا عجب من أي عربي لم يتألم أو يتعاطف مع متضرّري إعصار ساندي، حكومةً وشعباً، وليخالفني من يشاء، سأصرّ على الوقوف إلى صف هذا العربي المسكين، الذي امتلأ قلبه حزناً وضاع صوته من كثر الأنين.

     كيف لا يئنُّ والألم والمرض والوجع تمكّنوا من محيطه بالكامل؟! بالمقابل لا أحد يحرك ساكناً، بل على العكس، الحكومة الأمريكية تضاعف بأصابعها الخفيّة منها والظاهرة حجم الدمار في محيطنا العربي، والشعب الأمريكي صامت لا يعلّق، والحجة "التكتيم الإعلامي"، فلمَ لا نسمح للعربي أن يتخذ حجةً واهيةً كهذه ويكتفي بمتابعة مصيبتهم دون أن تتأثر حياته أو نفسيته المصابة أصلاً؟! تلك النفسية التي تحتاج عصوراً حتى تبرأ من الأعاصير التي داهمتها، باختلاف إعصار ساندي الذي لن يتطلب الشفاء من آثاره النفسية والبيئية أكثر من أسابيع، أو شهوراً بأكثر تقدير، فالهدوء وراحة البال تعم تلك البلاد بشكل يجعل ساكنيها يفكرون بمصائبهم المتوقعة وبكيفية حلّها، على عكس حال بلادنا، التي يفكر ساكنيها بالوقت الذي ستتوقف فيه مصائبهم كي ينعموا بقليلٍ من الهناء والسلام، ثم إن إعصار ساندي من فعل الطبيعة الغاضبة، التي لا يستطيع أحدنا الوقوف في وجهها، وليس من تدبير البشر كما يحدث في محيطنا!

     هذا لا يعني الشماتة بما يحدث لهم، أو تمني المزيد من الدمار، فهذه ليست من شيم العربي، لكنه باختصار غير قادرٍ على إيجاد مساحة لهؤلاء في قلبه، فقلبه مكتظٌ بمصائب وطنه العربي المكلوم، قلبه مع وطنه الذي لا يقف إلى جانبه أحد، وطنه الذي يناضل لينال جرعةً من حياةٍ كريمة.

     حين تبرأ جروح وطنه وتنتعش ظروفه سيكون حينها قادراً على وهب جزء من عاطفته إلى غيره من المتضررين، هؤلاء الذين يمتلكون من الحظ الكثير بعكس حال العربي الحزين المشغول بأن يكون أو لا يكون.