هي كذلك أرهقها الضغط،
وأخمد طموحها، وأحال حياتها إلى كسلٍ ومللٍ وخمول، لكنها لم تكُن تُلقي بالاً لذلك،
كانت سعيدة بما تُقدّم، فخورة بما تُنجز، متعطّشة لتنهل مزيداً من المجهول، ممنّيةً
نفسها بتحسين الأحوال، وبتنظيم الأمور.
كان الوقت قد حان بالنسبة
لها لتبدأ حياةً جديدة، مليئةً بالإنجاز والاعتماد على الذات، وهذا ما حدث بالفعل،
فالاعتماد تم والإنجاز كذلك، إلا أنه لم يكن إنجازاً كافياً بالنسبة لتطلعاتها، فقد اقتصر
على أمرٍ واحد، لم تكُن تفكر به في السابق، ومع ذلك صمتت، وقررت الإكمال، وأسرّت لنفسها
تواسيها "لا بأس يا روحي فلا تزالين في مقتبل العمر، والأبواب ستفتح أمامك عما
قريب.. اصبري ستسعدي وستلمسي بأناملك المنال".
لكن استخفاف بعضهم بما تُقدّم، وعدم
اعترافهم بما تُنجز كانا كصفعةٍ تُوجّه لها! فهل هذا جزاء الإحسان؟! هل يُكلّفها صمتها
وعدم تذمرها كل ذاك الإنكار؟! كانت تعتقد أن الصمت واحتساب الأجر هما ما ينفعان،
لكن؛ يبدو أن معادلة الكون مختلفة، وأن عليها استيعابها أو فعليها السلام.
جميعهم في ذاك اليوم
اجتمعوا ليعترضوا، وهي كذلك كانت معهم، تحدثوا كثيراً، اتفقت معهم سراً في معظم
أقوالهم، وكانت لها إضافات، حاولت الإلقاء بها في تلك اللحظات، لكن روحها "للمرة
الألف" تؤثر الصمت على الكلام! ها هو صمتها يخونها من جديد! وبّخته بسرّها
"تباً لك أيها الصمت.. متى تكفّني؟!" لكنه بقي صامتاً كعادته.
لطالما نقلت رسائل غيرها، من أحزانٍ وشكاوى،
من تمنّياتٍ وآمال، من اعتراضاتٍ واقتراحات، لكنها فاشلةٌ بنقل آرائها، أو بالإبلاغ
عن أمنياتها وحاجاتها.
لا تملك مع الغير سوى صمتٍ ودمع، وعجزٍ عن
الإفصاح عما يختلج الصدر من أحزانٍ أو حتى أفراح!