Saturday 20 August 2016

كيفية معالجة الإعلام الأردني لقضايا الفئات المستضعفة

من هي الفئات المستضعفة التي يتحدث عنها الإعلام الأردني؟ وهل يفيها حقّها بالفعل؟
من إحدى أمسيات منتدى عبدالحميد شومان الثقافي، تأخذنا الصحفية الأردنية نادين النمري بجولة نابعة من تجربتها مع الفئات المستضعفة، وتتوقف عند محطات تلهم الصحفيين والمؤسسات الإعلامية وترفع مستوى الإنسانية والحساسية لديهم عند التعاطي مع قضايا تخص هذه الفئات، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر: المرأة، الطفل، الشخص ذو الإعاقة واللاّجئ.
تبدأ النمري جولتها بإظهار مقدار التغطية الذي تخصصه وسائل الإعلام الأردنية للفئات المستضعفة، فتبيّن أنها تغطية موسمية لا مستمرّة، حيث يتم تناول قضاياها إن كانت الحالة العامة تتطلّب ذلك، وبحسب المناسبة كيوم المرأة العالمي مثلاً، ومن ثم يتم نسيانها. بالمقابل، يتم تخصيص مساحة دائمة وشاملة للسياسة، وإدلاء الرأي والإقتصاد. ومع ذلك، فإنها تؤكد على أن المشكلة الأساسية لا تكمن بضعف حجم المواد فحسب، وإنّما بضعف طرح هذه المواد من قبل الصحفيين.
عدم تعمّق الصحفي بالقضايا التي يتناولها
يستخدم الصحفي أحياناً مصطلحات أو أوصاف تسيء للحالة التي يتحدث عنها، ويكون ذلك بالأغلب بسبب جهله لطبيعة الحالة وبحقوقها التي يجب عليه احترامها والعمل على إبرازها. واستشهدت النمري بخبر لأحد المواقع الإلكترونية بعنوان "ضبط أطفال لقطاء"، مستنكرة الفعل الذي تم استخدامه، حيث يعتبر فعل "ضبط" إساءة بحق الأطفال وكان من الأفضل استخدام فعل آخر بمعنى مختلف.
وتعلّق النمري، على الصحفي العمل بجد ومثابرة لتطوير مهاراته الصحفية ومعرفة الطرق الأفضل للتعامل مع مختلف الحالات التي يقابلها، كما عليه قراءة مختلف القوانين التي تتعلق بها وفهمها جيداً.
وتقع على عاتق المؤسسات الإعلامية كذلك مهمة اختيار صحفييها بذكاء ومدّهم بالدورات الكافية والوافية لرفع مستوى مهنيتهم.
إيصال رسالة أم الوصول لسبق صحفي؟
يغيب عن ذهن الصحفي في بعض الحالات أنه يتعامل مع إنسان، فيصبح هدفه من المادة التي يعمل عليها الوصول لسبق صحفي يميّزه عن غيره من الصحفيين، وفي هذه الحالة قد يسيء أو يظلم الشخص الذي يتناول حالته، وهنا، تقول النمري إنه يجب على الصحفي طرح السؤال التالي على نفسه:
هل ما أسعى إليه هو الإثارة أم تبنّي قضية وإيصال رسالة؟
هذا السؤال سيساعد بتحديد نهج الصحفي وببيان المؤسسة الإعلامية الأنسب لتوجهاته. مؤكدةً على ضرورة تبنّي المؤسسات الإعلامية لسياسات واضحة في هذا الخصوص وامتلاكها لميثاق أخلاقي يسيّر عملها.
مادة لإثارة الشفقة أم لفتح ملف حقوقي؟
ترى النمري أن قضايا الفئات المستضعفة تنال تعاطف الجمهور ويحدث من بعدها تغيير في حال تمت معالجتها بشكل جيد، لكن الملاحظ أنه يوجد نقص بكيفية معالجة وسائل الإعلام لهذه القضايا، مؤكدةً على "غياب النهج الحقوقي في التعامل مع المشكلة الأساسية، وانطلاق المعالجة من مبدأ الشفقة وإثارة المشاعر بطريقة سطحية، دون البحث في العمق أو إعطاء الطابع الحقوقي لهذه القضايا".
صحافة الـ Trend أو المواضيع الأكثر شيوعاً
تتحول أجواء الإعلام أحياناً إلى مساحة يملؤها التقليد، أو بمعنى أدق إلى صحافة الـ Trend، فبمجرد أن تظهر قضية ما على الساحة، يبدأ بتناولها الصحفيون من مختلف المؤسسات، لا يهم أن يكون في تناولهم لها معالجة أو دقة، بل المهم أن يكونوا قد واكبوا الموجة.
وبحسب النمري، فقد ينجم عن ذلك مشاكل وإساءات عدة، منها، احتمالية الوقوع بالخطأ بسبب الاندفاع الذي حال دون بحث الصحفي وتقصّيه، بالإضافة إلى عدم قدرته على التفكير بزوايا طرح جديدة من شأنها إحداث التغيير المرجو.
نفس حقوقي أم تحريضي؟
يقف أمام بعض القضايا صحفيون محرّضون، هدفهم إبطال أهمية هذه القضية والسخرية من حقوقها، وفي هذه الحالة، وبحسب النمري، فإن الدور الأكبر يكون على المؤسسة الإعلامية نفسها لتحدّ أو تساعد بتطوير هكذا صحفيين، فالصحفي بالنهاية ابن مجتمعه، أي أنه يتأثر بما تفرضه عليه بيئته.
كما تؤكد النمري على ضرورة بناء شراكة تربط المؤسسات الإعلامية بمنظمات المجتمع المدني، للسماح للأخيرة بإيصال رسالتها بشكل أسهل وأسرع ولتوعية الصحفي ورفع مستوى قدراته.
أمل لحظي أم فائدة حقيقية؟
هل تستفيد بالفعل الفئات المستضعفة من الملفات التي تنشر عنها أم أن الأمل اللحظي هو كل ما تجنيه؟
تقول النمري بأن مهمة الصحفي الكبرى تكمن بعدم إعطاء وعود مبالغة للحالة التي يتعامل معها، فلا يجوز له بأن يخبر حالته بأنه بمجرد طرح المادة ستصبح أمورها على خير ما يرام، بل عليه أن يكون واضحاً جداً وأن يبيّن بأنه سيطرحها للبحث والنقاش لكنه لا يعد بحلول سريعة.
وتضيف النمري بأنه لا بأس بأن يساهم الصحفي من خلال علاقاته بمساعدات إنسانية لحالاته التي يصعب عليه تناول قضاياها، لمعرفته مسبقاً بعدم جدواها أو لإيقانه بأن المساعدة الذاتية ستعطي أثراً أكبر، فما العيب أو المانع من أن يلبّي الصحفي نداء الإنسانية؟



*تجدون التقرير كذلك على الموقع الإلكتروني لشبكة الصحفيين الدوليين ijnet:

Sunday 24 April 2016

وثائق بنما: تسريبات ضخمة توحّد الصحفيين وتطلق تحقيقات عابرة للحدود

بدأت الحكاية بتسريبات وصلت لصحيفة "زود دويتشي تسايتونج" الألمانية من شخص مجهول، تُظهر هذه التسريبات فساداً مالياً عالمياً يشارك فيه قادة دول، سياسيون، موظفون في الأمم المتحدة والاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" بالإضافة إلى رياضيين وأبناء أصحاب نفوذ من حول العالم.
لاحظت الصحيفة وجود مشكلة، قدّرت حجم الخطر، استعانت بالاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ICIJ في أميركا، فوحدها لن تتمكن من التعامل مع 4.8 مليون بريد إلكتروني، 3 ملايين قاعدة بيانات، أكثر من 2.1 ملف بي دي إف، وأكثر من 1.11 مليون صورة ونحو 320 ألف وثيقة نصية، قام ICIJ بدوره بالتشاور مع أعضائه، من بينهم مؤسسة أريج للصحافة الاستقصائية العربية.
11.5 مليون وثيقة مسرّبة من شركة موساك فونسيكا، وهيشركة محاماة تقع في جمهورية بنما، إحدى دول وسط أميركا الجنوبية، مهمتها تقديم خدمات تأسيس شركات في المناطق ذات الضرائب المنخفضة أو التي لا تطلب ضرائب "الملاذات الضريبية" مثل سويسرا، قبرص وجزر العذراء البريطانية، وفي مناطق التاج البريطاني مثل جيرنسي، جيرسي وجزيرة مان.
عادةً ما يلجأ إلى هذه الشركات أصحاب الأموال في البلدان التي تفرض ضرائب عالية، أو من يخشون على أموالهم في بلدان مليئة بالمافيات، ولكن، هناك من يلجأ لهذه المكاتب لتغطية حجم ممتلكاته أو لإخفاء الأعمال غير المشروعة التي يقوم بها.
صحفيون من حول العالم يحققون في وثائق بنما
التقت شبكة الصحفيين الدوليين مدير فريق وحدة الصحافة الاستقصائية في راديو البلد وموقع عمّان نت الصحفي مصعب الشوابكة من الأردن، أحد الصحفيين المشاركين بحملة التحقيق في وثائق بنما المسرّبة منذ عام 1977 ولغاية عام 2015، والتي تعد أضخم عملية تسريبات في العالم.
تحدث الشوابكة مع شبكة الصحفيين الدوليين عن آلية العمل التي تم الاتفاق عليها بين ICIJ والمؤسسات الإعلامية المشاركة من حول العالم، وكيف انطلق بعد ذلك الصحفيون برحلة بحثهم وتقصّيهم للوثائق التي تسرّبت إليهم:
1-تسليم الصحيفة الألمانية للوثائق التي وصلتها من مجهول مطلع عام 2015 إلى ICIJ.
2-تبنّي ICIJ الموضوع وطلب الاجتماع بـ 110 صحفيين حول العالم.
3-اختيار الصحفيين بناءً على شروط معينة، من ضمنها مهنيتهم وانخراطهم بالعمل الاستقصائي في بلدانهم.
4-وصل عدد الصحفيين المشاركين فيما بعد لـ 370 صحفياً من 100 مؤسسة إعلامية في 80 دولة.
5-عُقدت الاجتماعات والاتفاقات بشكل سري للغاية.
6-استلم الصحفيون الوثائق المتعلقة ببلدانهم، وانطلقوا بشكل سري في عملية البحث والتحقق من صحة ما ورد في الوثائق وما إن كانت فعلاً تدين أصحابها.
7-يوجد منصة إلكترونية سرية يتبادل عليها الصحفيون المعلومات، ويضعون عليها كل ما يتوصلون إليه، كما يبقون على تواصل من خلالها مع ICIJ.
8-حدّد ICIJ ساعة بتاريخ معيّن لبدء النشر والبث فيه.
9-ما تم نشره وبثه حتى الآن ليس إلا آلاف من الوثائق، وعلى مدار الأشهر القادمة سيتم نشر وبث المزيد من الوثائق التي تم التحقيق فيها.
10-يوجد دول، كالسعودية مثلاً، لم يكن فيها مندوبين، فتعامل مع قضاياها مركز ICIJ بشكل مباشر.
11-لجأ الصحفيون في كافة تحقيقاتهم إلى اتباع قانون حق الرد، حيث توجهوا إلى المتهمين وطالبوهم بتبرير ما تم إثباته ضدهم.
التأكد من مصداقية الوثائق
يقول الشوابكة إن الحجم الهائل للوثائق التي وصلت يدل على عدم تزييفها، فقد وصلت بتسلسل رقمي وزمني يصعب تلفيقه، كما أنها احتوت على تواقيع واضحة يمكن التأكد من صحتها بكل سهولة، ومع ذلك، يؤكد الشوابكة على أن تسريب الوثائق وحده لا يكفي للإدانة، بل يتبع ذلك جهد إستقصائي كبير، يتم خلاله التأكد من صحة الوثيقة والتقصي لإظهار ما إذا كان هنالك إدانة من ورائها، فليس بالضرورة أن تكون جميع الأسماء المذكورة بالوثائق مدانة.وحول هوية الشخص الذي سرّب الوثائق، يقول الشوابكة إنه هذا ليس مهماً دائماً للصحفي، فالأهم أن هذه التسريبات صحيحة وتكشف فساداً.
فردوس خالد شاهين المجهول، هو التحقيق الذي قام به الشوابكة وعماد الرواشدة من الأردن، كشف عن ملابسات تتعلق باستثمارات رجل الأعمال الأردني خالد شاهين داخل البلاد وعلاقتها بنحو 26 شركة مسجلة في ثلاثة ملاذات ضريبية آمنة حول العالم، وكيف دخلت بعض هذه الشركات في عطاءات حكومية رئيسية مثل توسعة مصفاة البترول، وجر مياه الديسي، التي أثبتت الأولى لاحقاً تورط عدد من مسؤولين في الدولة الأردنية في الملف.
وكشف التحقيق عبر تتبّع الشركات التي يساهم فيها شاهين داخل وخارج البلاد عن الأسلوب الذي يعتمده لتجنب دفع جزء من ضرائبه بطريقة قانونية وتحويلها خارج البلاد.
تقوم الفكرة على تأسيس شركة داخل الأردن وتوزيع أجزاء بسيطة من أسهمها على المالكين المصرح بأسمائهم في السجل التجاري، فيما تسجل حصة الأسد من تلك الأسهم باسم شركة مسجلة في ملاذ ضريبي آمن خارج البلاد، يضمن عدم الكشف عن هوية المالك الحقيقي.
ردود أفعال دول العالم والدول العربية حول الوثائق
اختلفت ردود الأفعال حول العالم بخصوص الوثائق، ففي حين قامت سلطات الضرائب في أستراليا ونيوزيلندا بتحرّي أمر عملاء محليين لمؤسسة قانونية وردت أسماؤهم في التسريبات، تم فصل الصحفي العراقي منتظر ناصر بعد نشر تحقيقه عن فساد رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي.
وبينما قدّم رئيس وزراء آيسلندا ديفيد سيغموندور غونلوغسون استقالته على إثر تورطه بمخالفات مالية بحسبة وثائق بنما،رفضت الجزائر منح تأشيرة دخول لصحفي فرنسي بسبب مشاركته بتسريبات بنما وتناوله موضوع الجزائر.
بالمقابل، كانت تونس، الدولة العربية الأولى التي تحقق في وثائق بنما، في وقت اعترف فيه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأنه أخطأ بطريقة تعاطيه مع وثائق بنما، وقال إنه سينشر عائداته الضريبية للعام الحالي والأعوام الماضية.
فيما طالبت المجموعة العربية الاستشارية للشفافية الحكومات العربية بفتح تحقيقات فورية حول تسريبات بنما.
وحول ردود الأفعال هذه، يقول الشوابكة إننا للأسف نعمل في ظل حكومات غير صديقة للإعلام، فبدل أن تتحرك بحملات قضائية، اكتفت بالتجاهل أو الإنكار.


*تجدون التقرير كذلك على الموقع الإلكتروني لشبكة الصحفيين الدوليين ijnet:

Wednesday 13 April 2016

الأطفال في عزلة الحواسيب اللوحية

ما إن دخلت سارة (22 عاماً) أحد المطاعم الشهيرة في عمّان برفقة شقيقها الذي يصغرها بعشرة أعوام حتى عاد بها الزمن إلى أيام طفولتها، لتقارن بين طفولة جيلها وطفولة جيل أخيها.

تقول سارة "في الماضي كانت الألعاب الجماعية التي توفرها المطاعم أو الموجودة في الحدائق العامة تجمعنا بأبناء جيلنا، لنلعب معا بمرح كأننا نعرف بعضنا منذ زمن، لكنني الآن لم أعد ألحظ أي طابع جماعي في ألعاب الأطفال، إنهم يميلون إلى العزلة والهدوء، فبأيديهم أجهزة لوحية تكفيهم وتغنيهم".

وتضيف "حتى أن أحد المطاعم وفّر -بالإضافة إلى الألعاب التقليدية- قسماً خاصاً بالأجهزة اللوحية، التي جذبت أنظار الأطفال إليها، وأسهمت في ترك الألعاب التقليدية فارغة".

يشبّه المستشار الاجتماعي سيد الرطروط التغيرات التي طرأت على تصرفات الأطفال بالعدوى التي وصلتهم من أسرهم.

حيث يقول إن منظومة التواصل بين الأهل وأبنائهم تراجعت بسبب التطور التكنولوجي الذي طال الجميع، مما جعل الأطفال يجدون أجهزة جديدة تغنيهم عن أهاليهم المشغولين عنهم بأجهزة شبيهة.

في المطعم ذاته، التقت مجلة الجزيرة أسماء (العشرينية) التي كافأت ابنتيها (خمسة أعوام وثمانية) بإحضارهما لتناول وجبات الطعام التي يحبانها، ومن ثم اللعب على الأجهزة اللوحية التي يوفرها المطعم.

تقول أسماء إنها تحاول قدر المستطاع تقليل فترة لعب ابنتيها على الأجهزة اللوحية، لأن انغماسهما في اللعب عليها يزيد انطواءهما وتحولهما إلى فتاتين عدائيتين في حال غيابها.

منى (33 عاماً) أم لثلاثة أطفال، لاحظت كذلك انجذاب أبنائها إلى الأجهزة اللوحية أكثر من أي لعبة تقليدية أخرى، الأمر الذي جعلهم يجهلون كيفية اللعب الجماعي.

تقول منى "للأجهزة اللوحية أثر إيجابي كبير على الرغم من السلبيات الكثيرة التي تحيط بها وتؤثر على أطفالنا"، حيث لاحظت أن هذه الأجهزة ساعدت في تنمية إدراك أطفالها في وقت مبكر لم يكن ليحدث مع أطفال من أجيال سابقة، كما أنها ساعدت في منح أطفالها قسطاً من الهدوء.

يؤكد ذلك الرطروط، حيث يقول إن الأجهزة اللوحية تزيد ذكاء الأطفال ومدى تفاعلهم، لكنه يصرّ على ضرورة رقابة الأهل على جميع حركات الأطفال عليها.

وهذا ما أكدته منى التي تحافظ على متابعة ما يفعله أطفالها، وتخصيص ساعات محددة لاستخدام هذه الأجهزة، كي لا تتحول إلى إدمان وتؤثر سلباً عليهم، وليكون لديهم وقت آخر للعب التقليدي وممارسة حياتهم الطبيعية.

وفي ما إن كان استخدام هذه الأجهزة يزيد مستويات العدائية لدى الأطفال، تقول منى "لاحظت على ابني الأكبر بعض التصرفات العدائية، وهذا يعود إلى نوعية الألعاب
والبرامج التي يختارها، فهو يحب اللعب بالديناصورات كثيراً، الأمر الذي يجعله يطبق حركاتها على إخوته الأصغر بمجرد تركه جهازه اللوحي".

مضيفة "بشكل عام، تزيد نسبة العنف عند كافة أبنائي إن زادت فترة جلوسهم على الأجهزة اللوحية أو إن غابت عنهم كلياً، لذلك أحاول تخصيص وقت محدد لاستخدام هذه الأجهزة وتعويدهم على عدم التعلق بها وخلق بدائل كثيرة لهم".

من خلال تجربة الثلاثينية حنان مع أبنائها، لاحظت وجود الكثير من الألعاب غير المدروسة التي تعتمد على العنف أو السرعة المبالغة لتخطي مراحلها، مما قد يؤثر بشكل سلبي على قدرات الأطفال ويفقدهم التركيز في ما حولهم.

تقول حنان "أحاول إبعاد أطفالي عن الألعاب المضرة، لكنهم بشكل أو بآخر يلعبونها"، مضيفة "ابني (سبعة أعوام) يصرّ على تحميل ألعاب العنف، فهو متعلق بها بشكل لا يوصف، الأمر الذي جعلني بعد فترة من لعبه ألاحظ تغيراً على أسلوبه في التعامل مع أخيه الأصغر (خمسة أعوام)، حيث أصبح يميل إلى الضرب خلال لعبه معه، وإلى فعل حركات غريبة في الهواء مع إطلاق تسميات غريبة لكل حركة".

بالإضافة إلى ذلك -تقول حنان- إن هذه الأجهزة أفقدت الأطفال بشكل عام قدراتهم على التواصل والتحاور مع بعضهم ومع من حولهم، حيث جعلت مستوى ذكائهم الاجتماعي يتدنى، وجعلتهم يميلون إلى الانفراد خلال لعبهم.

وتواصل حديثها "كان أبنائي وأولاد عمومتهم يلعبون معاً باستمرار، لكنهم أصبحوا الآن يجلسون معا دون أي تواصل، ففي يد كل واحد منهم جهازه اللوحي، الذي حرمهم من متعة التواصل وتبادل الخبرات". و"أعمل جاهدة على إبعاد أطفالي عن هذه الأجهزة، لكن التحدي صعب وكبير في ظل انتشارها الواسع وسحرها عليهم".

وفي هذا الخصوص، يقول الرطروط إن الأجهزة اللوحية سلاح ذو حدين؛ فهي قادرة على رفع مستويات الذكاء لدى الطفل، وتدميره ورفع مستويات العدائية لديه أيضا، وذلك يعود لرقابة الأهل، ومراقبة سلوكه الناجم عن استخدامها لدراسة أسبابه ومعالجته.


وفي ظل الانتشار الواسع للأجهزة اللوحية بين الأطفال، يبقى السؤال الأهم الذي لا بد من الالتفات إليه هو: هل ستغير هذه الأجهزة فطرة الأطفال التي كانت تجري خلف كرة القدم أو تنطلق إلى الأرجوحة أو تختار لعبة جماعية "كالاستغماية" بفطرة ميّالة إلى الوحدة وبعيدة عن روح الجماعة؟



*تجدون التقرير كذلك على الموقع الإلكتروني للجزيرة نت:

Monday 21 March 2016

تسقيع الزبون - أحد الأساليب التي نصح بها يسري فودة لمقابلة ناجحة

من بحث واستقصاء "سرّي للغاية" إلى لقاءات تنقلنا لـ "آخر كلام" وتوصلنا إلى الخلاصة، يكشف يسري فودة، رائد الصحافة الاستقصائية في العالم العربي، الستار عن أهم سمات الصحفي الاستقصائي وينقل تجربته في إجراء المقابلات الصحفية مع أنماط مختلفة من المصادر ويعرّف بالتقنيات الأنجح لاستخدامها، من لحظة اختيار الملابس المناسبة للمقابلة إلى العودة بصيد ثمين بعد إجرائها.
إنضم لنا في هذه الرحلة الممتعة والغنية التي تنقلها لكم شبكة الصحفيين الدوليين من إحدى ورشات مؤتمر أريج الثامن للاستقصائيين العرب.
بدأ فودة ورشته بالتعريف بأنواع المصادر التي ستحتاج لمقابلتها
1- المتعاطف: هو "نافخ الصفّارة"، الشخص الذي يريد الإخبار عن مشكلة يصعب عليه إيصالها للمسؤولين؛ في كثيرٍ من الأحيان يكون هو نفسه من نبّه الصحفي بفكرة التحقيق.
2- المحايد: شخص يريد التحدث لكنه خائف أو متردد، مع الوقت وبعض المهارات سيصبح أكثر شجاعة للحديث.
3- غير المتعاطف: يمثّل الجهات الحكومية في أغلب الأحيان، وفي السطور القادمة ستتعرّف على كيفية التعامل معه. إبدأ بتصنيف مصادرك حسب الأنواع السابقة لتسهّل على نفسك عملية التحضير لمقابلتها، حيث ستكون أكثر تفهماً لحاجاتها وحالتها.
التواصل غير اللفظي
ذكر فودة نوعين من التواصل، اللفظي وغير اللفظي، لكنه شدّد على أهمية التواصل غير اللفظي مع المصدر، كلغة الجسد، مكان اللقاء وكيفية الجلسة التي ستتخذها أنت ومصدرك.
إن أتقنت استخدام هذا النوع من التواصل ستنجح بالخروج بمقابلة صحفية مميّزة، فقد استطعت باستخدامه من قراءة مصدرك جيداً ومن كسبه بطريقة غير مباشرة.
عرض فودة أسلوبه قبل، خلال وبعد إجراء المقابلات، ومنه كانت هذه النصائح:
1- ارتدي الملابس التي تشعرك بالراحة، ولكن، كُن ذكياً عند اختيارها، بحيث تكون مقبولاً إجتماعياً.
2- كيّف نفسك لتتأقلم مع طباع مصادرك ومواعيدهم.
3- إتصل بمصدرك قبل وقت من موعد المقابلة لتذكيره بالموعد والتأكيد عليه
4- كُن في موقع المقابلة قبل الموعد بوقت كافٍ لتكون على أهبّة الاستعداد
5- إفتح مواضيع تثير قابلية مصدرك للتحدث.
6- أصمت لتسمع مصدرك جيداً، واصمت كذلك لتجعل بعض الأحداث تعرض نفسها بنفسها.
7- ألقي بأول 15 دقيقة إلى سلة المهملات، فتكمن أهمية هذه الدقائق بإخراج المقابَل من حالة اللاوعي التي تحدث بسبب الأشخاص الجدد والمكان، هيبة الكاميرا، الأضواء أو المسجلات الصوتية، كما تكون هذه الفترة كافية لكسر حاجز التقاء العيون.
8- كُن مقتصداً بالتعامل مع الحقيقة، أو بمعنى آخر "اعرف كيف تكذب" حين تتعامل مع المصادر وغيرهم، مثلاً: إن تمت مواجهتك بأمر، أزعجهم خلال اللقاء وكُن ذكياً بإخراج نفسك من المسؤولية بإجابات مثل "حضرتك لم تبدي إنزعاجاً من البداية".
9- إحرص دائماً على أن تكون مواضيعك التي تطرحها مناسبة لسياق الزمان والمكان، من هنا تكمن براعتك ويظهر تميّزك، بمعنى آخر، تبنّى تعريف الجاحظ للبلاغة "مناسبة المقال لمقتضى الحال".
10- فكّر بنوع مقابلتك، هل هي مكتوبة أم تلفزيونية؟ وإن كانت تلفزيونية، هل هي مباشرة أم مسجلة؟ يجب أن تفكر جيداً بهذه الأمور وبناءً عليها تبحث عن أفضل الطرق للخروج بمقابلة ناجحة وغنية.
11- إن كنت ستقابل مسؤولاً، فاحرص على ألا تقابله وهو جالس على مكتبه، فهذه الجلسة المتعالية ستؤثر عليك وعلى الجمهور نفسياً وذهنياً، حاول بطريقة ذكية وبأسلوب لطيف تغيير مكان جلوسه لتكونا على تساوٍ.
12- إبحث عن المشتركات بين إجابات مصادرك واربطها ببعضها البعض، هكذا قد تستطيع الخروج بكثير من الحقائق والخفايا التي تبحث عنها.
13- إبقَ محايداً، مهما عرفت عن المصدر.
14- مسؤوليتك كصحفي حماية مصادرك، مهما كانت المخاطر التي ستتعرض لها.
دروس مستفادة من الورشة
ضرورة كتابة الأسئلة التي ستواجه بها مصدرك
لا داعي لكتابة الأسئلة والاعتماد عليها في المقابلات، فالأسئلة ستقيّدك وستصعّب عليك عملية المتابعة مع الضيف وطرح الأسئلة الجديدة التي قد يلهمك حديثه لها، فتركيزك كله متمحور حول قراءة الأسئلة التي حضّرت لها. لذلك، كل ما عليك فعله هو التحضير الجيد لكافة محاور المقابلة وإيقاظ كافة حواسك خلالها، يجب أن تكون يقظاً وبكامل تركيزك على أبسط الحركات والتمتمات، حينها ستخرج بالأسئلة المناسبة.
المفتاح الأفضل لجعل المصدر يتحدث أن تدخل عليه من باب "جلب المنفعة أو درء المضرة".
في حين لم يتجاوب معك المصدر
اتّبع أسلوب "تسقيع الزبون"، أي مسايسة المصدر والصبر عليه حتى تُخرج منه ما تريده.
التعامل مع المصادر التي تنظر للصحافة على أنها وسيلة تعبوية لا علاقة لها بالرقابة والمحاسبة.
غذّي شخصية هذا المصدر برفع معنوياته وجعله يشعر بالغرور، مثلاً، أظهر له جهلك بالموضوع الذي تحتاج معلومات عنه، وحاجتك للفهم منه، فهو العليم والخبير بخفاياه، حينها ستستفزه ليتحدث.
إمكانية خوض الصحفي بأمور ضد القانون
إذا كنت تمتلك الأدلة، تخبئ حسن النية وتسعى للصالح العام فلا بأس بذلك، ولكن، ادرس الموضوع من كافة الجوانب وكُن على دراية كاملة بقوانين البلد التي تعمل فيها، وتذكر دائماً أن ما لا يُدرك كله لا يُترك كله، فإن شعرت بصعوبة أو استحالة المغامرة، حاول إيصال ما تريده بأقل المخاطر الممكنة، المهم أن لا تترك الموضوع يموت.
ختم فودة بعبارة "يا رب أن لا أكون السبب بكلمة تبرّئ مذنب أو تدين بريء"، وهي بدون أدنى شك، الدرس الأهم الذي نحتاجه في عملنا كصحفيين.
عُقد مؤتمر أريج السنوي الثامن للصحفيين الاستقصائيين العرب مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2015 في العاصمة الأردنية عمّان.

*تجدون التقرير كذلك على الموقع الإلكتروني لشبكة الصحفيين الدوليين ijnet:

Sunday 14 February 2016

أجّل مهمة التوثيق وابدأ بسرد الحكاية

"ما دمنا نميل إلى القصص بالفطرة، فلماذا نتجنب استخدامها في عملنا الصحفي؟" بهذا السؤال افتتح جوليان شير، كبير الصحفيين الاستقصائيين والمنتجين في قناة سي بي سي الكندية ورشته التدريبية في مؤتمر أريج الثامن للاستقصائيين العرب، ليذكّر الصحفيين بأن السرد القصصي بكافة عناصره هو الأسلوب الأفضل والأقوى لنجاح أي عمل صحفي ولبقائه على قيد الحياة أطول مدة ممكنة.
فيما يلي عرض لما تناولته الورشة من مبادئ ومهارات تساعد على إتقان السرد القصصي:
عناصر السرد القصصي
- الشخصيات
- المشاعر
- الحبكة والصراع
- البداية، المنتصف والنهاية

كل رحلة إستقصائية متكاملة مبنية على حروف C الأربعة
1- Character/ الشخصية
وصف عنها، الدخول بتفاصيل تظهر حالتها والبحث عن شيء بارز فيها.
2- Context/ السياق
البدء بالشخص ثم وصف مكانه ووضعه والزمان وأين هو وما هي حالته... الخ.
3- Conflict/ الصراع
إن لم يكن هناك صراع فلا يوجد معنى للقصة.
4- Conclusion/ الخاتمة
لا بد من وجود خاتمة تلخّص النتائج ويظهر فيها نوع من المساءلة.
لتتأكد من أنك استوفيت كافة النقاط السابقة، حضّر 4 أوراق قبل البدء بالعمل، وخصّص كل ورقة لنقطة، بحيث تسجّل عليها كل ما يخصها، أولاً بأول.

كيف تبني هيكلية قصتك الصحفية؟
1- المقدمة/ الافتتاحية
يجب أن تحتوي على جمل تشدّ القارئ/ المشاهد وتقوده إلى الحكاية بكل إثارة.
2- تفاصيل واقتباسات
شدّ الانتباه أكثر عن طريق الدخول بالتفاصيل وجلب الاقتباسات.
3- تلخيص الأحداث
ذكر صلب الموضوع/ المحتوى الأساسي وتوضيح أسباب أهمية متابعة القصة.
4- تصاعد الأحداث
الإخبار عن تبعات القصة وسرد باقي تفاصيلها.

ما يضيف أهمية للقصة الصحفية
1- الذروة وتصاعد الأحداث.
2- الدخول بالتفاصيل، بحيث يشعر القارئ أو المشاهد بأنه جزء من الحدث/ أن تملأ القصة كافة حواسه.
3- عنصر المفاجأة، وهو أمر هام جداً ويغيب عن معظم الصحفيين، بحكم الطابع الجدي الذي يغلب على طريقة تعاملهم مع الأحداث.
4- إدخال حس الفكاهة في بعض الحالات.
5- الحرص على وجود نوعين من الشخصيات (أبطال الحكاية والأشرار الذين يسببون لهم المشاكل).
6- معرفة ما يشدّ انتباه القارئ/ المشاهد والبدء به.

ما يجعل القصة الصحفية جيدة
1- وجود شخصيات مثيرة والتركيز عليها، أعِد شخصياتك للحياة إن كانت متوفاة.
2- اختلاف الشخصيات خلال السرد، يجب أن يكون للقصة أكثر من طرف، طرف مؤثر وآخر يحدث له (متلقي)/ فعل وردة فعل.
3- إبقاء الشخصية طيلة القصة الصحفية، حيث يقع كثير من الصحفيين بفخ قتل الشخصية، يذكرونها في البداية ثم ينسونها، مع العلم أن إبقاءها سيجعل القصة واقعية أكثر وسيحافظ على عنصر المفاجأة.
4- بناء القصة الصحفية كرحلة تحرّكها شخصياتها ومتابعة الشخصيات بكافة تفاصيلها.
5- أن تكون الحبكة مثيرة ومفاجئة.
6- أن يكون السرد واضح ومفهوم/ استخدام لغة بسيطة.
7- الدخول بكافة التفاصيل، كأنك تسرد لطفل صغير.
8- لا بد من وجود عنصر المساءلة والتحقيق.
9- الحفاظ على أسلوب السرد القصصي، ولكن، لا تنسَ أنك كصحفي تهدف بنهاية عملك إلى إيجاد الغضب والصدمة.
10- لا تكن بطل السرد، اجعل شخصياتك، بمختلف أطيافها، تسرد القصة الصحفية.
11- استخدام كلمات مثل (بينما، لكن، في، ... الخ) لإعلام وتأهيب القارئ/ المشاهد بأن الموضوع تغيّر.

أيهما أفضل، البحث ثم الكتابة أم العكس؟
ينصح شير بالبدء بسرد الحكاية التي وصلتك ثم البحث عن إمتداداتها ومسبباتها.

أيهما أقوى، البدء بالنتيجة أم الحفاظ على عنصر المفاجأة؟
يؤكد شير على ضرورة إبقاء عنصر المفاجأة طيلة القصة الصحفية، وبناءً على ذلك، فضّل عدم ذكر النتائج التي توصّل لها تحقيقك في البداية. لكن هل هذا ممكن؟ بهذا السؤال علّق أحد المشاركين، فأجاب بأنك قد لا تستطيع دوماً فعل ذلك، فهناك أحداث توجب عليك البدء بنتائجها، لكنك تستطيع مفاجأة القارئ/ المشاهد باستمرار، الحكاية باختصار، بأن لا تفاجئه بشكل كامل في البداية، أعطِه نصف المفاجأة وادفعه ليكمل الحكاية.   
هكذا ستخرج بتحقيق استقصائي مشوّق وستطبع بصمتك في أذهان القراء/ المشاهدين.

كانت هذه أهم المقتطفات من ورشة عمل جوليان شير التي عُقدت في مؤتمر أريج السنوي الثامن للصحفيين الاستقصائيين العرب مطلع كانون الأول/ ديسمبر/ 2015 في العاصمة الأردنية عمّان.
الصورة من تصوير مروة العقاد أثناء حضورها المؤتمر.


*تجدون التقرير كذلك على الموقع الإلكتروني لشبكة الصحفيين الدوليين ijnet: