Wednesday 15 May 2013

في ذكرى النكبة




فلسطين تستحقُ الحياة،

وتستحقُ أن تسيطرَ على روحنا
ووجداننا وذاكرتنا المتوارثة،
وهذا أقلُّ الانتماء..

سنغني لـفلسطين باستمرار،
وسنُبقي خارطتها على جدران منازلنا،
سنتحدثُ عن تاريخها لأبنائنا،
وسنَطْمَئنُ بين فترة وأخرى على مفاتيح ديارنا
ديارنا التي اشتاقتنا،
وسنُحَرّضُ دوماً
على الجهاد 
من أجل العودة..

لن نُحَرّضَ ضد بلدٍ عربيٍ يأوينا،
وإنما ضد عدُوٍ شرّد الآلاف منا..

يا وطني العربي الذي يستضيفني؛
أعشقُك وأحنُّ كلّ يومٍ لوطني،
أفخرُ بكَ وأحاربُ من أجل وطني،
أعيشُ بكَ وأعملُ لأجلك،
ويعيشُ داخلي وطني الذي ينتظرُ عودتي..



Tuesday 2 April 2013

عمّان تجمعُ ابنَتَي العم بعد ربع قرنٍ من الفراق


إصلاح نيوز - عمان - بهمّةٍ لا تعرفُ الكَلَل، ولا تعترفُ بالمَلَل، تواصلُ الأربعينيةُ “أم مراد”، التي تقطنُ في أحد منازل تلاع العلي، في عمان، رحلتها بالبحث عن كل قريبٍ أبعدتهُ عنها الغربة، فمنذُ طفولتها لَم تستقر يوماً في وطنها، حيث كان والدها يعملُ بالخارج، كحالِ كثيرٍ من أبناءِ عائلتها، الذين تفرقوا على أنحاء العالم، إمّا لدراسةٍ، أو لعملٍ يُحسّنُ من أوضاعهم المعيشية، وقد يكون الرحيلُ كذلك تفادياً لنظامٍ عُرِف بالبطش والاستبداد.
     تقول أم مراد “أفراد عائلتي مُتفرقين، ولا سبب لذلك سوى الغُربة، التي باعدت بيننا، وشغلتنا عن رحمنا، فلَم نَعتد كغيرنا وطناً يجمعُنا، ويُشعرنا بدفء العائلة وأُلفَتِها”.
     قد يتبادر إلى الأذهان أنّ أم مراد فلسطينةٌ أجبرتها قسوة الاحتلال إلى ترك وطنها، فهذا هو الشعب الذي اشتُهر بالشّتات، لكن؛ وكما يُبينُ الواقع، فالشتات هو حالُ السّواد الأعظم من شعوب العرب! حيثُ يقبعُ الظلمُ، والفقرُ، وأمورٌ أخرى.
     استقرت أم مراد، قبل حوالي العام في عمّان، مدينة الأمن والأمان، بعد فترةٍ طويلةٍ من الترحال، بدأتها مع والدها سوريّ الأصل، وأكملتها مع زوجها أردنيّ الجنسية، فوجدت الراحة والرّخاء، يُحيطُ بها أبناؤها، وأهلُ زوجها.
     لكنّ شعوراً بالوحدة بَقِي يُلازمُها، فأين هُم إخوتُها؟ وأين هُم أبناءُ عُمومَتها في هذه المدينة المُكتظّة؟ لَم تكُن تعرف عنهم الكثير، ولَم تكُن تتواصل معهم إلاّ من خلال اتصالاتها التي تواظبُ عليها بين الفترة والأخرى، وحين تقابلهم في زياراتٍ متواضعةٍ إلى وطنها.
     وفي يومٍ كانت تتجولُ فيه أم مراد بين المحال، دخلت إحداها لتفاجأ ببائعةٍ قريبةٍ منها باللهجة، ومن حديثٍ سريعٍ دار بينهما، تبيّن لها أنّ إحدى بنات عمّها وعائلتها تقطن في أحد أحياء عمّان، وأنّ بينها وبين هذه البائعة قرابة، فسجّلت أم مراد رقم ابنة عمّها، بنيّة وصلها، وإعادة ذكريات الطفولة بينهما، التي كانت تحدث منذ سنين طويلة، في عطلات الصيف، حين تجتمع العائلات في الوطن، ولبناء علاقةٍ جديدةٍ كان لا بُدّ من وجودها منذ زمن.
     ”ستجمعُني مدينةُ عمّان بأحد أقاربي من جديد، وهذه ليست المرة الأولى التي ألتقي بها أحدهم في عمّان، حيث اعتدتُ من هذه المدينة لقاءَ الأحبّة باستمرار”، بهذه الكلمات عبّرت أم مراد عن مشاعرها حين علمت بوجود ابنة عمها، التي كانت قد التقتها آخر مرةٍ، قبل حوالي ربع قرن!
     اتصلت أم مراد بابنة عمّها، لكن ابنة العم لَم تعرف هويّة المُتصِل إلاّ بعد أن أخبرتها أم مراد أن اسمها يطابقُ اسمَ جدتهما المشتركة.
     ”شعرتُ بسعادةٍ غريبةٍ حين حدّثتني أم مراد، خاصّة حين علمتُ بإقامتها في المدينة التي أقطنها، فعائلتُنا مُتفرقةٌ بطبعها، وهذا أمرٌ لطالما أحزنني”، هكذا وصفت ابنةُ العم شعورَها أثناء المكالمة، وأضافت “استذكرتُ خلال حديثنا أيّام الماضي، وشعرتُ بالحنين لها، فاتفقنا على موعدٍ نلتقي به، لنَصِلَ رَحْمَنا من جديد”.
     بالفعل؛ التقتا ابنتا العم، وأكثرُ ما كان يشغلُ فِكرَهُما، كيف ستكونُ هيئةُ كلٍّ منهُما، لكنّهُما تعرفتا على بعضهما من النّظرة الأولى، فالدّمُ الذي يَسْري في عروقهما واحدٌ، بحسبِ أمّ مراد.
     تعدّدت اللقاءاتُ بين ابنَتَي العم بعد ذلك، وتعرّفت عائلةُ كلٍّ منهُما على الأخرى، وسُرعانَ ما تمّ التآلُفُ بين العائلتين، حيثُ تقولُ أم مراد “زياراتُنا الأولى حملت طابَع التلقائية، فتعاملنا مع بعضنا كصديقتَين لم يمضِ أيّامٌ على آخر لقاءٍ جمعهُما، ولَم نشعر خلال الأحاديثِ التي تبادلناها؛ بالبعد الذي أرغمتنا عليه الغربة”، تؤكدُ ذلك ابنةُ عمّها التي تقول “تملّكتني الرهبةُ قبل ساعاتٍ من لقاء أم مراد، ففكّرتُ بما قد يدور بيننا من أحاديث، وبما عليّ فعلُهُ ضيافةً لها، لكنّي بعد رؤيتها، شعرتُ براحةٍ كبيرة، وعاملتُها كأني أعرفُها منذُ زمنٍ طويل، وأنا فعلاً فخورةٌ بها، وبمُبادرتها التي جَمَعت قريبتَين فارقت بينهُما ظروفُ الحياة القاسية”.

الاثنين ٢٦\١٢\٢٠١١

* تجدون التقرير كذلك على الموقع الإلكتروني لإصلاح نيوز: 

أدرَكوهم.. فأدركناهـم.. فأدركوا ما تقرأون



إصلاح نيوز - عمان - اقتربت من المدينة الفاضلة بأجوائها، وجعلت من المصلحة الإنسانية هدفاً للبلوغ القلبي والعقلي، التفتت للبصيرة العملية، فأبقت على ضميرها حياً، فأدركت أن هناك أشخاصاً بأمس الحاجة لاحتوائنا نحن البشر المعافون.
“إدراك” هي مؤسّسةٌ خاصّة بدأت قبل ستة أعوام، بقيادة امرأة بأخلاق الرجولة، وحنان الأمومة، وبراءة الطفولة، اختصاصية التربية الخاصّة ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصّة؛ الدكتورة زينة ناقور، افتتحت مؤسسة إدراك للتربية الخاصّة في العام 2005، بهدف تقديم الخدمة المُتخصصة لكلّ طفلٍ من الممكن تنمية قدراته العقلية، بطريقة إنسانية، وأجواءٍ عائلية .. وبعد أن بدأت بـ 25 طالباً، تضم “ادراك” الآن بين احضانها 100 طالب، ستة منهم يباتون في السكن الداخلي.
وعن اسم إدراك تقول ناقور “تعمدتُ اختيار هذا الاسم، تجنباً لأسماءٍ تتداول بكثرةٍ بين السواد الأعظم من المجتمع، وللأسف هم لا يعرفون أنها تسميات جارحة للأشخاص المعوقين، ولذويهم كذلك”.
تستقبل ناقور كلَّ صباح، أطفالها في المؤسسة والعاملين فيها، بابتسامةٍ ساحرةٍ، لتعلن من خلالها عن الإخاء والصّفاء، وترسل بها المحبة والمودة للمحيطين بها، ليدُبُّ النّشاط في أوصالهم، وتعُمُّ الحيوية أرجاء المؤسسة.
تجوّل فريق “إصلاح نيوز” في أروقة المؤسسة، ففوجئ برِقِيّها، المُتمثل بأبسط الأمور، وأُعجب بكادرها المُتميز، وسُحِر بابتسامة أطفالها السعيدين رغم معاناتهم!
لَمَس الفريق أثناء تجوله صِدق مؤسسة “إدراك”، وسعيها الحثيث لإدخال الفرحة إلى قلوب الأطفال، من ذوي الاحتياجات الخاصّة وذويهم، دون مقابلٍ يُذكر.. فالإخلاص بالعمل، وحب فعل الخير؛ هما الهدف الأسمى لهذه المؤسسة، بعيداً عن النفاق والرياء، وهَوَس الكسب المادي، خاصّة أنه عملٌ مُوجّه للفئة الأصدق من البشرية، والبعيدة كلّ البعد عن الكذب والخداع، بحسب ناقور.
وتضُم المؤسسة عدة أقسام، منها؛ قسم القياس والتشخيص والمتابعة، وقسم التدريب، ويشمل خدمات التدريب النطقي واللغوي، وكلاًّ من العلاج الطبيعي، والوظيفي، والرياضي، بالإضافة إلى التأهيل والعناية الذاتية، وتضم كذلك قسم التعليم الهادف إلى تطوير القدرات العقلية، والقسم الداخلي الذي يقدم الإيواء والرعاية لمن يرغب بذلك.
وتستقبل المؤسسة الأطفال من عمر السنتين، إلى الثلاثين عاماً، ادراكا منها بوجود أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصّة بهذا العمر المتقدم، حيث يعانون من تأخرٍ بالنمو الذهني.
وتؤكد ناقور على ضرورة جلب الأطفال بعمر مبكر، حتى ليكون حل المشاكل أسهل، والتدريب على المهارات المتوفرة أنفع، فيصبح من المُتاح بعد ذلك دمجه مع غيره من الأطفال.
ومما يميز “ادراك” اتباعها لأسلوب العلاج من أجل الفرد والمجموعة، فتُخصص جلساتٍ علاجية لكل فردٍ على حدا، وجلساتٍ علاجية لمجموعة من الحالات المتقاربة في معاناتها، كما تخصص أيّاماً لدمج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصّة بالمجتمع المحلي والبيئة الطبيعية.
حققت مؤسسة إدراك، خلال الأعوام القليلة السابقة، جزءاً من الطموح الذي بدأت سعيها من أجله، وذلك بإعلاء المصلحة الإنسانية فوق كل فعل، وها هي الآن تسير في سبيل تحقيق ما تبقى منه، فبدأت مؤخراً وبالتعاون مع مركز عمان للفروسية وباشراف من معالجي المؤسسة الطبيعيين، إطلاق برنامجٍ بواسطة ركوب الخيل، الذي يُقوي الأعصاب، واستهدف 20 طفلاً من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتحديداً من أطفال التوحد والشلل الدماغي، ليكون البرنامج الأول في الأردن والعالم العربي.
ومما تتمناه ناقور لرفع إمكانيات هذه المؤسسة -خدمةً للإنسانية- أن تمتلك مبنى خاصّاً، تقدر من خلاله زيادة الخدمات المقدمة، والتحكم بنظام البناء، والتصميم، دون تدخلاتٍ من المالك.
وتطلب من الأهالي عدم الاستحياء من أطفالهم الذين يعانون من أي إعاقة، مهما كان خطرها، فصحيحٌ أنّهم مبتلون، لكنّ الفرصة أمامهم لإثبات إنسانيتهم، ولكسب الأجر من رب العالمين، إن أحسنوا معاملتهم .. راجية من المجتمع ان يتقبلهم ويحتويهم.

الخميس ١٩\٠١\٢٠١٢

* تجدون التقرير كذلك على الموقع الإلكتروني لإصلاح نيوز: 


Thursday 31 January 2013

سورية الروح



    أعجز عن تكوين رأيٍ حيال ما يحصل في سورية (أملي ونبض روحي) حُلُمي منذ الصغر! 


     هل أنحاز للأحرار، أم للنظام.. أم أستمر بالحياد وبتجاهل الدمار؟! وبالحالة الأخيرة سأكون شيطاناً أخرساً لا محال.


لكنّي حقاً غارقة بالحيرة ومتعطشة لومضة حقيقة.

     على الضفة الأولى؛ أسمعهم يشكون النظام وويلاته، يعدّونها لي، يخبروني عن مشاهداتهم لما أحدثه وعن تنبؤاتهم لما هو مقدمٌ عليه، ولا يصمت أحدهم قبل أن يخبرني عن وحشيته وفاشيته.


     وعلى الضفة الثانية؛ يخبروني عن سورية التي ضاعت، وعن الدماء التي هُدرت وعن الحياة التي توقفت، ثم يسألونني "أهكذا تُطلب الحرية؟" ويضيفون باستنكار "أتكون الحرية بتدخلٍ خارجي؟!".


     من الضفة الأولى؛ علمنا عن شابٍ اعتُقل وهو لم يُكمل بعد الـ 18 ربيعاً، ذهب لشراء ما يسدّ جوعه لكنه لم يعد إلا بعد ثلاثة أشهرٍ احترق خلالها قلب والدته وجفّت فيها روحه الفتية.


     ومن الضفة الثانية؛ احترقت قلوبنا مؤخراً على رجل في العقد الثالث من عمره، كان في طريقه إلى زوجته وأولاده، إلا أن قناصاً من الجيش الحر باغته فأفقده وعيه، وهو إلى الآن على فراش الشفاء أو الموت! لست أدري! أهله من حوله ينتظرون حركةً منه، وقلوبنا لأجله تصلي ليلاً نهاراً.

     كانت رؤيتي واضحةً في بداية الأحداث، بل كان حماس الانتفاضة يملؤني ويحركني، ما دعا كثيراً من أهلي إلى تأنيبي.

     لكنّي الآن بحيرةٍ من كل ما يحصل، سواءٌ في (سورية الروح) أو في غيرها من البلدان العربية، والصمت، رغماً عني، يقتحمني ويسيطر عليّ!

فإلى متى لستُ أدري!

     وهل يا تُرى سنفخر بحاضرنا هذا في المستقبل أم أنه سيتحول إلى ندبٍ يصعب استئصاله من بين صفحات التاريخ؟



#من وحي التأمل

Wednesday 26 December 2012

لنتوارث الذاكرة


فقط كي لا ننسى
أن احتلال الوطن هو الأقسى
وأن كامل أراضينا أغلى ما إليه نسعى
وأن السواد الأعظم في الشتات إلى يومنا هذا يشقى

     كي لا ننسى ولنتوارث الذاكرة جيلاً بعد جيل؛ أدعوكم إلى قراءة تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان "عامود السحاب واغتيال الطفولة" الذي يوثّق الدمار الذي أحدثه العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، بالفترة (14-21) تشرين الثاني/نوفمبر لهذا العام.

     ابتدأ هذا العدوان باغتيال القائد العسكري في حركة حماس أحمد الجعبري، ما دفع الفصائل الفلسطينية إلى الثأر لدم هذا البطل، ليستمر العدوان والدمار من الجانب الإسرائيلي ثمانية أيامٍ متتالية على القطاع، انهمرت خلالها أنهار من الدماء، لم تتوقف إلا بهدنة بين الطرفين تقضي بوقف تبادل النيران.

     يركّز هذا التقرير على ضحايا القطاع الأطفال الذين قتلوا خلال العدوان الأخير، حيث يوثّق حكاية 41 طفلاً غزّياً قتلوا ولم يتجاوز عمرهم الثامنة عشر! هؤلاء أطفال كانوا يرسمون مستقبلهم ويخطّطون له، كانوا يحلمون بغدٍ مختلف، غدٍ يُعيدون فيه الحق الذي سُلب من آبائهم، لكن قوّات الاحتلال قضت عليهم فاطمأن بالُها.

     هؤلاء أطفال بعمر الزهور، غابوا لكن روح النصر في داخلهم بقِيَت مرفرفة وستبقى ما دامت الذاكرة متوارثة.

     اقرؤا تقرير "عامود السحاب واغتيال الطفولة" التوثيقي واسمحوا لعبَراتكم بالانهمار، لعلّ الأرواح تتطهّر، والمقاومة تظهر، وتُثمر. وانشروه كذلك لعلّ انتشاره يكون تمهيداً لإدانة ومحاكمة قادة الاحتلال ومن وقف إلى جانبهم.



Monday 26 November 2012

هذيان على هامش الدمع




     هي كذلك أرهقها الضغط، وأخمد طموحها، وأحال حياتها إلى كسلٍ ومللٍ وخمول، لكنها لم تكُن تُلقي بالاً لذلك، كانت سعيدة بما تُقدّم، فخورة بما تُنجز، متعطّشة لتنهل مزيداً من المجهول، ممنّيةً نفسها بتحسين الأحوال، وبتنظيم الأمور.

     كان الوقت قد حان بالنسبة لها لتبدأ حياةً جديدة، مليئةً بالإنجاز والاعتماد على الذات، وهذا ما حدث بالفعل، فالاعتماد تم والإنجاز كذلك، إلا أنه لم يكن إنجازاً كافياً بالنسبة لتطلعاتها، فقد اقتصر على أمرٍ واحد، لم تكُن تفكر به في السابق، ومع ذلك صمتت، وقررت الإكمال، وأسرّت لنفسها تواسيها "لا بأس يا روحي فلا تزالين في مقتبل العمر، والأبواب ستفتح أمامك عما قريب.. اصبري ستسعدي وستلمسي بأناملك المنال".

     لكن استخفاف بعضهم بما تُقدّم، وعدم اعترافهم بما تُنجز كانا كصفعةٍ تُوجّه لها! فهل هذا جزاء الإحسان؟! هل يُكلّفها صمتها وعدم تذمرها كل ذاك الإنكار؟! كانت تعتقد أن الصمت واحتساب الأجر هما ما ينفعان، لكن؛ يبدو أن معادلة الكون مختلفة، وأن عليها استيعابها أو فعليها السلام.

     جميعهم في ذاك اليوم اجتمعوا ليعترضوا، وهي كذلك كانت معهم، تحدثوا كثيراً، اتفقت معهم سراً في معظم أقوالهم، وكانت لها إضافات، حاولت الإلقاء بها في تلك اللحظات، لكن روحها "للمرة الألف" تؤثر الصمت على الكلام! ها هو صمتها يخونها من جديد! وبّخته بسرّها "تباً لك أيها الصمت.. متى تكفّني؟!" لكنه بقي صامتاً كعادته.

     لطالما نقلت رسائل غيرها، من أحزانٍ وشكاوى، من تمنّياتٍ وآمال، من اعتراضاتٍ واقتراحات، لكنها فاشلةٌ بنقل آرائها، أو بالإبلاغ عن أمنياتها وحاجاتها.

     لا تملك مع الغير سوى صمتٍ ودمع، وعجزٍ عن الإفصاح عما يختلج الصدر من أحزانٍ أو حتى أفراح! 

Thursday 8 November 2012

عدم وجود



هي لحظة تنعدم فيها حياة أحد المخلوقين،

وتبهت بها أرواح الشاهدين والسامعين،

لحظة لا مفرّ منها ولا توقيت لها،

تحضر فجأة،

تخطف أحدهم بقوّة

ثم تنتقل لآخر

ظنّ هذا المساء

أنه على موعدٍ مع الحياة!


قاسٍ أنت أيها الشبح،

تأتي على غفلة

فتغتال أحلام الأحبّة

وتمحو البهجة من الأفئدة

وتُفرّق الأعزّة

لتزرع الأسى والكآبة،


تأتي وتنتشلهم من الوجود

وتُلقي بهم في العدم

دون أن تفكر قليلاً

بما رسموه لمستقبلهم

أو ما رسمه لهم حاضرهم!


متى تكفّنا أيها الشبح البغيض؟!

أم أنك القدر والمصير

ونحن عليك قاسون

ومع ذلك إليك منتهون


هلاّ منحتنا أيها الشبح وقتاً؟
حتى نُرتّب أوراقنا 
ونُودّع أحبابنا
ونُلملم أغراضنا

Friday 2 November 2012

عذراً أمريكا فقلبي الصغير لا يحتمل


     سأُخربش سطراً ثم سأبدأ بالمفيد، فالموضوع أوضح وأبسط من تخصيص المقدمات كالمعتاد.. انتهى السطر وابتدأ الواقع والمنطق.

     "قلوبنا ليست مع أمريكا ومع ذلك ليست ضدها" قبل الشرح سأطرح سؤالاً وسأجيب عليه "لو كنتُ في مُصيبةٍ وطلبتُ العون من جاري الغارق في المصائب.. فهل سيكترثُ لأمري؟" الإجابة بكل واقعية "لا". سؤال آخر "لو طلب سكان إحدى العمارات في الشارع المجاور المساعدة من سكّان عمارةٍ تحترق للتخلص من لص الليل القابع في عمارتهم.. فهل سيهبّ سكان العمارة المحترقة لنجدتهم؟!" الإجابة المنطقية والواقعية كذلك "لا".


     واقع ومنطق ولا عتب على أحد، فلكلٍّ منّا انشغالاته وهمومه، لن يلتفت أحد لغيره إلاّ إن كان وضعه الاجتماعي والنفسي والاقتصادي و و و.. إلى ما لا نهاية مستقر ومعقول.


     إذاً؛ من غير الواقعي أو المنطقي أن يلتفت أحدنا إلى مُصيبة غيره إن كان في مُصيبة أعظم، ومن غير الواقعي أو المنطقي كذلك، أن نكون غارقين في المصائب، ويطلب منّا أحدهم "تقوية بعدنا الإنساني لنعرف كيف نتعامل مع الآخرين"، إلاّ إن كان يعتقد أن المدينة الفاضلة حقيقة لها وجود! فأثر الإنسانية يظهر حين نشعر بإنسانيتنا أولاً.

     لذا؛ لا عتب ولا عجب من أي عربي لم يتألم أو يتعاطف مع متضرّري إعصار ساندي، حكومةً وشعباً، وليخالفني من يشاء، سأصرّ على الوقوف إلى صف هذا العربي المسكين، الذي امتلأ قلبه حزناً وضاع صوته من كثر الأنين.

     كيف لا يئنُّ والألم والمرض والوجع تمكّنوا من محيطه بالكامل؟! بالمقابل لا أحد يحرك ساكناً، بل على العكس، الحكومة الأمريكية تضاعف بأصابعها الخفيّة منها والظاهرة حجم الدمار في محيطنا العربي، والشعب الأمريكي صامت لا يعلّق، والحجة "التكتيم الإعلامي"، فلمَ لا نسمح للعربي أن يتخذ حجةً واهيةً كهذه ويكتفي بمتابعة مصيبتهم دون أن تتأثر حياته أو نفسيته المصابة أصلاً؟! تلك النفسية التي تحتاج عصوراً حتى تبرأ من الأعاصير التي داهمتها، باختلاف إعصار ساندي الذي لن يتطلب الشفاء من آثاره النفسية والبيئية أكثر من أسابيع، أو شهوراً بأكثر تقدير، فالهدوء وراحة البال تعم تلك البلاد بشكل يجعل ساكنيها يفكرون بمصائبهم المتوقعة وبكيفية حلّها، على عكس حال بلادنا، التي يفكر ساكنيها بالوقت الذي ستتوقف فيه مصائبهم كي ينعموا بقليلٍ من الهناء والسلام، ثم إن إعصار ساندي من فعل الطبيعة الغاضبة، التي لا يستطيع أحدنا الوقوف في وجهها، وليس من تدبير البشر كما يحدث في محيطنا!

     هذا لا يعني الشماتة بما يحدث لهم، أو تمني المزيد من الدمار، فهذه ليست من شيم العربي، لكنه باختصار غير قادرٍ على إيجاد مساحة لهؤلاء في قلبه، فقلبه مكتظٌ بمصائب وطنه العربي المكلوم، قلبه مع وطنه الذي لا يقف إلى جانبه أحد، وطنه الذي يناضل لينال جرعةً من حياةٍ كريمة.

     حين تبرأ جروح وطنه وتنتعش ظروفه سيكون حينها قادراً على وهب جزء من عاطفته إلى غيره من المتضررين، هؤلاء الذين يمتلكون من الحظ الكثير بعكس حال العربي الحزين المشغول بأن يكون أو لا يكون. 





     

Monday 29 October 2012

كتاب وطن من كلمات إرثٌ للأجيال القادمة


     مضى أكثر من ثلاثة أشهر على قراءتي لكتاب "وطن من كلمات... رحلة لاجئ من المخيّم إلى الصفحة الأولى" الذي يُعد السيرة الذاتية للصحفي الفلسطيني عبدالباري عطوان، وعلى الرغم من مرور تلك الفترة؛ إلا أن صوتاً خفياً بقي يخبرني بضرورة إبقاء هذا الكتاب جانب سريري، حيث اعتدتُ وضع الكتب التي لم أُنهها بعد أو التي أرغب بمعاودة قراءتها، وبالفعل؛ عدتُ إليه قبل أيام لأراجع بعضاً مما قرأته، فأستحضر التاريخ من جديد، وأستمتع كذلك بجمال اللغة وبالأسلوب المليء بروح الدعابة.

     صحيحٌ أنه سيرة ذاتية للكاتب، لكنه استثنائي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وواقعي إلى حدٍ يجعل أحداثه مشابهة لحياة السواد الأعظم من القراء، أو معارف هؤلاء القراء، فهو سردٌ لحكاية اللجوء الفلسطيني وما تبع ذلك اللجوء من تطوراتٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ، سردٌ يختلط فيه الشخصي مع العام، وتظهرُ فيه سيرة الزمان والمكان قبل الشخص.   

     سأتحدث قليلاً عن محتوى الكتاب، وقصدتُ قليلاً لأنني لا أريد أن أنزع عليكم متعة قراءة الكتاب والتمعّن بتفاصيل التفاصيل الشيّقة في مضمونه، لكنّي سأعود قبل ذلك بالتاريخ إلى يوم توقيع هذا الكتاب الذي انتظرته بفارغ الصبر واللّهفة، وبفضول التمعّن بشخصية ذات شهرة عالمية ومحاولة استكشاف خفاياها، لم أكن أعرف الصحفي الفلسطيني عبدالباري عطوان بعمق، أو لم أكن أعرف عنه إلا أنه شخصية يتكرر حضورها على شاشات التلفزة حين تحتدم الأحداث في المنطقة، وأن والدي يستمع إليه بإمعان، ويُعجب بقدرته على الجدال والإطاحة بخصمه مهما كان، بالإضافة إلى أني زرت ذات يومٍ مكتب صحيفة القدس العربي في عمّان وتعرّفت على العاملين فيها وسمعت أقوالهم الطيبة عنه، تلك الصحيفة التي أسّسها في لندن عام 1989 ولا يزال يرأس تحريرها إلى الآن، والتي نالت نصيباً هائلاً من صفحات كتابه.

     وصلتُ إلى حيث توقيع كتابه قبل الوقت بعشر دقائق، وهذه ليست عادتي، لكن لهفة الانتظار جعلتني أتعجّل، كان توقيع الكتاب في إحدى قاعات مجمّع النقابات المهنية بالشميساني في عمّان.

     حصلتُ على نسخةٍ من كتاب "وطن من كلمات... رحلة لاجئ من المخيّم إلى الصفحة الأولى" والذهول يملؤني، فلم أتوقع أن يكون بهذا الحجم! وسرعان ما فتحت آخره لأعرف كم صفحة تنتظرني، ثم أغلقت الكتاب ونظري يتجه إلى الأعلى وسؤال يشغل ذهني "هل أنا مستعدة لقراءة سيرة ذاتية مكوّنة من حوالي 500 صفحة؟ أم أتركها للمهتمين بها وأعود لقراءاتي البسيطة؟" ولأنني اعتدت إنهاء كل ما أبدأ به، قررتُ أخذ الكتاب وقراءته وبكامل التركيز والإصرار.

     بعد عناءٍ وجدتُ مقعداً لي في القاعة، فتمسّكتُ به بكل قوتي، حيثُ كان واضحاً أن عدداً لا بأس به من الحضور سيستمع إلى عطوان واقفاً، وهذا ما لم أكُن أريده بتلك اللحظات، بدأتُ أتفحص الحضور الذي لم يتوقف تدفقه حتى بعد حوالي 15 دقيقة من بدء عطوان بالحديث، كان من بينهم وجوهاً صحفية مألوفة، جاء بعضها للاستماع إلى هذه الشخصية الصحفية المثيرة للجدل، والبعض الآخر جاء للكتابة عنها، ورجالاً ونساءً يبدو أنهم مهتمين بالسياسة وبالجانب الفلسطيني منها على وجه الخصوص، وأفراداً شعرتُ أنهم من أقارب عطوان، بالإضافة إلى عددٍ لا بأس به من أبناء المخيّمات الفلسطينية الذين خصّهم عطوان في كتابه.

     على الرغم من الصعوبة التي عانيتُها إلا أنّي كنتُ مصرّة على أن أقابل هذه الشخصية عن قرب وأن أحدّثها وأحصل على توقيعها، وبالفعل هذا ما حدث في ختام حفل توقيع الكتاب الذي كان مليئاً بالحكايات الممتعة، حيث حصلت على إهداءٍ خاصٍ خطّه عطوان على مرأى من عيني، حدث ذلك بعد لحظاتٍ طويلةٍ من الانتظار مع طابورٍ من المعجبين وعدساتٍ للمصورين.

     إذاً؛ بدأتُ الإبحار في هذا الكتاب الضخم، الذي كُتب بالإنجليزية ثم تُرجم إلى العربية، ومع ذلك بقي محتفظاً بأسلوب عطوان الذي اعتدناه في مقالاته، وبيّن عطوان سبب كتابته أولاً بالإنجليزية حيث كتب بأولى صفحات الكتاب "أردت أن أقدم إلى هؤلاء جميعا تجربة إنسان فلسطيني مشرد ينتمي إلى القاع العربي حيث نبتت بذرته وتعمقت جذوره، تجربة لاجىء استطاع أن يشق طريقه وسط صخور المعاناة بصلابة وتحمل ومثابرة في عالم السياسة والصحافة والفكر، متجاوزاً عقبات عديدة ومحارباً على أكثر من جبهة في مواجهة أعداء شرسين".

     يروى عطوان نشأته في مخيّم دير البلح للاجئين في قطاع غزة بعد الاحتلال الإسرائيلي، وقسوة الحياة التي رافقته وعائلته خلال طفولته ومن ثم مراهقته، ثم يصف لنا كيف ودّع أهله في المخيّم وتوجه إلى عمّان ليبدأ حياةً جديدةً معتمداً فيها على الكسب من جهده، لينتقل بعد ذلك إلى مصر لإكمال دراسته، ثم ليبدأ أولى تجاربه الصحفية في ليبيا فالسعودية وأخيراً في بريطانيا، حيث الصدمة الثقافية والنقلة النوعية.

     نقرأ في هذا الكتاب سيرة حياة عطوان التي عاصرت وقائع وأحداث محورية بتاريخ المنطقة العربية، والجميل أثناء القراءة أن القارئ لا يشعر بشخصنة الكاتب للأحداث أو بتفرده بأدوار البطولة، وربما هذا أهم ما يميّز الكتاب.

     ويظهر في الكتاب كيف حارب عطوان ليحصل على قوت يومه، ثم ليتخلص من الفقر، وأخيراً ليقضي على التمييز ضد أبناء جلدته.

     كما يروي لنا عطوان عن لقاءاته الاستثنائية مع أهم الشخصيات في العالم، ويبوح لنا بكثيرٍ من الأسرار التي رافقته خلال تلك اللقاءات، ويُحدثنا عن الصداقة القوية التي ربطته بكل من؛ الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وكيف أنها استمرت على الرغم من اختلافهما بوجهات النظر في كثيرٍ من الأحيان، وبشاعر فلسطين محمود درويش، الذي كان يواظب على مكالمته بشكلٍ يومي.

     هذا الكتاب يُرضي نهم القارئ العربي للمعرفة وفضوله للولوج إلى أدق التفاصيل، حيث سيجد فيه القارئ الكثير من المعلومات بأسلوبٍ سردي شيّقٍ ولطيف، ومليءٍ بروح الدعابة التي لولاها لما استطاع كثير من القرّاء إكماله، فهو يتحدث بحقيقة الأمر عن حياةٍ قاسيةٍ ومؤلمةٍ طريقها محفوفٌ بالأشواك والدموع.

     بالنسبة لي؛ استفدت كثيراً من قراءته ومن جوانب متعددة، سأعددها على النحو التالي:

-       كشابة فلسطينية، قرأت عن تاريخ القضية الفلسطينة من جديد، وبحقائق وتفاصيل لم أكن أدركها من قبل، كما أني ازددتُ حنقاً وغضباً على العدو الصهيوني الذي سلب أجدادي أرضهم وفرّق شملهم وشتّتهم في بقاع الأرض.
-       كصحفيةٍ في بدايات طريقها، ولم يُحالفها الحظ بعد، ازددتُ أملاً ورغبةً بالاستمرار بهذه المهنة الخطيرة، فكما خاض عطوان تجربة صحفية صعبة واستطاع أن يثبت نفسه بالنهاية، أنا وغيري كذلك نستطيع التفوق والظهور إن ثابرنا وعزمنا على الإكمال، كما أني حصلت على دروس رائعة عن كيفية تعاطي الصحفي مع كثيرٍ من المواقف التي تمر عليه.
-       كقارئ يرغب بملء وقت فراغه بكتاب ممتع ومفيد، فأنا استمتعتُ بالفعل أثناء قراءتي، وشعرت بفائدة هائلة من المعلومات التي مرّت علي.  

     أنصح كل شخصٍ، باقتناء كتاب "وطن من كلمات... رحلة لاجئ من المخيّم إلى الصفحة الأولى" وقراءته بكامل حواسه، لعلّه بعد هذه القراءة يكون أكثر قدرةً على قراءة المستقبل والتفكّر بأحداث الحاضر.

     أختم بمشهد سرده عطوان في الأجزاء الأخيرة من الكتاب، حيثُ كان وعائلته في زيارة إلى إسدود قريته الفلسطينية، يقول "فيما كنا نعبر الشارع الرئيسي المغبرّ داخل إسدود شاهدت بناءً مهدماً إلى يساري بمواجهة كرم عنب، كانت هناك كتابات عربية مطبوعة بالأبيض على الحيطان الحمراء المهدمة.. كانت الكتابة تقول "مقهى غابين"، لم أستطع أن أصدق عيني.. مقهى غابين.. كم مرة سمعت أبي يتحدث عن هذا المكان. دخلت إلى أطلال المكان، كان مليئاً بالأعشاب والزجاجات المكسرة وكان بعض العابرين قد استخدموه مرحاضاً".

     في هذه الأثناء اقترب مستوطن إسرائيلي مسلّح برشاش من عطوان وسأله عما يفعل، ثم قال له "إنها خربة ومن الأفضل لك أن تخرج من أجل سلامتك الشخصية"، فرد عليه عطوان "إخوتي ولدوا في إسدود.. هذه قرية فلسطينية، هذه قريتنا وآثار أبي وأعمامي أراها هناكفرد المستوطن وقد بدت عليه العصبية والإحراج 
"هذا كان في الماضي" فعلّق عطوان "لا.. إنه المستقبل."  

Thursday 25 October 2012

وهذا أقلُّ الانتماء





     بعد أمسيةٍ قضاها جمعٌ من المُهتمين في إحدى بقاع عمّان العابقة بالثقافة، امتلأت آذان الحضور بصوت فتاةٍ تتحدث لهجةً فلسطينيةً قلّما نلمسُ نقاءها.


     وسرعان ما التمّ حولها الجمع، ليستلم "وثيقة العهد الأبدي" ويمضي عليها، ليكون بذلك عاهد نفسه على بقاء القدس حاضرةً في قلبه وضميره وكيانه.


     سرتُ مع الجمع، وهذا ما أفعله نادراً، لكن شيئاً ما أخبرني بضرورة فعلي لذلك، استلمتُ وثيقتي وأمضيتُ عليها بكامل حواسي والبهجةُ تملأُ روحي.


     كان مكتوباً على الوثيقة "أقسم بالله ذي الطول، أن تبقى القدس حاضرة في ضميري وكياني وأعاهد الله عهداً أبدياً أن أشد الرحال إليها مؤكداً وصيتي لأهلي وأبنائي، أن يحفظوا عهدي وأن يورثوه أبناءهم والله على ما أقول شهيد".


     حدث ذلك بالتزامن مع حملةٍ مليونيةٍ دوليةٍ أطلقتها الأمانة العامة "لمؤتمر القدس وشدّوا الرحال" للتوقيع على وثيقة قسم العهد الأبدي للقدس المحتلة، حيثُ يجوب المتطوعون مع هذه الحملة مناطق مختلفة حول العالم للتعريف بفكرتهم وشرح أهميتها وضرورتها خاصّة في هذه الفترة.


     لعلّ من أهم الثمار التي سيجنيها القائمون على هذه الحملة؛ التأكيد على استمرارية الحب والولاء للمدينة المقدسة حول العالم، وإبقاء هذه القضية قائمة بالرغم من كل محاولات "مسح الذاكرة" التي نشهدها. كما أنها ستستهدف الجيل الجديد من فلسطينيي الشتات لتثقيفه بالقضية الفلسطينية وبتاريخها ولضمان توارث الذاكرة الفلسطينية لمن بعده من الأجيال.


     حين استلمتُ وثيقتي ووقّعتُ عليها جمعتُ وثائق أخرى لأُهديها إلى معارفي حتى يشاركوني هذه البهجة، لكني وقعتُ مع بعضهم بنقاشاتٍ حول أهمية هذه الحملة، وما الذي ستُضيفه للقضية الفلسطينة؟! فكان ردي ببساطة؛ فلسطين تستحق الحياة وفلسطين كذلك تستحق أن تسيطر على روحنا ووجداننا وذاكرتنا المتوارثة، وهذا أقلّ الانتماء.