Showing posts with label فلسطين. Show all posts
Showing posts with label فلسطين. Show all posts

Wednesday 26 December 2012

لنتوارث الذاكرة


فقط كي لا ننسى
أن احتلال الوطن هو الأقسى
وأن كامل أراضينا أغلى ما إليه نسعى
وأن السواد الأعظم في الشتات إلى يومنا هذا يشقى

     كي لا ننسى ولنتوارث الذاكرة جيلاً بعد جيل؛ أدعوكم إلى قراءة تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان "عامود السحاب واغتيال الطفولة" الذي يوثّق الدمار الذي أحدثه العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، بالفترة (14-21) تشرين الثاني/نوفمبر لهذا العام.

     ابتدأ هذا العدوان باغتيال القائد العسكري في حركة حماس أحمد الجعبري، ما دفع الفصائل الفلسطينية إلى الثأر لدم هذا البطل، ليستمر العدوان والدمار من الجانب الإسرائيلي ثمانية أيامٍ متتالية على القطاع، انهمرت خلالها أنهار من الدماء، لم تتوقف إلا بهدنة بين الطرفين تقضي بوقف تبادل النيران.

     يركّز هذا التقرير على ضحايا القطاع الأطفال الذين قتلوا خلال العدوان الأخير، حيث يوثّق حكاية 41 طفلاً غزّياً قتلوا ولم يتجاوز عمرهم الثامنة عشر! هؤلاء أطفال كانوا يرسمون مستقبلهم ويخطّطون له، كانوا يحلمون بغدٍ مختلف، غدٍ يُعيدون فيه الحق الذي سُلب من آبائهم، لكن قوّات الاحتلال قضت عليهم فاطمأن بالُها.

     هؤلاء أطفال بعمر الزهور، غابوا لكن روح النصر في داخلهم بقِيَت مرفرفة وستبقى ما دامت الذاكرة متوارثة.

     اقرؤا تقرير "عامود السحاب واغتيال الطفولة" التوثيقي واسمحوا لعبَراتكم بالانهمار، لعلّ الأرواح تتطهّر، والمقاومة تظهر، وتُثمر. وانشروه كذلك لعلّ انتشاره يكون تمهيداً لإدانة ومحاكمة قادة الاحتلال ومن وقف إلى جانبهم.



Monday 29 October 2012

كتاب وطن من كلمات إرثٌ للأجيال القادمة


     مضى أكثر من ثلاثة أشهر على قراءتي لكتاب "وطن من كلمات... رحلة لاجئ من المخيّم إلى الصفحة الأولى" الذي يُعد السيرة الذاتية للصحفي الفلسطيني عبدالباري عطوان، وعلى الرغم من مرور تلك الفترة؛ إلا أن صوتاً خفياً بقي يخبرني بضرورة إبقاء هذا الكتاب جانب سريري، حيث اعتدتُ وضع الكتب التي لم أُنهها بعد أو التي أرغب بمعاودة قراءتها، وبالفعل؛ عدتُ إليه قبل أيام لأراجع بعضاً مما قرأته، فأستحضر التاريخ من جديد، وأستمتع كذلك بجمال اللغة وبالأسلوب المليء بروح الدعابة.

     صحيحٌ أنه سيرة ذاتية للكاتب، لكنه استثنائي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وواقعي إلى حدٍ يجعل أحداثه مشابهة لحياة السواد الأعظم من القراء، أو معارف هؤلاء القراء، فهو سردٌ لحكاية اللجوء الفلسطيني وما تبع ذلك اللجوء من تطوراتٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ، سردٌ يختلط فيه الشخصي مع العام، وتظهرُ فيه سيرة الزمان والمكان قبل الشخص.   

     سأتحدث قليلاً عن محتوى الكتاب، وقصدتُ قليلاً لأنني لا أريد أن أنزع عليكم متعة قراءة الكتاب والتمعّن بتفاصيل التفاصيل الشيّقة في مضمونه، لكنّي سأعود قبل ذلك بالتاريخ إلى يوم توقيع هذا الكتاب الذي انتظرته بفارغ الصبر واللّهفة، وبفضول التمعّن بشخصية ذات شهرة عالمية ومحاولة استكشاف خفاياها، لم أكن أعرف الصحفي الفلسطيني عبدالباري عطوان بعمق، أو لم أكن أعرف عنه إلا أنه شخصية يتكرر حضورها على شاشات التلفزة حين تحتدم الأحداث في المنطقة، وأن والدي يستمع إليه بإمعان، ويُعجب بقدرته على الجدال والإطاحة بخصمه مهما كان، بالإضافة إلى أني زرت ذات يومٍ مكتب صحيفة القدس العربي في عمّان وتعرّفت على العاملين فيها وسمعت أقوالهم الطيبة عنه، تلك الصحيفة التي أسّسها في لندن عام 1989 ولا يزال يرأس تحريرها إلى الآن، والتي نالت نصيباً هائلاً من صفحات كتابه.

     وصلتُ إلى حيث توقيع كتابه قبل الوقت بعشر دقائق، وهذه ليست عادتي، لكن لهفة الانتظار جعلتني أتعجّل، كان توقيع الكتاب في إحدى قاعات مجمّع النقابات المهنية بالشميساني في عمّان.

     حصلتُ على نسخةٍ من كتاب "وطن من كلمات... رحلة لاجئ من المخيّم إلى الصفحة الأولى" والذهول يملؤني، فلم أتوقع أن يكون بهذا الحجم! وسرعان ما فتحت آخره لأعرف كم صفحة تنتظرني، ثم أغلقت الكتاب ونظري يتجه إلى الأعلى وسؤال يشغل ذهني "هل أنا مستعدة لقراءة سيرة ذاتية مكوّنة من حوالي 500 صفحة؟ أم أتركها للمهتمين بها وأعود لقراءاتي البسيطة؟" ولأنني اعتدت إنهاء كل ما أبدأ به، قررتُ أخذ الكتاب وقراءته وبكامل التركيز والإصرار.

     بعد عناءٍ وجدتُ مقعداً لي في القاعة، فتمسّكتُ به بكل قوتي، حيثُ كان واضحاً أن عدداً لا بأس به من الحضور سيستمع إلى عطوان واقفاً، وهذا ما لم أكُن أريده بتلك اللحظات، بدأتُ أتفحص الحضور الذي لم يتوقف تدفقه حتى بعد حوالي 15 دقيقة من بدء عطوان بالحديث، كان من بينهم وجوهاً صحفية مألوفة، جاء بعضها للاستماع إلى هذه الشخصية الصحفية المثيرة للجدل، والبعض الآخر جاء للكتابة عنها، ورجالاً ونساءً يبدو أنهم مهتمين بالسياسة وبالجانب الفلسطيني منها على وجه الخصوص، وأفراداً شعرتُ أنهم من أقارب عطوان، بالإضافة إلى عددٍ لا بأس به من أبناء المخيّمات الفلسطينية الذين خصّهم عطوان في كتابه.

     على الرغم من الصعوبة التي عانيتُها إلا أنّي كنتُ مصرّة على أن أقابل هذه الشخصية عن قرب وأن أحدّثها وأحصل على توقيعها، وبالفعل هذا ما حدث في ختام حفل توقيع الكتاب الذي كان مليئاً بالحكايات الممتعة، حيث حصلت على إهداءٍ خاصٍ خطّه عطوان على مرأى من عيني، حدث ذلك بعد لحظاتٍ طويلةٍ من الانتظار مع طابورٍ من المعجبين وعدساتٍ للمصورين.

     إذاً؛ بدأتُ الإبحار في هذا الكتاب الضخم، الذي كُتب بالإنجليزية ثم تُرجم إلى العربية، ومع ذلك بقي محتفظاً بأسلوب عطوان الذي اعتدناه في مقالاته، وبيّن عطوان سبب كتابته أولاً بالإنجليزية حيث كتب بأولى صفحات الكتاب "أردت أن أقدم إلى هؤلاء جميعا تجربة إنسان فلسطيني مشرد ينتمي إلى القاع العربي حيث نبتت بذرته وتعمقت جذوره، تجربة لاجىء استطاع أن يشق طريقه وسط صخور المعاناة بصلابة وتحمل ومثابرة في عالم السياسة والصحافة والفكر، متجاوزاً عقبات عديدة ومحارباً على أكثر من جبهة في مواجهة أعداء شرسين".

     يروى عطوان نشأته في مخيّم دير البلح للاجئين في قطاع غزة بعد الاحتلال الإسرائيلي، وقسوة الحياة التي رافقته وعائلته خلال طفولته ومن ثم مراهقته، ثم يصف لنا كيف ودّع أهله في المخيّم وتوجه إلى عمّان ليبدأ حياةً جديدةً معتمداً فيها على الكسب من جهده، لينتقل بعد ذلك إلى مصر لإكمال دراسته، ثم ليبدأ أولى تجاربه الصحفية في ليبيا فالسعودية وأخيراً في بريطانيا، حيث الصدمة الثقافية والنقلة النوعية.

     نقرأ في هذا الكتاب سيرة حياة عطوان التي عاصرت وقائع وأحداث محورية بتاريخ المنطقة العربية، والجميل أثناء القراءة أن القارئ لا يشعر بشخصنة الكاتب للأحداث أو بتفرده بأدوار البطولة، وربما هذا أهم ما يميّز الكتاب.

     ويظهر في الكتاب كيف حارب عطوان ليحصل على قوت يومه، ثم ليتخلص من الفقر، وأخيراً ليقضي على التمييز ضد أبناء جلدته.

     كما يروي لنا عطوان عن لقاءاته الاستثنائية مع أهم الشخصيات في العالم، ويبوح لنا بكثيرٍ من الأسرار التي رافقته خلال تلك اللقاءات، ويُحدثنا عن الصداقة القوية التي ربطته بكل من؛ الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وكيف أنها استمرت على الرغم من اختلافهما بوجهات النظر في كثيرٍ من الأحيان، وبشاعر فلسطين محمود درويش، الذي كان يواظب على مكالمته بشكلٍ يومي.

     هذا الكتاب يُرضي نهم القارئ العربي للمعرفة وفضوله للولوج إلى أدق التفاصيل، حيث سيجد فيه القارئ الكثير من المعلومات بأسلوبٍ سردي شيّقٍ ولطيف، ومليءٍ بروح الدعابة التي لولاها لما استطاع كثير من القرّاء إكماله، فهو يتحدث بحقيقة الأمر عن حياةٍ قاسيةٍ ومؤلمةٍ طريقها محفوفٌ بالأشواك والدموع.

     بالنسبة لي؛ استفدت كثيراً من قراءته ومن جوانب متعددة، سأعددها على النحو التالي:

-       كشابة فلسطينية، قرأت عن تاريخ القضية الفلسطينة من جديد، وبحقائق وتفاصيل لم أكن أدركها من قبل، كما أني ازددتُ حنقاً وغضباً على العدو الصهيوني الذي سلب أجدادي أرضهم وفرّق شملهم وشتّتهم في بقاع الأرض.
-       كصحفيةٍ في بدايات طريقها، ولم يُحالفها الحظ بعد، ازددتُ أملاً ورغبةً بالاستمرار بهذه المهنة الخطيرة، فكما خاض عطوان تجربة صحفية صعبة واستطاع أن يثبت نفسه بالنهاية، أنا وغيري كذلك نستطيع التفوق والظهور إن ثابرنا وعزمنا على الإكمال، كما أني حصلت على دروس رائعة عن كيفية تعاطي الصحفي مع كثيرٍ من المواقف التي تمر عليه.
-       كقارئ يرغب بملء وقت فراغه بكتاب ممتع ومفيد، فأنا استمتعتُ بالفعل أثناء قراءتي، وشعرت بفائدة هائلة من المعلومات التي مرّت علي.  

     أنصح كل شخصٍ، باقتناء كتاب "وطن من كلمات... رحلة لاجئ من المخيّم إلى الصفحة الأولى" وقراءته بكامل حواسه، لعلّه بعد هذه القراءة يكون أكثر قدرةً على قراءة المستقبل والتفكّر بأحداث الحاضر.

     أختم بمشهد سرده عطوان في الأجزاء الأخيرة من الكتاب، حيثُ كان وعائلته في زيارة إلى إسدود قريته الفلسطينية، يقول "فيما كنا نعبر الشارع الرئيسي المغبرّ داخل إسدود شاهدت بناءً مهدماً إلى يساري بمواجهة كرم عنب، كانت هناك كتابات عربية مطبوعة بالأبيض على الحيطان الحمراء المهدمة.. كانت الكتابة تقول "مقهى غابين"، لم أستطع أن أصدق عيني.. مقهى غابين.. كم مرة سمعت أبي يتحدث عن هذا المكان. دخلت إلى أطلال المكان، كان مليئاً بالأعشاب والزجاجات المكسرة وكان بعض العابرين قد استخدموه مرحاضاً".

     في هذه الأثناء اقترب مستوطن إسرائيلي مسلّح برشاش من عطوان وسأله عما يفعل، ثم قال له "إنها خربة ومن الأفضل لك أن تخرج من أجل سلامتك الشخصية"، فرد عليه عطوان "إخوتي ولدوا في إسدود.. هذه قرية فلسطينية، هذه قريتنا وآثار أبي وأعمامي أراها هناكفرد المستوطن وقد بدت عليه العصبية والإحراج 
"هذا كان في الماضي" فعلّق عطوان "لا.. إنه المستقبل."  

Thursday 25 October 2012

وهذا أقلُّ الانتماء





     بعد أمسيةٍ قضاها جمعٌ من المُهتمين في إحدى بقاع عمّان العابقة بالثقافة، امتلأت آذان الحضور بصوت فتاةٍ تتحدث لهجةً فلسطينيةً قلّما نلمسُ نقاءها.


     وسرعان ما التمّ حولها الجمع، ليستلم "وثيقة العهد الأبدي" ويمضي عليها، ليكون بذلك عاهد نفسه على بقاء القدس حاضرةً في قلبه وضميره وكيانه.


     سرتُ مع الجمع، وهذا ما أفعله نادراً، لكن شيئاً ما أخبرني بضرورة فعلي لذلك، استلمتُ وثيقتي وأمضيتُ عليها بكامل حواسي والبهجةُ تملأُ روحي.


     كان مكتوباً على الوثيقة "أقسم بالله ذي الطول، أن تبقى القدس حاضرة في ضميري وكياني وأعاهد الله عهداً أبدياً أن أشد الرحال إليها مؤكداً وصيتي لأهلي وأبنائي، أن يحفظوا عهدي وأن يورثوه أبناءهم والله على ما أقول شهيد".


     حدث ذلك بالتزامن مع حملةٍ مليونيةٍ دوليةٍ أطلقتها الأمانة العامة "لمؤتمر القدس وشدّوا الرحال" للتوقيع على وثيقة قسم العهد الأبدي للقدس المحتلة، حيثُ يجوب المتطوعون مع هذه الحملة مناطق مختلفة حول العالم للتعريف بفكرتهم وشرح أهميتها وضرورتها خاصّة في هذه الفترة.


     لعلّ من أهم الثمار التي سيجنيها القائمون على هذه الحملة؛ التأكيد على استمرارية الحب والولاء للمدينة المقدسة حول العالم، وإبقاء هذه القضية قائمة بالرغم من كل محاولات "مسح الذاكرة" التي نشهدها. كما أنها ستستهدف الجيل الجديد من فلسطينيي الشتات لتثقيفه بالقضية الفلسطينية وبتاريخها ولضمان توارث الذاكرة الفلسطينية لمن بعده من الأجيال.


     حين استلمتُ وثيقتي ووقّعتُ عليها جمعتُ وثائق أخرى لأُهديها إلى معارفي حتى يشاركوني هذه البهجة، لكني وقعتُ مع بعضهم بنقاشاتٍ حول أهمية هذه الحملة، وما الذي ستُضيفه للقضية الفلسطينة؟! فكان ردي ببساطة؛ فلسطين تستحق الحياة وفلسطين كذلك تستحق أن تسيطر على روحنا ووجداننا وذاكرتنا المتوارثة، وهذا أقلّ الانتماء.
     
       

Monday 13 August 2012

"فخذوا حصّتكم من دمنا وانصرفوا"






       وأنا أتجوّل في صفحات الـ "فيسبوك" استوقفتني صفحة، استفزني اسمُها، إلاّ أنّي تأنّيتُ بالحكم عليها، لعلّ ظنوني وشكوكي تكون خاطئة، لكنّي لم ألبث دقائق حتى فهمتُ فحواها واستراتيجيتها.

     عددٌ من أصدقائي على الـ "فيسبوك" معجبٌ بها، تساءلتُ في داخلي "هل يا تُرى قرأوا عن فكرتها؟ هل يا تُرى فهموا مقصدها؟". لا أعتقد ذلك، لأنّ أيّ عربي لو فهم ما ترمي إليه هذه الصفحة لما عبّر عن إعجابه بها (على الأقل أيّ عربيّ من أصدقائي)، سأفترض أنّ عدداً ممن أُعجبوا بها، فعلوا ذلك بهدف تتبعها ومعرفة ما تبثه من سموم، فأنا أفعل ذلك أحياناً على صفحاتٍ لا تتوافق وأفكاري لكنّي أرغب بتتبع ما تقوم بنشره، ومع ذلك عجزتُ أن أفعل هذا مع هذه الصفحة اللعينة، كما أعجزُ الآن عن كتابة اسمها أو الإشارة إليها برابط ما، ففكرةُ أن أكون ممّن يروجون لها أمرٌ يقتلني.

     تقول هذه الصفحة "يراود كثيرون، حين سماع كلمة "إسرائيل" تصوّرات أمنية عنيفة، ويبقى موضوع الصراع "الإسرائيلي- فلسطيني" (ركّزوا هنا على كيفيّة كتابة "الإسرائيلي- فلسطيني") حاضراً وحاسماً في أذهان الملايين بالنسبة لماهية "إسرائيل" ما يجعل النظرة إلى "إسرائيل" أحادية البعد".

     "بناءً على ذلك نضجت فكرة الصفحة خلال العام الماضي 2011، (ركّزوا هنا أيضاً على وقت إطلاق الصفحة "إنه زمن الثورات العربية")، وانطلقت بهيئة صفحة "فيسبوك"، وسرعان ما ضمت آلاف المعجبين، واكتملت في شكلها الحالي بهيئة موقع إلكتروني حديث ومعاصر".

     "تُعنى الصفحة بنقل صورة مختلفة عن "إسرائيل" بأبعادها المتعددة، وتهتم بتفكيك صورة "إسرائيل" المركبة، وإبراز جوانب "إنسانية ومثيرة، حضارية وثقافية" حول "إسرائيل"".

     "هذه الصفحة تريد أن تخلق أرضيّة للحوار، تهتم بما وراء الصراع"..!

     بهذه الكلمات عرّف القائمون على صفحة "إسرائيلية" موجّهة للعرب بأنفسهم، آملين محو ذاكرتنا والولوج إلى قلوبنا، خائفين من أن تصلهم شرارة ثوراتنا، متمنّين أن ينعموا في "وطنهم الأكذوبة" وطننا المسلوب بالأمن والسلام، غير آبهين بالجراح التي سبّبوها لنا، ولا بالشتات الذي أذاقونا إيّاه!

     من يتابع الصفحة؛ يجد أن الأخبار السياسية غائبة عنها بشكلٍ متعمّد، وأن كل ما تبثّه من مواضيع؛ إمّا ثقافي، أو فني، أو إنساني يلعب على وتر الإحساس البشري، كما أن تركيزهم الأكبر على المواضيع المتعلقة بإظهار الحجم الهائل للتآخي الموجود ما بين "الإسرائليين" والفلسطينيين.

     بسذاجة يطلب منّا القائمون على هذه الصفحة الصلح والتسامح، وبسذاجة تفوق سذاجتهم يوافق بعضنا على ذلك بالتجاوب مع ما يبثّون من سموم!

     أعتقد أنّ غضبي جعلني أظلم "بعض" المتجاوبين مع هذه الصفحات، فبما أنّ الرسول محمد عليه صلوات الله وسلامه أمرنا بتعلم لغة العدو حتى نأمن مكره (وأنا ممن يسير على هذا النهج) فمن باب أولى علينا أن نتتبع أخبار هذا العدو، وأن نقرأ عنه أكثر، لكن؛ المهم أن نكون مدركين لما نقرأ ونسمع، وألاّ تتسبب هذه السموم بغسل عقولنا ومحو ذاكرتنا، بل بتحفيزنا لخطوةٍ فعّالة.

     آمل أن يكون المتتبعين لمثل هذه الصفحات ممن يصعب غسل عقولهم!

     ما يشفي غليلي أن تعليقات الغالبية العظمى من المتابعين على مواضيع هذه الصفحة، هي إمّا تعليقات ساخرة من الأفكار الساذجة التي يحاول القائمون على الصفحة ترويجها، أو تعليقات متخمة بالشتائم أو بالأدعية على هذا العدو غير القابل للتحول.

     بمحاولةٍ منّي لاستفزاز أصدقائي على الـ "فيسبوك"؛ نشرتُ سؤالاً على صفحتي الخاصة "لو عُرض عليكم العيش بسلام وتآخي مع "إسرائيل"، وبناء جسر من المحبة والمودة، ونسيان كل الماضي، والبدء بصفحة جديدة. ولو كانوا المنادين بهالسلام "إسرائيليين" متحمسين جداً للعيش معكم بطمأنينة وراحة... شو بتكون ردّة فعلكم؟؟"

     لا أخفيكم أنّي ترددتُ بطرح هذا الموضوع، وبعد طرحه حصل ما خشيته، حيث وصلني أكثر من تساؤل استنكاري حول ما أنوي الوصول إليه من سؤال كهذا؟! والبعض ظنّ أنّي أشجع على السلام مع "إسرائيل"، وبيّن لي بشكلٍ غير مباشر أنه لم يتوقع مني ذلك على الإطلاق!

     اختلفت الإجابات على سؤالي، لكنها اتفقت على استحالة العيش بسلام مع عدوٍ غاصب، بعض الإجابات زادت كلماتها عن ثلاثة أسطر، وبعضها اقتصرت على كلمة واحدة، وهي "لا".

     أحدهم أجاب "لو أخي استولى على منزلي لقاتلته حتى أسترد ما أخذ مني، فما بالك بعدوٍ احتل أرضي؟! بالتأكيد سأظلّ أقاومه بكل ما أملك من قوة، حتى أسترد ما سلب مني"، وآخرٌ أجاب "ما بُني على باطلٌ فهو باطل"، وهناك من اكتفى بقول "دماؤنا لن تذهب هدراً".

     أختم بكلماتٍ من قصيدة "عابرون في كلامٍ عابر" للراحل محمود درويش، الذي تصادف هذه الأيام ذكرى وفاته الرابعة؛


أيها المارون بين الكلمات العابرة
منكم السيف، ومنا دمنا
منكم الفولاذ والنار، ومنا لحمنا
منكم دبابة أخرى، ومنا حجر
منكم قنبلة الغاز، ومنا المطر
وعلينا ما عليكم من سماء وهواء
فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا
...

أيها المارون بين الكلمات العابرة
كالغبار المر مروا أينما شئتم ولكن
لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة
فلنا في أرضنا ما نعمل
و لنا قمح نربيه ونسقيه ندى أجسادنا
و لنا ما ليس يرضيكم هنا
...

أيها المارون بين الكلمات العابرة
كدسوا أوهامكم في حفرة مهجورة، وانصرفوا




Saturday 7 July 2012

وَطَنٌ أَعِيشُ بِهْ… وَآَخَرٌ يَعِيشُ دَاخِلِي





من تدوينات مكتوب المرحوم - 2011

     اعتدت الحنين إلى الوطن، خصوصا حين ينتابني شعور الوحشة من البشر، وكأن وطني يهمس لي: اجعليني قضيتك أكون مصدر راحتك.. هبيني حبك الذي تُغدقي به على من حولك، أكون مصدر سعدك، وأُعَثِّرُ بطريقك من يستحقك. وهذه الأيام أنا أحن إلى الوطن، وحين أحن إليه؛ أستمع إلى أغانيه وموسيقاه، وأتأمل صوره فأسحر بطبيعته، وأقرأ عنه أكثر وأكثر، وأعقد العزم على عودة قريبة.
     كثيرون يسخرون من مشاعري هذه، ويعتبروني قادمة من عالم الأحلام، ويقولون لي: نحن عشنا بهذا الوطن الذي تتنغمين باسمه، ولا نشتاقه ولا نرغب بالعودة إليه، ونحن أكيدون أنك لو ذقتِ ما ذقناه هناك لما لفظت اسمه حتى.. هل فقدنا عقولنا حتى نترك راحتنا هذه ونذهب حيث الدمار والخراب؟!

     كلماتهم تؤلمني، فها هم أقرب الناس إليّ يتنكرون للوطن! ولطالما حاولت تعديل نمط تفكيرهم، لكنّي سئمت من ذلك، وآثرت الصمت، فأذنيّ أرهقتهما كلماتهم القاسية عن حبيبي الوطن.

     إذاً؛ فَلِحَنيني طقوس خاصة، أبدؤها بالعزلة عمّن حولي، فأنتقل إلى العالم الآخر، وأغوص بالمواقع التي تُشبع حنيني، فأقرأُ حيناً، وأناقش أحدهم حيناً آخر، وأنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما يثير العواطف باستمرار، طبعا دون نسيان الخلفية الموسيقية الملازمة لنشاطاتي تلك. وما أعذب موسيقى الوطن، خاصّة حين يرافقها أصواتٌ بإرادتها حنان، كصوتَيّ مارسيل خليفة، وأحمد كعبور.

     من باب الفضول لا أكثر، اعتدت على قراءة التعليقات التي يدرجها الزوار أسفل المواضيع على مواقع الإنترنت، سواء المكتوبة أو المرئية، ولطالما أزعجتني تلك التعليقات البعيدة كل البعد عن الرقي بالحوار الذي أحلم به بين البشر.

     وفي يوم قريب، وأنا أقرأ التعليقات على أغنية وطنية لبلد عربي تعمّه الفوضى هذه الأيام، أثارت قرفي تعليقاتٌ سخيفةٌ متتاليةٌ لأشخاص من ذاك البلد يتهجمون بها على شخص عربي من بلد مجاور، فقط لأنه أبدى رأيه حول أحداث بلدهم فقال: ألم تسأموا من هذا الحاكم المستبد؟! هيا اذهبوا وثوروا مع أشقائكم في الشوارع، لا تجعلوهم أقلية بسبب رعبكم! كفاكم نفاق! فرصتكم الآن لإسقاط نظام لطالما دمّركم!

     وانهالت على ذاك المسكين الشتائم بشتى أنواعها، وبدأت كلمات العنصرية تظهر بقوة بين أبناء ذاك البلد ضد صديقنا المتحمس للحرية، ما جعل القشعريرة تدُب في جسدي، والأسئلة تتسارع إلى ذهني، أين نحن من العروبة؟! ومن الدين؟! ومن العادات والتقاليد المتشابهة لأبعد الحدود؟!

     ذاك المسكين من بلد والدي، وهؤلاء المرعوبين من بلد والدتي، إذاً نحن شعوبٌ متقاربة! وعائلاتنا متجانسة ببعضها البعض! ولا يزال بيننا من يبحث عن وسيلة للتفرقة! تذكرت على الفور أهلي بذاك البلد، كم أحبهم، وكم أنا أكيدة من حبهم لي، وتذكرت قريب لي من بلد عربي آخر، وهو إنسان رائع، لطالما تمنيت أن يهبني الله رجلا مثله، تذكرت كذلك مجموعة أقارب لي في بلدٍ عربيٍ تحرر مؤخرا من حاكم ظالم، كم خفنا عليهم حين ثورتهم، وكم فرحنا لهم حين نصرهم، تذكرت أيضا معلمات طفولتي في البلد العربي الذي ترعرعت به، وصديقاتي اللاتي اختلفت جنسياتهم واتفقت عروبتهم.

     تُفَرّقنا اللهجات، والقليل من العادات، تماما كأولاد العم، لكن ما يجمعنا أعظم بكثير مما يفرقنا.

     سأنهي كلماتي بالحديث عن أبناء وطني؛ نحن شعبٌ طُرِد من أرضه بعد أن احتلها عدوٌ قاهر، ثلّةٌ بقيت في الأراضي، وكم أغبطهم على ذلك بالرغم مما يعانون، وغالبيةٌ عظمى هُجّرَت بالإكراه، عائلتي منها.

     استضافتنا الدول العربية المجاورة ورحبت بنا، عشنا بها ولا ننكر فضلها، فهي الدول التي آوتنا وخففت ألمنا. لكننا لن نمسح وطننا المسلوب من ذاكرتنا، فهذا ما نشأنا عليه.

     سنغني له باستمرار، وسنبقي خريطته على جدران منازلنا، وسنتحدث عن تاريخه لأبنائنا، وسنَطْمَئن بين فترة وأخرى على مفاتيح ديارنا التي اشتاقتنا، وسنُحَرّض على الجهاد من أجل العودة.

     لن نُحَرّض ضد بلدٍ عربيٍ يأوينا، وإنما ضد عدُوٍ شرّد الآلاف منا.

     يا وطني العربي الذي يستضيفني؛ أعشقك وأحنُّ كلّ يومٍ لوطني، أفخر بكَ وأحارب من أجل وطني، أعيش بكَ وأعمل لأجلك، ويعيشُ داخلي وطني الذي ينتظر عودتي.

* نُشر هذا المقال لأول مرة بتاريخ 19 نيسان 2011