Showing posts with label خُطُوطْ. Show all posts
Showing posts with label خُطُوطْ. Show all posts

Saturday 7 July 2012

مُحَاوَلَةٌ لِلْكِتَابَة…


من تدوينات مكتوب المرحوم - 2012

    هي مقابلةُ العمل الثّالثة خلالَ أربعة أسابيع، خرجتُ منها بانطباع أفضل من سابقاتها، أرجو أنْ أكون تركتُ عندهم الانطباع ذاته.
     ها هو الأملُ يتلبسني من جديد… الهواءُ مُنعشٌ في الخارج، أم أنّ فرحتي اللّحظية هي التي تشعرني بذلك، لستُ أدري!
     أمامي ساعةٌ من التخبُّط ثم ألاقي الأستاذ "ناقص هزيمات" كما لقبتْهُ مرآتُه ذات ليلة، لكنّهُ حين صرّح لمن حوله عن اسمه الجديد؛ اتفق الجميع على أن لا يُصدّق المرايا أبداً، فالحقيقة تعاكسها دوماً.
     مضت الساعة وأخيراً، توجّهتُ إلى مسرح عمّون في العبدلي، حيثُ يتواجد الكاتب السّاخر لصحيفة الدستور الأستاذ كامل نصيرات على الدوام، هكذا شعرتُ حين هاتفته لتأكيد موعدنا قبل ساعة، فأخبرني أنّهُ هناك!
     لقائي به سيكونُ للتناقش حول محاولاتي في الكتابة، ولمساعدتي بتحسين أسلوبي، وبالمضيّ قدماً للتميز في هذا العالم المثير.
     غيرُ طبيعيةٍ أزمةُ السّير هذه! لعلّ حادثاً أليماً خلقها، هذا ما تبادر إلى ذهني وأنا في طريقي إلى المسرح، لكن سائق التكسي الذي يقلُني، نفى ذلك حين فتح شباكه لتحية شباب متحمس في سيارة مكتظة، وللدعاء لهم بالتوفيق. هي مباراةُ كرة قدمٍ أخرى إذاً، أكرهُ هذه المباريات، وأفشلُ بفهم عُشّاقها! لا بأس؛ فالاختلاف مطلوبٌ لإكمال الحياة.
     ها أنا أصلُ إلى المسرح، صعدتُ درجات المبنى الذي يضمه، لألاقي الأستاذ كامل وآخرين لا أعرفهم، وقبل أن نجلس للتحدث؛ اقترح عليّ أن نسير إلى دكانٍ صغيرٍ مجاورٍ للمسرح، كي نجلب قهوةً نحتسيها أثناء النقاش.
     اشتركنا بطلبنا للقهوة، لكننا اختلفنا بوجهها، فهو يمقت الوجوه، أما أنا؛ فأحتار برسمها على حسب المزاج، والاختلاف لم يفسد لذّة النكهة.
     عدنا إلى المسرح، كان خالياً إلاّ من بضعةِ أشخاص، جلسنا في مكتبٍ نورُه خافت، أشعلَ سيجارتَهُ، ثم سألني إن كنت أدخن، فلم أعرف كيف أُجبه! نعم أم لا! أم كلا الأمرين، لستُ أدري..! الرغبة تقتلني لنيل هذا الملعون، لكن أعين المنتظرين لكل فعل مثير تترصّد لي وتسجل كل أفعالي، أو بالأحرى؛ تكتفي برصد ما تقرّرُ أنهُ سلبي!
     استمر بالتدخين لوحده، واكتفيتُ أنا باستنشاق المنبعث من سيجارته، وبدأ يحدثني عن الكتابة وفنونها، وعن ضرورة الوصف والتنبيه على أدق التفاصيل، فهي مطلوبةٌ أحياناً، وعن أهمية مواصلة القراءة، والتركيز خلال هذه العملية، ثم قرأ بعضاً من كتاباتي، وتناقشنا بشأنها، وأخيراً طلب مني كتابة كلماتٍ تصفُ ما دار بيننا بأسلوبٍ مختلف عما اعتاده بكتاباتي السابقة.
     منحني وقتاً لإنهاء الكتابة، ثم وقف وتوجه إلى حشدٍ من الوجوه كانت قد ملأت المسرح، وتركني وقلمي والخوفُ من إخفاقٍ جديد يملأُ مخيلتي.


الأحد- 6/ 5/ 2012
    

أَمَـلٌ لَحْظِـيّ




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2012

     تسعى لإضاءة النورِ لهُم، على أمل أن ينعكس جزءٌ منهُ على أيّامها الراكدة، تُنصتُ إلى معاناتهم بإحساسها الحزين، فتُصور تلك المعاناة بكلماتٍ صادقة، علّها تَصلُ لمُبادرٍ ممتلئٍ بالإنسانية، فيمسحَ بإنسانيته سَيْل عبراتٍ مستمرةٍ بالانهمار على خدودٍ سلَّمَت لهُ الطريق.

     وفي أحيانٍ كثيرة؛ تحدُثُ تلك المُبادرة، فتنتَعشُ الأنفسُ بأملٍ سُرعانَ ما يَجِف! فجميعُها مبادراتٌ آنيّةٌ لا تُثيرُها سوى المُناسبة، أو الكلمة المؤثرة!

     بوركوا لإنسانيتهم اللّحظية التي أشعلت النُّور في أعيُنٍ خافتة، ورسمت ابتسامةً مؤقّتةً على وُجوهٍ بائسة.

     ليَعُمّ الظلامُ من جديد، على الإنسان اللّحظي، وعلى البائس القابع في بؤسه، بَل وعلى عطائها الذي أصبح صِدْقُهُ مشبوهاً في أعيُن هؤلاء البؤساء.
     فهي بنظرهم؛ صاحبُ القرار الذي سيَنْتشلهم من الجحيم، لكنّها ليست إلاّ وسيلة ضعيفة لإيصال صوتهم، وسيلة غابَ عنها الأملُ منذ فهمت عُمْق اللّحظيّة المُسيطرة على البَشَر.

     فَوَعَت أنّها بائسةٌ تكتُبُ عن البؤساء! وأنّ دَفْن الأمل أفضل بكثير من إشعالِهِ للحظات!

يا ليتهم يدركون




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2011

      اللّيلة طلبت مني والدتي النوم مبكراً، فلبيتُ طلبها رغبةً برضاها الذي أُنشده!

     مع والدتي تتعدد أشكال التوبيخ والسبب واحد، إنه السهر ليلاً! تحاولُ بلا مللٍ إزالة هذه العادة الملازمة لي منذ الصغر، لكن؛ كما هي لا تمل المحاولة، فأنا كذلك لا أمل الرفض.
     ليس عناداً، ولا عشقاً، ولا انطواءً عمّن حولي، كما يحلو لها الوصف! لكنّي أهوى الليل بكل ما فيه من سكونٍ وصفاء، وهيبةٍ وإجلال..

     ينام من حولي وأنا لا أزال بأوج يقظتي، أنهي الأعمال المتراكمة علي بنشاط، ثمّ أُرَفه عن نفسي بالولوج إلى أحد العالمين؛ إمّا الورقي أو الإلكتروني.. وأخيراً أتأمل الكون وما يضمه من عجائب! ثمّ أعود إلى ورقي فأغفو عليه.
     تستيقظ فجأةً والدتي، فتتنبه عليّ وأنا مستغرقة بأحد الأنشطة، فترمقني بنظرة متوعدة، أو تسمعني كلمات متكررة، وأحيانا تكون لطيفة، فتطلب مني برقة ألاّ أطيل السهر، فأومئ لها بالإيجاب وعينيّ تتأمل جمالها الأخّاذ! لكن نيّتي تكون الإطالة في السهر.

     إلاّ أنّي قرّرت الليلة الامتثال لرغبتها، فودّعتُ غرفة المعيشة، وصديقتي النافذة، وممتلكاتي المتناثرة، وتوجّهت إلى غرفتي المتشبعة بأنفاس أختي التي سبقتني إلى النوم بساعات.
     نفّذت طلب والدتي ويا ليتني لم أفعل! فمحاولة النوم باءت بالفشل، بسبب أصواتٍ تسلّلت إليّ من نافذة الغرفة، فأرهقت قلبي مفرط الإحساس!
     توجّهت إلى النافذة، فتحتها ومددتُ رأسي، سمعت رجلا يصرخ، وامرأة تئنُ حيناً وتنادي أولادها حيناً آخر، ورضيع بكاؤه يملأ الكون! هذه الأصوات تصعد لي من الأسفل؛ إنّهم المستأجرون الجدد! رجلٌ وزوجته وطفلان كالقمر. ثلاثةٌ أسمعهم الآن، وواحدٌ مجهولةٌ حالته!

     داعبني الهواء بقسوة، فتركته عائدةً إلى سريري، لكن ضجيج الجيران طيّر النوم من عيوني!
     عدتُ إلى النّافذة؛ الزوجةُ لا تزال تنادي أولادها بصوتٍ متألمٍ مُصِرّ، والزوج لا يزال على صراخه، والرضيع مستمرٌ بالبكاء، والفضول يقتلني لمعرفة حال الطفل الثاني!

     صوت حركةٍ، وكأنّ الزوجان يجريان خلف بعضهما، والأبواب تُطرق بقوّة، والرضيعُ يبحث عن منجدٍ يجيب نداءه!
     ماذا يحدث أسفلي؟! وماذا عساني أفعل؟! أأنام؟ أم أعود لسهري؟ أم أستدعي من ينقذ الزوجة والطفلين؟! لا! لا شأن لي! لكن ضميري يؤلمني، وعيناي تدمعان..
    
     صوت الزوج الوحشي، وحركاته العنيفة، جعلاني أشعر أنّ مصيبةً ستَحُلّ! لم أتمالك نفسي، توجّهت إلى سريري وأجهشتُ بالبكاء، تمنيتُ لو يستيقظ عليّ أحدٌ ويشاركني خوفي، لكن الجميع نِيام، وأنا الشاهد الوحيد على الجريمة التي قد تُرتكب في الأسفل!
     كم هي فكرةٌ مرعبة أن يصابَ أحدٌ ممن أسفلي بمكروهٍ ما! حينها لن أسامح نفسي على الإطلاق..
  
     في هذه الأثناء سمعتُ صوت سيارة إسعاف، انزرعتُ أمام النافذة، وراقبتُ عن كثب، رأيتُ رجلان يدخلان بيدهما سرير نقلٍ للمصابين، ويخرجان والزوجة ممددةٌ عليه، ورجل يلحقهما فيخرج وبين يديه رضيع لا يزال يبكي، يتبعه طفلٌ في الخامسة من عمره بثيابٍ ممزقة! انتظرتُ خروج الزوج، لكن السيارة انطلقت والزوج لم يظهر!
     عدتُ إلى سريري والمشهد الأخير لا يفارقني، والريبةُ باختفاء الزوج تؤرقني!
   
     اقتحمتْ ذاكرتي رسالةٌ وصلتني من أحد قرّائي قبل فترة، يستهجنُ فيها تحاملي على الرجل في كتاباتي، ويدّعي أنّي أظلم الرجال وأبالغ بالصفات التي أنسبها لهم! وينهي رسالته بتنبيهي إلى أنّ الرجل هو أبي، وأخي، وزوجي، وابني.
     نعم؛ لي أبٌ حنونٌ أشتاقُهُ كلّ يومٍ أكثر، وأخّان أفخرُ بهما، وأعرفُ رجالاً تُرفع لهم القُبّعات تقديراً واحتراماً.
     لكنّي للأسف أقرأ، وأسمع، وأشاهد أضعافاً مضاعفةً من ذكورٍ أقرب إلى الوحوش بتصرفاتهم!
     سيتساءلُ أحدكم بعجب؛ وهل النساء ملائكةُ الله على الأرض؟! سأجيب؛ بل هُنّ مخلوقات ضعيفة بحاجة لرعايةٍ خاصّة، يجهلها غالبيتكم!

     يا ليتكم لو تدركون أيّها الذكور؛ أنّ للرجولة عليكم حق…


كَسَحَابَةٍ مُمْتَلِئَةٍ




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2011

      في سماء الكون وُجِدت سحابةٌ تحوم، باحثةً عن أرضٍ تسقيها من خيرها. استمرت رحلة بحثها أسابيعَ لم تجد خلالها الأرض المناسبة، كانت كلّ مرة تعثر فيها على أرض؛ تتفحصها، فتكتشف أنها لن تحقق أهدافها.

     يوماً تجد أرضاً مثمرةً مكتظةً بألوان الحياة، لا تطلب سوى سُحب بسيطةٍ بعطاياها، خفيفةٍ بتواجدها، ويوماً تجد أرضاً مزهرةً جميلةً كصبيةٍ بربيع عمرها، تحتاج لرذاذ من الخير بين فترات متباعدة، ويوماً تجد أرضاً دائمة الهيجان، بحاجة لسُحبٍ عظيمةٍ تُهَدئ ثورتها، وتحافظ على المتبقي من كنوزها.

     لَم تيأس السحابة، كانت واثقةً من أنها ستجد الأرض المناسبة لمكنوناتها، طلبت من الهواء أن يدفعَ بها بعيداً علّها تجدُ ضالّتَها.

     وصلت إلى أرضٍ مُضطربةٍ، ممتلكاتُها مُدَمّرةٌ، فسألت عمّا أحالها إلى ما هي عليه، فعلِمت أنّ سُحُباً أخطأت التخطيط فأصابتها بفيضانٍ عنيف. فابتعدت حزينةً تُحَركها جزيئات الهواء، حتى وصلت إلى أرضٍ بحرُها حزين، وزرعُها يصارعُ من أجل البقاء، فسألت عن حكاية هذه الأرض، فأخبرتها حمامةٌ عازمةٌ على الهجرة، أنّ أنشطةً بشريةً تفاعلَ نِتاجُها في الجوّ مكوناً أحماضاً ضارّةً اتخذت قطرات المطر مخبأً لها، ثمّ البحيرات والأشجار والتربة فريسةً لسمومها.

     صَعُبَ على هذه السحابة البقاء في أجواءٍ كهذه، فهي وحدها عاجزةٌ عن مساعدة هذه الأرض، وحولها السماء فارغة من أي سحابةٍ قد تتعاون. نَقَلَها الهواءُ إلى أرضٍ خاليةٍ من مظاهرِ الحياة، تُحيطُ بها سُحُبٌ بحاجةٍ لِمن يُوَجِّهها، غمرتها السّعادة، وأخيراً سَتُفَرّغ ما بداخلها على هذه الأرض، وتُراقب بعد ذلك أثر فعلتها، لكنّها صُدِمَت بالفرق الهائل بين حجم الأرض وحجم ما تَقدرُ على منحه.

     اقترحت عليها سحابةٌ كانت تراقبها بهدوء، أن تتّحد معها ومع صديقاتها، علّهُنّ يزرَعْنَ الأرض بخيرهن،  وسُرعان ما التحفت السحبُ السّماء، وانهالت بمكنوناتها على الإنسان المنهك، والحيوان الظمئ، والنبات الحزين.

     أقلامُنا تتشابهُ إلى حدٍ كبيرٍ مع السُحُب، لكنّها تتميزُ عنها بأمرٍ عظيم، ألا وهو استطاعتُنا السيطرة عليها. لكنّ بعضنا يفقِدُ السيطرة أحياناً، أو ينسى مدى ملاءمة ما يَضُخُّهُ قَلَمُه مع مستوى وعي المجتمع.

     هنالك كتاباتٌ كالأمطار الربيعيّة، تُعيدُ الحياة لما حولها، لكنّها بحاجة لاستمرارية، مصدرُها أقلامٌ وَعَت حاجةَ مُجتَمعِها، وهنالك كتاباتٌ تماماً كالأمطار الحمضية، سامّةٌ لما حولها، قاضيةٌ لمن يتبنّاها، مَصدرُها أقلامٌ مأجورةٌ مُلَوّثةٌ. ويوجدُ كتابات بحاجةٍ لجيلٍ أو أكثر حتّى ينبُت أثرها، كبعض الأشجار، مصدرها أقلامٌ سبقت زمنها بفكرٍ راقٍ لَم يعيهِ المجتمع، فَنَبَذَهَا، لكنّ المستقبل سَيُعيدُ ذكراها وسَيَسيرُ على خُطَاها.

وَطَنٌ أَعِيشُ بِهْ… وَآَخَرٌ يَعِيشُ دَاخِلِي





من تدوينات مكتوب المرحوم - 2011

     اعتدت الحنين إلى الوطن، خصوصا حين ينتابني شعور الوحشة من البشر، وكأن وطني يهمس لي: اجعليني قضيتك أكون مصدر راحتك.. هبيني حبك الذي تُغدقي به على من حولك، أكون مصدر سعدك، وأُعَثِّرُ بطريقك من يستحقك. وهذه الأيام أنا أحن إلى الوطن، وحين أحن إليه؛ أستمع إلى أغانيه وموسيقاه، وأتأمل صوره فأسحر بطبيعته، وأقرأ عنه أكثر وأكثر، وأعقد العزم على عودة قريبة.
     كثيرون يسخرون من مشاعري هذه، ويعتبروني قادمة من عالم الأحلام، ويقولون لي: نحن عشنا بهذا الوطن الذي تتنغمين باسمه، ولا نشتاقه ولا نرغب بالعودة إليه، ونحن أكيدون أنك لو ذقتِ ما ذقناه هناك لما لفظت اسمه حتى.. هل فقدنا عقولنا حتى نترك راحتنا هذه ونذهب حيث الدمار والخراب؟!

     كلماتهم تؤلمني، فها هم أقرب الناس إليّ يتنكرون للوطن! ولطالما حاولت تعديل نمط تفكيرهم، لكنّي سئمت من ذلك، وآثرت الصمت، فأذنيّ أرهقتهما كلماتهم القاسية عن حبيبي الوطن.

     إذاً؛ فَلِحَنيني طقوس خاصة، أبدؤها بالعزلة عمّن حولي، فأنتقل إلى العالم الآخر، وأغوص بالمواقع التي تُشبع حنيني، فأقرأُ حيناً، وأناقش أحدهم حيناً آخر، وأنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما يثير العواطف باستمرار، طبعا دون نسيان الخلفية الموسيقية الملازمة لنشاطاتي تلك. وما أعذب موسيقى الوطن، خاصّة حين يرافقها أصواتٌ بإرادتها حنان، كصوتَيّ مارسيل خليفة، وأحمد كعبور.

     من باب الفضول لا أكثر، اعتدت على قراءة التعليقات التي يدرجها الزوار أسفل المواضيع على مواقع الإنترنت، سواء المكتوبة أو المرئية، ولطالما أزعجتني تلك التعليقات البعيدة كل البعد عن الرقي بالحوار الذي أحلم به بين البشر.

     وفي يوم قريب، وأنا أقرأ التعليقات على أغنية وطنية لبلد عربي تعمّه الفوضى هذه الأيام، أثارت قرفي تعليقاتٌ سخيفةٌ متتاليةٌ لأشخاص من ذاك البلد يتهجمون بها على شخص عربي من بلد مجاور، فقط لأنه أبدى رأيه حول أحداث بلدهم فقال: ألم تسأموا من هذا الحاكم المستبد؟! هيا اذهبوا وثوروا مع أشقائكم في الشوارع، لا تجعلوهم أقلية بسبب رعبكم! كفاكم نفاق! فرصتكم الآن لإسقاط نظام لطالما دمّركم!

     وانهالت على ذاك المسكين الشتائم بشتى أنواعها، وبدأت كلمات العنصرية تظهر بقوة بين أبناء ذاك البلد ضد صديقنا المتحمس للحرية، ما جعل القشعريرة تدُب في جسدي، والأسئلة تتسارع إلى ذهني، أين نحن من العروبة؟! ومن الدين؟! ومن العادات والتقاليد المتشابهة لأبعد الحدود؟!

     ذاك المسكين من بلد والدي، وهؤلاء المرعوبين من بلد والدتي، إذاً نحن شعوبٌ متقاربة! وعائلاتنا متجانسة ببعضها البعض! ولا يزال بيننا من يبحث عن وسيلة للتفرقة! تذكرت على الفور أهلي بذاك البلد، كم أحبهم، وكم أنا أكيدة من حبهم لي، وتذكرت قريب لي من بلد عربي آخر، وهو إنسان رائع، لطالما تمنيت أن يهبني الله رجلا مثله، تذكرت كذلك مجموعة أقارب لي في بلدٍ عربيٍ تحرر مؤخرا من حاكم ظالم، كم خفنا عليهم حين ثورتهم، وكم فرحنا لهم حين نصرهم، تذكرت أيضا معلمات طفولتي في البلد العربي الذي ترعرعت به، وصديقاتي اللاتي اختلفت جنسياتهم واتفقت عروبتهم.

     تُفَرّقنا اللهجات، والقليل من العادات، تماما كأولاد العم، لكن ما يجمعنا أعظم بكثير مما يفرقنا.

     سأنهي كلماتي بالحديث عن أبناء وطني؛ نحن شعبٌ طُرِد من أرضه بعد أن احتلها عدوٌ قاهر، ثلّةٌ بقيت في الأراضي، وكم أغبطهم على ذلك بالرغم مما يعانون، وغالبيةٌ عظمى هُجّرَت بالإكراه، عائلتي منها.

     استضافتنا الدول العربية المجاورة ورحبت بنا، عشنا بها ولا ننكر فضلها، فهي الدول التي آوتنا وخففت ألمنا. لكننا لن نمسح وطننا المسلوب من ذاكرتنا، فهذا ما نشأنا عليه.

     سنغني له باستمرار، وسنبقي خريطته على جدران منازلنا، وسنتحدث عن تاريخه لأبنائنا، وسنَطْمَئن بين فترة وأخرى على مفاتيح ديارنا التي اشتاقتنا، وسنُحَرّض على الجهاد من أجل العودة.

     لن نُحَرّض ضد بلدٍ عربيٍ يأوينا، وإنما ضد عدُوٍ شرّد الآلاف منا.

     يا وطني العربي الذي يستضيفني؛ أعشقك وأحنُّ كلّ يومٍ لوطني، أفخر بكَ وأحارب من أجل وطني، أعيش بكَ وأعمل لأجلك، ويعيشُ داخلي وطني الذي ينتظر عودتي.

* نُشر هذا المقال لأول مرة بتاريخ 19 نيسان 2011

Friday 6 July 2012

الثورة القادمة هي الأقوى





من تدوينات مكتوب المرحوم - 2011

    كان ياما كان، في قديم الزمان وسالف العصر والأوان؛ كان هنالك شعوب عظيمة بأخلاقها، وبمبادئها، وبأنسابها، كانت متفرقة على أنحاء المعمورة، لكن لغة واحدة كانت تجمعها، وكتاب واحد كذلك، ومع هذا كانت ترحب بالاختلاف، فالأصل عندها المعاملة.

     كانت هذه الشعوب تمتلك أحلى صفات البشر، وأكثرها رقياً، كانت تمتاز بالكرم والشهامة، تحسن معاملة الجار، والضيف، والكهل، والطفل، والمصاب، والمرأة كذلك. فقد كانت تعي أهمية المرأة، كانت تعرف أنها نصف المجتمع، وهذا ما لم تفهمه شعوب كثيرة إلا متأخرا!

    كانت تلك الشعوب تحترم قادتها وتقدرهم، فهذا ما يستحقونه، أوليسوا هم الذين يوفرون لهم الحياة الكريمة ويسيرون أمور البلاد؟ لعل أكثر ما ضر تلك الشعوب عبر التاريخ؛ هم قادتها، بالإضافة إلى البعد عن كتاب الله.

    كان القادة عبر الزمان مطمئنين لحال شعوبهم، ذاك الحال الصامت، الحامد، الذي يتمثل جلّ طموحه بالسترة!

    كانت تلك الشعوب طيبة الأصل وحسنة الأخلاق، ما جعل القادة يتمادون بالظلم، ويعيثون بالأرض فسادا.

    لم تستيقظ تلك الشعوب إلا متأخرا! لتجد نفسها تحت أنظمة دكتاتورية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وجدت أن الفساد يعم المجتمع، وأن الفقر هو سمة الأفراد، وأن كل الصفات الحميدة التي كانت تتحلى بها ليست إلا سرابا!

     نظرت إلى قادتها، فلم تجد بهم رجلا يستحق لقب الحاكم! ونظرت إلى ذاتها، فتساءلت؛ هل نحن الشعوب التي يجمعها كتاب الله؟! إذاً؛ ما بالنا لا تظهر علينا صفات الكتاب؟!

    لقد تدهور حال أروع الشعوب! فلم تعد الحكومات فاسدة فحسب، بل انتقلت العدوى إلى الشعوب!

    قررت ثلة من تلك الشعوب أن تثور على قادتها، لعلها تصلح من ذاتها.

     وثارت تلك الثلة ونجحت! الأمر الذي لم يكن يتوقعه أحد! فالصورة التي رسمت عن تلك الشعوب؛ كانت صورة الشعوب المستضعفة، القانعة باللاشيء، التي وإن ثارت؛ فإنها سرعان ما تهدأ!

    لكنها هذه المرة؛ ثارت ولم تهدأ، ثارت ولبّت أولى مطالبها، ثارت ونقلت عدوى الثورة لمن حولها، ثارت وأزاحت هؤلاء التماثيل المغبرة! إلا أن بعضهم لم يستوعب بعد معنى تلك الثورة، فما زال بغبائه ينادي، ولكن صوت الشعوب أقوى، فالشعوب عازمة على إسقاطه وإسقاط أمثاله.

     لقد ثارت هذه الشعوب بسبب ظلم الحكام وفسادهم، ثارت بسبب القوانين التي تتماشى وأهوائهم، ثارت بسبب التضييق على الإعلام، وقبل هذا وذاك؛ ثارت بسبب الجوع القاهر! نعم، هذه شعوب ثارت حين جاعت، ولا عيب بذلك.

     والأمل من هذه الشعوب التي يجمعها كتاب واحد؛ أن تكون ثورتها القادمة من أجل انتهاك حرمات الله.

     وأن تستمر في ثوراتها حتى تعلو كلمة الحق، فبعلوها ستعود أروع الشعوب على الإطلاق.

     وكما قال  الفاروق، عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره؛ أذلنا الله).

* نُشر هذا المقال لأول مرة بتاريخ 14 آذار 2011 


من أجل هؤلاء المعذبين




من تدوينات مكتوب المرحوم - 2010

     سقوط على مؤخرة الرأس، ينجم عنه انكسار بالجمجمة، ينقل المصاب إلى المشفى للنظر بحالته، هناكـ؛ يكتفون بغرزه مكان الجرح، دون النظر فيما وراء هذا النزيف!
     بعد ستة أشهر؛ يكتشف أهل المصاب أن هنالك عظما على دماغ ابنهم، وأنه كان لابد من رفع هذا العظم خلال ثمان وأربعين ساعة من وقوع الحادث!
     هكذا أصيب جعفر بإعاقة عقلية، وهو في الثالثة من عمره. إعاقة لم يستسلم لها ذووه، حيث استمروا برحلة علاج معه لمدة سبع سنوات، إلى أن اصطدموا بصخرة الواقع، وهي ألا أمل من شفائه.
     في تلكـ الفترة؛ لم يكن هنالكـ مراكز كثيرة لذوي الإعاقة، والمراكز التي كانت؛ لم تكن تقبل جعفر إلا لفترات قصيرة، وهذا بسبب نشاطه الزائد، وعدم انضباطه في قضاء معظم حاجاته الأساسية.
     وفي المنزل كان يؤثر وجوده الدائم على تربية اخوته، فقد "حول المنزل إلى مسرح من الفوضى"!
     من هنا قرر أبو جعفر إنشاء مركز للتربية الخاصة، حتى يخدم ابنه وأمثاله من المعذبين.
     وفي تاريخ 5/ 11/ 1980؛ قدم أبو جعفر طلبا إلى وزارة التنمية، لإنشاء المركز، ولكن طلبه قوبل بالاستغراب والاستنكار، حيث كان يريد أن ينشئ مركزا داخليا؛ ولكن هذا الأمر كان مستهجنا في تلكـ الفترة. حيث كان هنالكـ معارضة لفكرة عزل المعاق عن ذويه، "كانوا يعارضون؛ دون أن يفكروا قليلا بأن هؤلاء المعاقين قد يدمرون أسرهم في أحيان كثيرة"!
     استمرت زيارات أبو جعفر إلى الوزارة اثني عشر شهرا، وكان بكل زيارة له يعود بكثير من اليأس إلى المنزل، ولكن رؤيته ابنه، كانت تعيد إلى نفسه النشاط من جديد، فيعود ويطالب بما يريد.
     وفي تاريخ 24/ 11/ 1981؛ حصل أبو جعفر على ترخيص من وزارة التنمية للمباشرة في العمل، وكان ذلكـ بعد لقاء له مع سمو الأميرة بسمة، وكانت انطلاقته من ناعور، لأنه لم يجد في عمان من يؤجره منزلا "للمجانين"! بحسب اعتقاد الناس بتلك الفترة.
     بعد ذلكـ بدأت الوزارة تضغط على أبي جعفر كي يعين مديرا مؤهلا في التربية الخاصة، فقد كان أبو جعفر هو من يدير المؤسسة، وهو محام.
     وهكذا، تقدم أبو جعفر إلى الجامعة الأردنية طالبا دراسة التربية الخاصة، وفي عام 1988؛ حصل على درجة الماجستير في التربية الخاصة.
     وخلال دراسته للماجستير؛ أعد وقدم رسالة بعنوان، التعليم والتشريعات الخاصة بالمعاقين، وشكلت هذه الدراسة نواة لمشروع قانون رعاية المعاقين، الذي أقر كقانون دائم في شهر آذار من عام 1993، وقد عرف القانون المعاق، وركز على الجوانب التعليمية والتربوية، وعلى حق المعاق في العمل، وكذلك على حقه في المشاركة بصنع القرار. وقد حصل الأردن بعد هذا القانون على جائزة (روزفلت) للتميز في قضايا المعاقين.
     في عام 1983؛ انتقل مقر مؤسسة جعفر للتربية الخاصة إلى عمان الغربية، وتختص هذه المؤسسة بالإعاقة العقلية، ومما تقدمه من خدمات؛ التدريب على العناية الداخلية، والاستقلال الذاتي، وتعديل السلوكـ، وذلكـ كله ضمن خطط تربوية فردية تتناسب مع قدرات الطالب المعاق وحاجاته.
     حين طلبنا من أبي جعفر أن يصف لنا حالة ابنه بالتحديد، قال لنا: "جعفر، هو خليط من التوحد والإعاقة العقلية"، فما أصابه بدماغه؛ سبب له الإعاقة العقلية، وما يلاحظ عليه من تقوقعه في عالمه الخاص، يدل على التوحد.
     وحين سألنا أبا جعفر عما سيفعله فيما لو وضع بيده مليون دينار من أجل المؤسسة، أجابنا: سأصمم مركزا يستوعب على الأقل ألف طالب، وسيحوي هذا المركز قسما طبيا خاصا بالمعاقين، وبالأخص عيادة أسنان لهم، فليس كل طبيب قادرا على معالجة هذه الفئة من الناس، وسأعمل على إيجاد قسم للتأهيل المهني.
     هذا هو أبو جعفر، وذلكـ مخططه لتطوير مؤسسته التي فتحت من أجل ابنه جعفر وأمثاله من المعذبين.

سـيـدة ظـلـمـت مـرتـيـن





من تدوينات مكتوب المرحوم - 2010

     عندما شاركت بحملة تطوعية لزيارة مرضى السرطان وذويهم في الأردن، تخيلت بأنني سأزور أشخاصا قتلتهم الهموم والأوجاع، أشخاصا غير قادرين على مواجهة من حولهم.
      ولكن في زيارتنا لأم حمزة وعائلتها في إربد، وجدت امرأة صلبة كالحديد، في وجهها نور نادر وكأنه نور الإيمان، وفي عينيها الشهلاوتين بريق يوحي بالأمل، ولكن من يتأملهما بعمق، يجد الحزن والأسى على عمر رحل وهو يصارع من أجل البقاء، والحذر من التفاؤل بشدة من مستقبل غامض حتى لا يكون الإحباط أشد، فقد أحبطت مرات عدة.
      أم حمزة سيدة في الأربعينيات، اكتشفت إصابتها بالورم الخبيث في الثدي منذ عشرة أعوام، حينها تقبلت الأمر وكأنه انفلونزا، كان همها الوحيد أطفالها، ماذا سيفعلون من بعد رحيلها. ولكن أطفالها تقبلوا الأمر كذلك، بل زادت حنيتهم على والدتهم، وأصبحوا هم أطبائها وممرضيها. أما زوجها أبو حمزة، فقد وهب حياته لتلك السيدة العظيمة، حتى أن ذلك طغى على اجتماعيته.
      بدأت أم حمزة رحلة العلاج في حين اكتشافها للإصابة، واستمرت هذه الرحلة أربعة أعوام، بإحدى المستشفيات الحكومية في عمان، ثم قيل لها بأنها شفيت تماما بعد أن استؤصلت الخلايا السرطانية بالكامل.
      ولكن وبعد عام من خبر شفائها، شعرت بألم غريب في قدميها، ثم علمت بأن الخلايا السرطانية لم تستأصل بالكامل، وأنها انتشرت إلى أن وصلت إلى الكبد والعظام. يرى زوجها بأن ما حدث هنا كان نتيجة خطأ طبي.
      ثم دخلت أم حمزة في رحلة علاج جديدة، على أمل ألا تتكرر أخطاء الماضي، كانت هذه الرحلة في مركز مختص بهذا المرض، والمركز وكما تقول أم حمزة ممتاز بل وأكثر، ولكن الغريب أنها بهذا المركز علمت مؤخرا بأن الخلايا السرطانية انتقلت إلى الدماغ وتغلغلت به، هنا يحمل أبو حمزة ما حصل على الأطباء، فيقول بأنه لو كان هناك متابعة طبية ممتازة لاكتشفت تلك الخلايا في بدايات انتقالها، ليس الآن بعد أن فقدت أم حمزة كل أمل بالشفاء.
      هذه هي أم حمزة السيدة التي ظلمت مرتين في رحلتي علاج كما يقول زوجها، ويقول بأنها عظيمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلم يشعر يوما بضعفها، كانت دائما تقويه، كما أنها كانت تلتقي أمثالها من المصابين وتحثهم على الصبر، وقهر ذلك المرض الخبيث بقوة الإيمان.
      أم حمزة ليست حزينة على ما ابتليت به، فقد استطاعت أن تحافظ على قوتها، وأن تورث تلك القوة لأبنائها وزوجها، ولكنها تحزن على الأطفال المصابين الذين تفتحت أعينهم البريئة على حياة كلها أسى.  
      حين سألنا أم حمزة عن شيء ترغب بحصوله في المستقبل، أجابنا زوجها أبو حمزة، لو يوجد أكثر من فرع لمركز السرطان في المملكة، فنحن كمقيمين بإربد، كنا ولا زلنا نعاني من طول المسافة من مكان إقامتنا إلى عمان، وهذه المسافة كانت تقطع في كثير من الأحيان بشكل يومي، وكنت في بعض الأيام اضطر إلى المبيت في عمان، وأنا لا أعرف أحدا هناك.
     إذا لم لا يكون هناك أكثر من فرع للمركز في مدن المملكة المختلفة، أو على الأقل لم لا يتم التعاون بين المركز وبعض المستشفيات في المدن البعيدة عن عمان.
     وقال أبو حمزة أيضا بأنه يتمنى أن يقاضي كل من أخطأ بحق زوجته في العلاج، فهو الآن يفقدها.
     ولكن وفي حال انتهائه من تلك العبارة، نظرت إليه أم حمزة وكأنها تعاتبه على ما قال، فهي بالفعل سيدة عظيمة، إنها ومع التهاون الذي حصل لها في علاجها، إلا أنها لا تنظر إلى من عالجها ووقف بجانبها في محنتها إلا نظرة احترام وتقدير.