Thursday 17 August 2017

من "الإسرائيلي" الذي يمكننا محاسبته؟

الصفعة كانت كبيرة ومدوية، لم يتردد مرتكبها من الإتيان بها ولم يشعر بالخجل من التعدي على حرمة بلد يستضيفه، أو بالخوف من ردة فعل حكومته التي قد تتأثر علاقتها مع هذا البلد الذي يفتح لها أبواب السلام على مصراعيها وعلى الرحب والسعة، في الوقت الذي يغلقها أمام فلسطينيين شتّتهم ولا يزال يشتّت بهم العدو.
وكيف له أن يتردد وهو من تعلّم في مدارسه أن قتل العرب، وإن كانوا أبرياء، يُعتبر بطولة؟! وكيف له أن يشعر بالخجل وهو الذي يعرف حق المعرفة أن هذا البلد الذي يستضيفه سيفضّ أي مظاهرة ضده إن اقتربت من حدود سفارته؟! وهذا ما حدث ويحدث بالفعل. أما الخوف، فمن يخاف من حكوماته غيرنا نحن العرب؟! ثم أخبروني بحق، كيف له أن يخاف وهو من يسنده كبير القتلة "نتن ياهو"، الذي استقبله بحفاوة، بعد أن ساعدت الحكومة الأردنية بتهريبه عُقب ساعات من الجريمة، وأخبره بأنه تصرّف بشكل جيد وأنه فخور به؟
تعاملت الحكومة الأردنية مع جريمة "حارس السفارة" النكراء برحمة قلّما نجدها إن كان المجرم واحداً منا، وبلطف نفتقده إن كانت جريمة السفارة هذه هي جريمة سفارة عربية شقيقة، حدث ذلك تحت ذريعة أنه دبلوماسي يمتلك حصانة سياسية وقانونية. ولكن، ورغم الفتوى الدبلوماسية، ألم يكن بإمكان حكومتنا أن تحتجز المجرم لفترة أطول؛ لإطالة معاناته بالانتظار ولزيادة حرج دولته المزعومة وحثّها على التفكير بالعواقب التي قد تحدث؟ ألم يكن بإمكان حكومتنا أن تستغل مثل هذه الجريمة وأن تقوم بتجيير الخطيئة الإسرائيلية لمصلحة الأردن والقضية الفلسطينية؟
 
وهنا، يجب التنويه إلى أن هذه الصفعة المدوية لم تُقابل، كما يظن البعض، بصفقة تتعلّق بإزالة البوابات الإلكترونية من محيط المسجد الأقصى، بل إن ما حدث، لم يحدث إلا بفضل المرابطين والمرابطات على أبواب الأقصى. فلا تسرقوا جهودهم!
إن تفكّرنا بأحداث جريمة "حارس السفارة"، التي اختلفت الروايات بشأنها، ولكن الرواية التي تم اعتمادها، حتى من حكومتنا الرشيدة، هي رواية المجرم نفسه "حارس السفارة"، الذي ادّعى أنه قتل الشاب الأردني (الطفل في الأعراف الدولية) محمد زكريا الجواودة، والذي لم يبلغ الـ 17 عاماً، بعد أن تعدّى عليه وحاول طعنه بمفك يحمله بيده على إثر خلاف بينهما، حيث وصل الجواودة لمكان الجريمة (محيط سفارة العدو) بهدف تركيب أثاث في شقة المجرم، وكان برفقتهما الطبيب الأردني بشار الحمارنة، الذي يقوم (للأسف وبكل غرابة) بتأجير عمارته للعدو منذ زمن، والذي قُتل كذلك على يد المجرم نفسه، ولكن وبحسب المجرم، فإنه قتله عن طريق الخطأ.
هل قتله عن طريق الخطأ أم ليدفن الشاهد الوحيد على جريمته ومن ثم ليتمكن من نسج الرواية التي تناسبه؟ وإن صحّت روايته، فهل ما فعله يُعتبر دفاعاً عن النفس أم قتل مع سبق الإصرار؟! ألم يكن بإمكانه ردع هذا الطفل بأقل الطرق إيذاءً أم أنه استغل الموقف ليشفي غليله من الدم العربي؟!
أسئلة كثيرة ومؤرقة تؤدي بنا إلى سؤال جديد: "في يومنا هذا، من هو "الإسرائيلي" الذي يمكننا محاسبته"؟
قبل 20 عام، تحديداً بتاريخ 25/9/1997، أقدم الموساد الإسرائيلي على اغتيال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية حماس، والتي، وأقولها آسفة، أصبحت تصنّف اليوم إرهابية بنظر أشقاء عرب.
تمّت محاولة الاغتيال على أرض عربية، في الأردن تحديداً، ولكنها كانت بتخفٍ وبصمت، فقد كان العدو يعرف خطورة ما يقوم به فيما لو كُشف، كان يعرف أن اتفاقية السلام التي تجمعه مع الأردن تمنعه من الاستخفاف بهيبة المواطن الأردني وبحياته، ومع ذلك، لم يتمكن من مقاومة نهمه في امتصاص الدم العربي.
لم تكتمل محاولة الاغتيال، لكنها وفي بدايتها، هدّدت حياة مشعل، ما جعل الملك السابق حسين يعتبر ما جرى ضربة غادرة واستهدافاً للسيادة الأردنية وانتهاكاً لمعاهدة السلام، ليقولها بصراحة ووضوح: "إذا مات مشعل فإن اتفاقية السلام ستموت معه". كم نحن بحاجة لمثل هذه التصريحات في أيامنا هذه!
رغم اختلاف الضحية في الجريمتين، ففي جريمة الأمس هي أحد رؤوس المقاومة والتي كنا ولا نزال نفخر بها رغماً عمّن يريد تشويهها في حاضرنا، وفي جريمة اليوم، الضحية تنقسم لشخصين، الأول مطبّع نأسف لانتمائه لنا (الطبيب)، والثاني طفل لا نستطيع الحكم عليه بشكل مباشر. ومع ذلك، كان على الحكومة متابعة القضية بشكل يحترم سيادتها أكثر، فلو وضعنا الآراء السياسية على جنب، سنجد أنه يوجد جريمة قد ارتكبت.
 
السلام لا يعني الاستسلام، هذا ما حاول إيصاله الملك السابق حسين، فاستغل محاولة الاغتيال لصالح الأردن، وهزّ الكيان الإسرائيلي بصفقة ترضي المجتمع الأردني، حيث طالب بجلب الترياق الذي سيشفي مشعل، وبإخراج الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس من السجون الإسرائيلية، وبإخراج 50 أسيراً آخرين. وبالفعل تم كل ذلك. لتتحول هذه الصفعة الإسرائيلية الصامتة إلى خبر مدوٍ يهزّ الداخل "الإسرائيلي" ويهزم خطته الخجولة.
 
بالنسبة للدوافع التي حرّكت الملك السابق حسين في ذلك الوقت، فقد تكون جاءت كرد فعل سريع على ما قامت به "إسرائيل" حين قتل أردني 7 إسرائيليات في نفس تلك الفترة، أو لامتصاص الغضب العربي الذي قد لا تُحمد عواقبه أو لغير ذلك. بغض النظر عن الأسباب، فقد نجح الملك بزعزعة ثقة العدو وبإنقاذ حياة مشعل وبتحرير مجموعة من الأسرى وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين، وهذا كان كافياً ليبثّ الفرح في أوساط الأمة العربية وليرضي شعبه وينسيه معاهدة السلام مع العدو ولو لحين.

أما اليوم، فلم يعد بالإمكان محاسبة الأعداء حتى وإن كانوا مجرد حارس طائش نستضيفه في بلادنا!


تجدون التدوينة كذلك على مدونات الجزيرة:

No comments:

Post a Comment